الحياة اللندنية: رضوان زيادة
مع فوز الرئيس باراك أوباما بولاية رئاسية جديدة واختيار جون كيري وزيراً للخارجية تجددت الآمال بموقف أميركي حازم قادر على حسم الأمور في سورية لمصلحة الثورة، ومع كشف مواقف وزيري الخارجية والدفاع ورئيس الاستخبارات في الإدارة السابقة لجهة دعم تسليح «الجيش الحر» ورفض البيت الأبيض اتخاذ أي قرار في هذا الشأن كي لا تتورط إدارة أوباما في حرب جديدة في الشرق الأوسط بعد أن كان قد بنى حملته الانتخابية على سحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان.
وثبت الموقف الأميركي من مطالبة بشار الأسد بالرحيل كسياسة عامة وتصعيد العقوبات المالية والاقتصادية على النظام بهدف إسقاطه اقتصادياً بعد محاصرته مالياً، وهي السياسة التي لم تنجح في إسقاط الأسد حتى الآن وترفض الإدارة تماماً اتخاذ أي خطوات عسكرية.
لكن تصاعد القتل في سورية وتزايد استخدام النظام لسلاح الجو والصواريخ البالستية البعيدة المدى وغير ذلك من وسائل القتل والتدمير ضد المدنيين السوريين طرح الكثير من الأسئلة على الموقف الأميركي وبخاصة بعد إدراج «جبهة النصرة» على لائحة وزارة الخارجية الأميركية للمنظمات الإرهابية واتهامها دوماً بالصلة مع «القاعدة» وهو ما أعطى مبرراً شرعياً للأسد وضاعف من شكوك السوريين في الموقف الأميركي.
تتحجج الإدارة الأميركية دوماً بأن لا قرار من مجلس الأمن يتيح استخدام القوة ضد نظام الأسد، وقد كان من أهم انتقادات أوباما لإدارة الرئيس جورج بوش السابقة خلال حملته الانتخابية هو قيام بوش بغزو العراق من دون الحصول على قرار دولي من مجلس الأمن. وكلنا نتذكر المناظرة الدولية التي جرت في مجلس الأمن بين وزيري الخارجية الفرنسي والأميركي اعتراضاً على الحرب على العراق، ولذلك تجد إدارة أوباما نفسها في موقف حرج عندما يطلب منها التحرك دولياً ضد النظام السوري من دون الحصول على قرار من مجلس الأمن يخولها حماية المدنيين السوريين عبر إنشاء المناطق الآمنة وفرض الحظر الجوي الجزئي فوقها، أو القيام بضربات جوية ضد أهداف محددة للنظام كما طالب أعضاء مجلس الشيوخ ماكين وليبرمان وغراهام.
ومع تصاعد وجود من تسميهم الولايات المتحدة بالجهاديين على الأرض السورية فإن الولايات المتحدة تتحجج مرة أخرى في رفض التسليح الذي ربما يقع في الأيدي الخطأ أو رفض المساعدة العسكرية كي لا تحسم الأمور تماماً لمصلحة انتصار الثورة السورية عسكرياً.
ولذلك يرغب الموقف الأميركي الآن في إنهاء نظام الأسد لأن انتصاره يعني انتصاراً لـ «حزب الله» وإيران ولكن واشنطن في الوقت نفسه لا تريد انتصار المعارضة عسكرياً فهي ما زالت ترغب في تحقيق الانتقال السياسي من دون الأسد ومن دون حسم عسكري يمكن من انتصار المعارضة.
ولذلك ربما نتوقع تدخلاً أميركياً أكبر في مسار الحياة السياسية بهدف وضع الترتيبات السياسية كما تسميها قبل إنهاء الأسد وهذا ما يتطلب معارضة موحدة على أجندة وطنية لا تستجيب للضغوط الدوليـة والإقليمية بقدر مــا تحركها المصالح الوطنية لسورية وسورية فقط.
فالموقف الأميركي لم يعد ينظر إلى سورية اليوم من منظار الثورة فقط وإنما سورية بالنسبة إليهم نظام مجرم يجب رحيله وجماعات جهادية ستصبح مصدر خطر دائم، وشبح تحول سورية إلى دولة فاشلة يجب التعامل معها، فسورية في موقعها ليست الصومال بمعنى أن أي فوضى في سورية ستنتقل بسهولة إلى لبنان والعراق التي هي في بيئة جاذبة ومهيأة وبشكل أقل الأردن وإسرائيل إذ ربما يصعب عليهم احتواء تداعيات انهيار سورية وتفتتها.
يدرك أوباما اليوم أن تأخره في اتخاذ القرارات الضرورية سيكون له ثمن أسوأ وكلما تأخر أكثر ازدادت الخيارات سوءاً وهو المنطق الوحيد الذي يحكم الإدارة الأميركية اليوم مع انعدام كل الخيارات الأخرى.