لا يزال قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منح لاجئين سوريين الجنسية التركية يثير سجالاً واسعاً بين السوريين والأتراك على السواء. والسجال المحتدم في وسائل الإعلام الافتراضي كما في الإعلام الواقعي مرده خصوصاً إلى التحول المفاجئ في الموقف حيال لاجئين منعوا طوال خمس سنوات من الحصول على صفة لاجئين، ليتحولوا في غضون أيام من ضيوف الى مرشحين محتملين للحصول على الحقوق الكاملة للمواطنة.
وتزيد التكهنات في شأن دوافع أردوغان من سوابق له في التعامل مع ملف اللاحئين وهو كان هدد قبل أِشهر بإغراق أوروبا بهم إذا لم يلبّ الإتحاد الأوروبي شروط أنقرة، وخصوصاً إلغاء تأشيرة الدخول للاتراك. وليس توقيت القرار أكثر وضوحاً في خضم تحولات كبيرة تشهدها الديبلوماسية التركية.
لم يقتنع كثيرون بالدوافع الإنسانية لأردوغان الذي سبق له أن حاول عقد صفقة العمر لتركيا على حساب معاناة النازحين، ووافق مع الأوروبيين على اتفاق لترحيل مهاجرين من أوروبا وصفته منظمات إنسانية بأنه غير إنساني. وفي انتظار استكمال اتفاق إلغاء التأشيرة للأتراك المسافرين ألى أوروبا، يبدو أن أردوغان يخطط لمكاسب داخلية هذه المرة. ففي ما يعكس قطباً مخفية في القرار، أفادت وزارة الداخلية أنها لا تزال تعمل على بلورة تفاصيل منح الجنسية التركية للسوريين المقيمين في تركيا “من ذوي الكفايات”، وانتقاء الذين لم يتورطوا في الإرهاب، بينما نسبت صحيفة “حريت” الى مسؤول تركي رفيع المستوى أن العمل في هذا المجال بدأ قبل أكثر من سنة، وقبل وقت طويل من تصريح أردوغان. وذهب هذا المسؤول إلى القول إن إعلان هذه الخطوة في هذا الوقت هو قرار سياسي.
وردود الفعل الساسية في تركيا تعكس شعوراً مماثلاً حيال القرار، فأحزاب المعارضة رأت أن هذه الخطوة تهدف الى تحقيق ميزة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وشككت في طابعها الانساني. وذهب حزب الشعب الجمهوري إلى حد القول صراحة إن أردوغان ليس مهتماً بمستقبل هؤلاء الناس، وإنما بالمكاسب السياسية التي سيجنيها من تجنيس 300 ألف سوري في الانتخابات العامة المقررة سنة 2019.
ولكن هل حقاً يريد اللاجئون السوريون الجنسية التركية؟
في حالات كثيرة، لا تعد هذه الجنسية مكسباً لهؤلاء، ولا يوفر جواز السفر التركي تسهيلات لحامله. وفي بعض المناطق التركية، يحتمل أن يشكل عبئاً.
كان الأجدر بأردوغان، بدل منح السوريين الجنسية التركية، أن يساعدهم على الحفاظ على سمعة جنسيتهم، وبذل جهود جدية لمنع إرهابيي العالم من التسلل الى سوريا وخطف ثورة أبنائها وتهديد سلام العالم بأسره.
* نقلاً عن “النهار”