خسرو سيمناني وغاري ساندكويست: الشرق الاوسط
مدينة سولت ليك، يوتا – عندما يجتمع مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى مع دبلوماسيين رفيعي المستوى من دول (5 زائد 1)، وهي الولايات المتحدة ، والمملكة المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، في كازاخستان اليوم (الثلاثاء) من أجل مناقشة برنامج إيران النووي – سيكون التركيز على مفاعلي ناتانز وفوردو، فهما أكثر منشأتين لتخصيب اليورانيوم يدور حولهما النقاش. مع ذلك، من المفترض أن يتم ضم مفاعل بوشهر إلى جدول الأعمال. ويعد هذا المفاعل هو الوجه الذي يتمتع بـ«القبول» الأكبر لبرنامج إيران النووي. وفي الوقت الذي ينصب فيها اهتمام العالم على مفاعلي ناتانز وفوردو، يمكن أن يصبح بوشهر هو البجعة السوداء لعام 2013. لماذا؟ لأن بناءه غير متقن وإدارته سيئة، مما يرجح تسببه في كارثة مثل تلك التي تسبب بها مفاعل تشرنوبل، وهو ما سيمثل مفاجأة للعالم ويحدث ضررا لا يمكن توقع حجمه لإيران ودول الخليج المجاورة وللاقتصاد العالمي.
يستخدم المفاعل، الذي تم بناؤه على أيدي مهندسين روس وخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالفعل في توليد الطاقة الكهربائية، ويجمع أكثر الخبراء في المجال النووي على أنه لا يصل إلى المستوى الذي يثير القلق من استخدامه في تصنيع القنبلة النووية مثل المنشآت النووية الأخرى. ورغم أن هذا صحيح، ينبغي أن يكون مفاعل بوشهر مدرجا على جدول الأعمال نظرا لخطر الانفجار الذي يتهدده، فالعشوائية في التخطيط والإدارة الفنية تعم المفاعل. الساعة تدق والوقت يمر ولا بد من اتخاذ موقف.
وصرح بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، لصحيفة «واشنطن بوست»، مؤخرا، بأنه يعتقد بضرورة أن يقلق المجتمع الدولي من استغلال إيران للمحادثات الخاصة بالبرنامج النووي كغطاء من أجل كسب الوقت حتى تتمكن من تصنيع السلاح النووي. ونشرت الصحيفة نفسها في صفحتها الأولى في 14 فبراير (شباط) موضوعا يوضح سعي إيران إلى الحصول على عشرات الآلاف من المغناطيسات المتخصصة. ما السبب وراء ذلك؟ لتدوير أجهزة الطرد المركزي. وأشارت الصحيفة إلى أن هذا قد يكون مؤشرا على اتجاه إيران نحو تصنيع سلاح نووي. ولا تزال الأنظار موجهة إلى احتمال تصنيع إيران لسلاح نووي، لذا تجاهل المجتمع الدولي خطر انفجار مفاعل بوشهر.
وأثارت المشكلات الفنية، التي حدثت على مدى الاثني عشر شهرا الماضية، مخاوف حقيقية من قدرة إيران على تشغيل المنشأة النووية بكفاءة. وأدت هذه المشكلات الفنية إلى إغلاق المفاعل بشكل مؤقت في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2012، بحسب ما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء نقلا عن مصدر روسي في هذا المجال. وعبر مسؤولون غربيون عن قلقهم بشأن هذا المفاعل بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012، الذي أوضحت فيه أن إيران أطلعت الوكالة على نقل مفاجئ للوقود. وربما تكون «مشكلة بوشهر» جديدة على المجتمع الدولي، لكن طالما نظرت الدول المجاورة لإيران، خاصة الدول العربية الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، إلى مفاعل بوشهر باعتباره قنبلة موقوتة. ويعد مفاعل بوشهر أقرب إلى عواصم كل دول الخليج منه إلى العاصمة الإيرانية. وطالما شعر مسؤولون رفيعو المستوى في دول مجلس التعاون الخليجي بالخوف من انفجار المفاعل وتسببه في أضرار، لا يعلم أحد مداها، لاقتصاد دولهم وحياة البشر. ويمكن أن يعرقل الانفجار المفاجئ للمفاعل نقل النفط من دول الخليج لأشهر، ويعرض منشآت تحلية المياه الضخمة إلى الخطر، ويضر بصحة أجيال من الإيرانيين والعرب والعاملين الأجانب لعقود نتيجة الإشعاع. لا يمكن حساب العواقب.
وحتى إذا تم تفادي حدوث هذا الانفجار غير المقصود، يقع مفاعل بوشهر في حزام زلزالي نشط، مما يزيد من مخاطر وقوع كارثة تشبه كارثة فوكوشيما. وإذا لم يتم اتخاذ موقف، سيكون هذا الحادث أكبر من أن يتجاهله المجتمع الدولي. يجب أن يدرج موضوع بوشهر على جدول أعمال محادثات مجموعة (5 زائد 1)، ليس باعتباره قضية إنسانية فحسب، بل أيضا كأحد الأمور التي ستؤدي إلى عواقب اقتصادية على مستوى العالم.
لن يتسبب حدوث الانفجار النووي على شاكلة تشرنوبل فقط في أضرار بالغة بجنوب إيران وست دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي؛ هي: البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، بل سيوقع كذلك أضرارا بالغة بالاقتصاد العالمي.
وانتشار الإشعاع النووي في الهواء والماء سيمنع حركة النقل عبر مضيق هرمز، وهو أهم معبر للنفط في العالم، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، ومواجهة الاقتصاد العالمي لإعصار شديد. ومع الرياح التي تهب من الشرق على الغرب في الخليج والتيارات الساحلية التي تدور عكس اتجاه عقارب الساعة، من المحتمل أن يلوث الغبار الذري حقول النفط ومنشآت تحلية المياه التي تزود السكان المحليين بالمياه العذبة. قد يكون هذا كارثة تامة لدول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد على منشآت تحلية المياه، ويهدد الأسطول الأميركي الخامس المتمركز في البحرين. كذلك سيمثل الغبار الذري الناتج من مفاعل بوشهر خطرا كبيرا على المراكز السكنية والتجارية في المنطقة. وينبغي أن تبدأ الوكالة الدولية للطاقة النووية فورا بعمل تقييم شامل لأمان مفاعل بوشهر.
تؤكد كل من كارثة انفجار مفاعل تشرنوبل عام 1986، وكارثة فوكوشيما عام 2011، حقيقة احتمال حدوث انفجار مفاجئ في المفاعلات النووية. كذلك تؤكد هذه الحوادث أهمية التحلي بقدرة على اتخاذ موقف جماعي طارئ متكامل على المستوى المحلي والقومي والإقليمي.
إن تاريخ بوشهر مليء بالاضطرابات. لقد بدأت عملية إنشائه عام 1975 على أيدي مهندسين ألمان وتوقف العمل به بعد ثورة 1979، ثم تم استئناف العمل به بمساعدة الوكالة الروسية للطاقة النووية، وتعطل العمل به أكثر من مرة وواجه مشكلات فنية منذ البداية. وفي أغسطس (آب) عام 2010 وبعد سنوات من تعطل العمل به، أصبح من الممكن أن يبدأ العمل بالمفاعل رسميا بعد وصول قضبان الوقود. ولم تمر ستة أشهر على بداية عمله إلا واضطرت السلطات إلى إغلاق المفاعل بسبب مشكلات في نظام التبريد بسبب مكونات ألمانية الصنع. وكانت المشكلات بالنسبة إلى غلام رضا آغازاده، الرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية، ناجمة عن خلل في التصميم. وقال إن 24% من الأجزاء والمعدات المستخدمة في مفاعل بوشهر ألمانية الصنع، و36% منها إيرانية الصنع، و40% منها روسية الصنع. وليست هذه هي طريقة بناء مفاعل نووي، مستوى الأمان به مرتفع.
إن مفاعل بوشهر ما هو إلا قنبلة موقوتة، قد تكون أخطر على المدى القصير من لعبة تخصيب اليورانيوم المترددة التي تتم في مفاعلي ناتانز وفوردو وتشبه لعبة القط والفأر.
هناك نقطة انطلاق يمكن أن تبدأ منها مجموعة (5 زائد 1). إن إيران هي الدولة الوحيدة التي لديها منشأة نووية رغم عدم توقيعها على اتفاقية السلامة النووية عام 1994. والجدير بالذكر أن دولا مثل إسرائيل والهند وباكستان لم توقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، لكنها وقعت على اتفاقية السلامة النووية. وفي رسالة إلى صحيفة «نيويورك تايمز» بتاريخ 3 يناير (كانون الثاني) عام 2013، أعرب السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، محمد خزاعي، عن استعداد طهران للانضمام إلى اتفاقية السلامة النووية. ويعد هذا الأمر تطورا إيجابيا، ولكن في ضوء الكثير من وعود إيران السابقة بالتعاون مع الوكالات الدولية، علينا معرفة ما إذا كانت إيران ستمضي قدما نحو هذا الالتزام أم لا.
يمكن لمجموعة (5 زائد 1) أن تبدي النوايا الحسنة تجاه إيران، وتعزز الأمن الإقليمي، وتحمي الاقتصاد العالمي، من خلال حث إيران على توقيع هذه الاتفاقية، ولكن هذا أيضا إلى جانب تقديم المساعدات الفنية لحماية مفاعل بوشهر. بالطبع، تعتبر المعاهدات ذات أهمية، لكنها ليست كافية. يجب على الدول المجاورة لإيران التعاون مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى في ما يتعلق بجهود اتخاذ موقف سريع للتخفيف من عواقب أي كوارث محتملة.
وفي عالم يزداد ترابطا وتشابكا، يعد أي قصور في أي مفاعل نووي تهديدا لنا جميعا، وفي مفاعل بوشهر هناك أوجه قصور بالفعل. ومع ذلك، لن ينفع المجتمع الدولي توبيخ ومعاقبة طهران على أوجه الخلل في مفاعل بوشهر. هنالك فرصة للتعاون الإقليمي والعالمي، من شأنها أن تنتج حالة من حسن النوايا. ينبغي لدول مجلس التعاون الخليجي العمل معا من أجل التوصل بهدوء مع إيران إلى طريقة بناءة لدعم جهود حماية مفاعل بوشهر. ويمكن القول إن مفاعل بوشهر يمثل لهم تهديدا أكبر من إيران ذاتها.
وللعمل على تعزيز هذا الحوار الإقليمي، ينبغي للأمم المتحدة تشكيل لجنة لدراسة مشاكل مفاعل بوشهر، وتقديم المساعدة الفنية للحد من احتمالات وقوع أي حادث طارئ. وينبغي للجنة الخروج بتوصيات خاصة بتدابير بناء الثقة تضمن سلامة المفاعل، والعمل على تشجيع إيران وجيرانها على تبني استراتيجيات شاملة للاستجابة في حالات الطوارئ عند وقوع حادث نووي في مفاعل بوشهر الإيراني.
ويأتي على القدر نفسه من الأهمية، ضرورة إعلان مجموعة (5 زائد 1) أمام وسائل الإعلام استعدادها لمساعدة «الشعب الإيراني» والدول المجاورة لضمان سلامة مفاعل بوشهر. إن هذا من شأنه أن يظهر للعالم أجمع أن مجموعة (5 زائد 1) ليست معنية فقط بالأسلحة الإيرانية، ولكن أيضا بالشعب الإيراني. وينبغي للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تركز على سلامة مفاعل بوشهر بالقدر نفسه من الاهتمام بالتفاصيل التي تستخدمها للكشف عن أي برنامج تسليح من جانب طهران. ويعتمد على هذا مئات الآلاف من الأرواح، فضلا عن أسواق النفط العالمية والاقتصاد العالمي، وأمن العالم.
* سيمناني مؤلف كتاب «مغامرة آية الله: التكلفة البشرية لتوجيه ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية». وساندكويست أستاذ فخري في الهندسة الميكانيكية والنووية بجامعة ولاية يوتا الأميركية.