في ستينات القرن الماضي شهدت بأم عيني عملية اخصاء ثور.. لم يحدث ذلك على سرير مستشفى.. او في عيادة بيطري مشهور.. بل على تراب ارض موشاة بحجارة وحصى.. تحت شجرة لوز.. وبحضور صاحب الثور والرجال الذين جاؤوا بالحبال التي أوثقوا بها قوائمه.. وقطعتين ضخمتين من الخشب المفروز بمنحنيات تلائم خصيتي ثور يافع.. ومطرقة من النوع الذي يستعمله الحداد في تطريق الحديد المحمى.
كان الثور يشخر وينخر ويحاول تخليص نفسه من وثاقه.. فيثير غبارا.. وكنا نحن الأطفال.. الذين يصيّفون مع أهلهم.. او يحلّون ضيوفا عند بعض الاقارب في “سلمى”.. عاصمة جبل الأكراد باللاذقية.. كنا قد صنعنا حلقة ثالثة تبعد عن حلقتي الثور الأسود المغبر والرجال ومعداتهم.. وعلى مسافة تكفي كي ندير حوارا هامسا متسائلا.. ونلحظ بنفس الوقت النظرة عديمة المعنى التي يرمقنا بها الثور.
بعد صخب.. وشد وجذب.. هوى احد الرجال بالمطرقة فوق الخشبة العلوية.. ضربة واحدة.. جعلت الثور يطلق زفرة قصيرة تشبه تأوها بشريا.. ساد بعدها الصمت.
في طريق العودة.. تبرع “ممتاز”.. الذي يكبرنا بثلاث سنوات كافيات في ذلك الوقت المبكر من حياتنا.. كي يكون حكيم القرطة.. بالاجابة على سؤالي الاستنكاري: “لا يا ابو صطيف.. لو انهم أخصوه على مراحل تستغرق اياما كما تقول لزاد عذابه.. ولهاج وماج كلما مرّ ببقرة.. بضربة صغيرة.. وألم مرّة واحدة.. نضمن للثور هدوءا طويلا.. الله خلق لنا الثيران لجر سكة الفلاحة.. وليس لملاحقة بقرات الجيران.
—
مرّت عقود.. و كلما عبرت ذكرى ذلك الثور بذهني.. رجعت لي لهجة ممتاز الواثقة.. وكيف انه انتقل في حديثه من ضمير الغائب: “لو انهم أخصوه على مراحل..”.. الى ضمير المتكلم: “الله خلق لنا الثيران..”..
—
في الأخبار اليوم.. ان ديمستورا يريد وفدا موحدا للمعارضة كي يفاوض وفد النظام. هذا الخبر على حياديته وبساطة طرحه..
جلب لي ذكريات ومقارنات..
قدري جميل (1) والأستانة (5) ولا فروف (7) وجنيف (16-17)..
ونحن على التراب..
بل تحت التراب..
لا نشخر ولا ننخر..
ننتظر المطرقة الدولية..
—
ممتاز.. ايها العزيز..
هل هكذا تخصى الثورات؟..
Mustafa Intabli