هل يستطيع الاسلاميون ان يغدروا بنا؟
بقلم: طلال عبدالله الخوري
بعد ان وصل الاسلاميون للحكم بتونس, وهم مرشحون أيضا بان يصلوا للحكم باكثر من بلد, مثل: سوريا, مصر واليمن,…الخ, من خلال الانتخابات الديمقراطية, كثر الجدل حول نوايا الاسلاميين المستقبلية, حيث هناك تخوف من انهم سيتنكرون للديمقراطية, والبرنامج الانتخابي الليبرالي الذين اوصلاهما للسلطة؟!
من الملاحظ حاليا بأن الاسلاميون قد قفزوا على قطار الثورات العربية, وساهموا بانجاح هذه الثورات بشكل او بآخر. ولقد غيّر الاسلامينون ايضا من خطابهم, وتبنوا الخطاب الليبرالي, ولقد قام المرشد الروحي للاسلاميين, يوسف القرضاوي, بتأصيل للديمقراطية من التراث الإسلامي, وهذا كان يسيرا له لأن الاسلام يتميز بأنه حمال اوجه. وذهب الاسلاميون الى ابعد من ذلك حيث وعدوا بانصاف المرأة! فالمتحدثة باسم المجلس الوطني السوري ذو الاغلبية الاسلامية, بسمة قضماني, هي امرأة غير محجبة! والمتحدثة باسم حزب النهضة ايضا امرأة غير محجبة, واعتبر اعضاء من الحزب بحملاتهم الانتخابية بان شرب الكحول( المحرم شرعا) حرية شخصية، كما قدم الحزب وعوداً بأن يحافظوا على قوانين الأحوال الشخصية؟ اما حماس التي وعدت ناخبيها برمي اسرائيل بالبحر, تراقب هي الآن الاسرى الفلسطينيين المحررين بصفقة شاليط, لكي لا يزعجوا اسرائيل؟ اما اسلاميو مصر فيتحاورون مع الاميركان علناً؟
في هذه المقالة نريد ان ندلي بدلونا في هذا النقاش الهام والحيوي والمصيري, محاولين الاجابة على السؤال التالي:
لو فرضنا جدلاً بأن هناك نية لدى الاسلاميين بالغدر بنا فهل يستطيعون ذلك؟
للاجابة على هذا السؤال اريد ان اعرج الى التاريخ قليلاً, لكي أجلب منه مثالا قريبا من حالة الاسلاميين الذين قد يظنون بانهم يستطيعون ان يخدعونا, مثلما ظن اجدادنا عندما دخلوا الاسلام لكي يحافظوا على ممتلكاتهم, بانهم يستطيعون المناورة مؤقتا ثم يرتدون عن الاسلام عندما تسنح لهم الفرصة؟ ولكن الحقيقة هي انه بعد جيل او جيلين اصبح اجدادنا من الذين دخلوا الاسلام من اشد المتدينين بالاسلام!
لايضاح هذه الفكرة ساسرد قصة مثل يتداوله السوريون منذ مئات السنين بجلساتهم, وبسبب غياب المراجع التاريخية الموثوقة, يحق لنا استخدام القصص المتواترة لتوثيق تاريخنا. لقد اصبحت خاتمة هذه القصة مقولة شعبية يستشهد بها السوريون عند محاولة احد الاشخاص البسطاء بغدر من هو أدهى منه, فيقول السوري بهذه الحالة: اجينا لنسلم, لقينا الخوري عميؤذن (اي اتينا لنشهر اسلامنا, فوجدنا القسيس قد سبقنا وهو الآن ينادي بالآذان)؟
مناسبة هذه القصة: هي بعد الفتح الاسلامي لبلاد الشام كانت كل سوريا وبكامل قراها مسيحية متدينة. ولتأليف قلوب الناس على الدخول بالاسلام ( المؤلفة قلوبهم: مبدأ معروف بالاسلام لاغراء الناس للدخول بالاسلام) كان هناك عرف اسلامي مفروض يقضي بانه, بأي قرية, اذا أسلم ولو شخص واحد بهذه القرية, فيتم اقتسام املاك القرية من اراض بين المسيحيين والمسلمين مناصفة! اي يصبح هذا الذي ادعى انه اعتنق الاسلام مالكا لنصف اراضي القرية, ويبقى النصف الاخر لبقية سكان القرية من المسيحيين!
تقول القصة: كان باحدى القرى السورية خوري يملك كل اراضي القرية التي ورثها ابا عن جد. وكان هذا القسيس بحكم منصبه الديني والاقتصادي يفرض الكثير من الطلبات على سكان القرية من الفلاحين الذين يعملون لديه. فامتعض مجموعة من الفلاحين وارادوا ان يلقنوا هذا القسيس الذي اهلك كاهلهم بمتطلباته درسا لا ينساه, وارادوا ان يشهروا اسلامهم لكي يحصلوا على نصف املاكه من الاراضي! لاشئ يخفى على القسيس بالقرية وقد عرف بنوايا فلاحيه. ذهب الفلاحون الى اقرب مكان فيه مسجد لكي يشهروا اسلامهم فوجدوا القسيس قد سبقهم باشهار اسلامه واخذ ينادي بالآذان لكي يعلم الجميع بقراره. طبعا اخر ما كان يريده هذا القس هو ان يخسر نصف املاكه لفلاحيه ولو كان على حساب دينه, فعند حسابات الملك تنتهي وتتوقف حسابات الله. وبما أن الخوري قد سبقهم باشهار اسلامه, فلا يحق للفلاحن مقاسمة المسلم على املاكه, وبقي القس مالاكا للارض وبقي الفلاحون يعملون لديه. وهنا,طبعا, اطلق الفلاحون مقولتهم الشهيرة والتي يستخدمها السوريون: اجينا لنسلم, لقينا الخوري عميؤذن. أي بمعنى اخر: ارتضينا لانفسنا ان نكفر لكي تصطلح احوالنا, ولكن حتى الكفر لم يسعفنا؟ طبعاً, بالنسبة للسوريين في ذلك الوقت كان اشهار الاسلام هو الكفر! والكفر بالنسبة للسوري هو اشنع اثم يمكن ان يرتكبه الانسان ولا يجاريه اي أثم اخر .
طبعا لو حاول اي من الفلاحين او سادتهم بأي وقت من الاوقات الرجوع الى دينه الاصلي, لكان حكم الردة والقتل بانتظاره, هذا عدا ان اسرته ستخسر كل امواله وممتلكاته. ولكي يتجنب اي من الذين اسلمواشبهة الردة وبالتالي حكم الردة, فقد بالغوا باظهار تدينهم بالاسلام,.. وجيلا بعد جيل من المبالغة بالتدين, اصبح لدينا هذا المستوى المفرط من التدين في معظم البدان العربية والاسلامية والذي نراه الآن.
نحن نجزم بأن عبقرية الرسول وسر انتشار الاسلام يكمن في ان رسول الاسلام قد طور هذه المنظومة المتكاملة من شروط الاسلمة والتي تقول: اما الاسلام او الجزية او الحرب, ثم مكاملتها مع قانون الردة لمنع الذين يدخلون بالاسلام من الخروج منه. وبهذه التقنية البسيطة استطاع رسول الاسلام ان يخضع عشرات الشعوب المتحضرة والتي تمتد حضارتها الى آلاف السنين ومتجذرة بعمق التاريخ وهي الشعوب العربية, والارامية والعبرية والاشورية والسريانية والفارسية والقبطية والامازيغية والتركية والاوروبية والحضارات الاسيوية حتى الهند عبر افغنانستان وبكاستان حتى بلاد الهند والسند, وهذا الانجاز لم يسبقه اليه احد بتاريخ الانسانية.
اذا في منظومة الرسول للاسلمة كان حكم الردة بالقتل هو الرادع لمنع الذين دخلوا بالاسلام من التراجع عنه, فما الذي سيمنع الاسلاميين الحاليين من الارتداد عن الديمقراطية وبرامجهم الليبرالية؟؟ الذي سيمنعهم هو العوامل التالية:
اولا: ان العالم, الآن, قد تغيّر! وبالتالي الشعب العربي قد تغيّر كأحد مكونات شعوب العالم, فلا يستطيع الاسلاميون ان يعزلوا شعبنا بعد الآن عن بقية شعوب العالم كما فعل حكامنا المستبدين بالسابق والذين تخلصنا منهم اصلا لهذا السبب, واصبح شعبنا يزخر بالمثقفين والمتنورين والعلمانيين والذين تخرجوا من ارقى الجامعات بالعالم, ولن يستطيع احد معاملته كالقطيع, بعد ذلك, كما كان يفعل الطغاة سابقا,لان جدار الخوف قد تحطم وتقنية الثورات والاعتصامات اصبحت معروفة للجميع.
ثانيا: التكنولوجيا المتطورة التي سهلت من تواصل الشعوب مع بعضها البعض و بالتالي اصبحنا كمن يعيش بقرية كونية ننشد الحرية والديمقراطية.
ثالثا: لكي يستطيع اي حزب ان يقود حكما بوقتنا هذا ويرضي شعبه, فيجب عليه ان يقود تنمية اقتصادية, والتنمية الحقيقية لا تتم الا باستخدام اقتصاد السوق التنافسي, وهذا الاقتصاد لا يكون ناجحا وتنافسيا الا اذا كانت الحكومات لا تتدخل باقتصاد السوق. واذا فشل الاسلاميون اقتصاديا فسيعزف الناس عن انتخابهم.
اهم عقبة تجعلنا نتوجس من اعطاء الاسلاميين فرصة بالحكم هي المال الوهابي الذي يجد بالاسلمة وسيلة لاستمرار نظامه؟؟ فنحن على يقين بان البترودولار سيتدفق الى الاسلاميين لشراء الذمم والاصوات؟؟ ولتقوية حكمهم وتثبيته؟ ولكن من جهة اخرى لدينا امل بأن المال الوهابي لم يعد يستطيع ان يتغلب على الجيل الحالي المتنور والمتسلح بالتكنولوجيا والمتكامل مع العالم الخارجي بالعولمة. من جهة ثانية, فان المال الوهابي لم يعد قادرا على تغطية كلفة الاسلمة التي اصبحت مكلفة عليه وخاصة بانه هو اصلا بحاجة لهذا المال لبلاده للقيام بالمشاريع الاقتصادية لتنمية بلاده لكي لاتثور بلاده ضده ايضا.
مما سبق نرى, بأن كفر الاسلاميين بالاسلام وقبولهم بمبادئ الليبرالية لكي يجمعوا بين السلطة ويتمتعوا بهالة القداسة الاسلامية, لن تنجح معهم ,ولكنهم بالحقيقة بانهم سيتحولون الى علمانيين متشددين وبدون اي قداسة اذا ارادوا ان يحكموا في عصر العولمة. ونحن نعتقد بان فوز الأحزاب الإسلامية بالانتخابات الديمقراطية، ستنهي من تربية الأوهام في عقول الأسلاميين، لانهم سيضعون انفسهم بين خيارين لا ثالث لها، إما أن تتبنى هذه الاحزاب حكماً علمانياً ديموقراطياً، كما في حزب العدالة والتنمية التركي، وبذلك تخسر قداستها وشعاراتها الدينية المضللة، أو تعاند الحقائق وتصطدم بحائط العناد والفشل من الناحية السياسية والاقتصادية، وبالتالي يعزف الناس عن انتخابهم, وبهذه الطريقة الباهظة الثمن سيلاقي الاسلام السياسي حتفه, وحتما بالنهاية, سيتم فصل الدين عن الدولة كما حدث في اوروبا.
وفي الختام نحن نجزم بأنه كما اصبح السوريون وغيرهم من متدينين ومتعصبين بالاسلام, بنفس الطريقة سيتحول الاسلاميون مع الزمن لاشد المتعصبين للعلمانية, فليس من السهل الغدر بالشعوب في وقتنا الحالي.