في فبراير 2003 وإبان انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب برئاسة وزير الخارجية اللبناني محمود حمود للنظر في الوضع العراقي المتفجر، تعدى الأخير على الكويت بشكل فج استكمالا لموقف وزير الخارجية السوري وليد المعلم بعدم دعوة الكويت لمؤتمر الدول المحيطة بالعراق، وقد تنادى أعضاء مجلس الأمة الكويتي آنذاك لقطع العلاقات مع لبنان ووقف المساعدات فقام رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري بالإعلان أن موقف الوزير لا يمثل لبنان وقام بعملية تدوير سريع نقل من خلاله الوزير حمود من الخارجية إلى وزارة الدفاع وانهى بذلك الأزمة الطارئة بين البلدين ورسخ بحكمته ما هو معروف بالضرورة من عدم منطقية أن تتأمل الدعم من طرف وأنت تبدي العداء غير المبرر له.
***
طالبت في لقاءين متتاليين على قناة العربية، آخرهما كان ليلة أول البارحة بأن يكون هناك تدوير سريع للوزير جبران باسيل الذي أصبح ملكيا أكثر من الملك وبرّر فعله بعذر اقبح كثيرا من ذنب حين ذكر بأن موقفه كان حرصا على الوحدة الوطنية اللبنانية أي إن الوقوف ضد السعودية يحقق ذلك (!!) بينما تظهر الحقائق العكس تماما، فذلك الموقف الذي انفرد به هو الذي ضرب الوحدة الوطنية اللبنانية في الصميم، كما اتضح ان ذلك العذر الخاطئ والتافه قابل للتكرار مرارا في المستقبل ضد المملكة وغني عن القول ان الوزير جبران بات كالدب مع صاحبه الفلاح او الجنرال، حيث اضعف موقفه النشاز لحد الاستحالة وصول صهره عون لكرسي الرئاسة.
***
ويستغرب أي مراقب محب للبنان من موقفي كل من قوى 8 آذار و14 آذار من الأزمة، فالتيار الأول صعّد بدلا من أن يهدئ لمصلحة شعب لبنان، ووصل الأمر الى بث الأغاني ووضع لوحات تشتم في الشعب السعودي بأكمله، وأنه أقذر من اليهودي (كذا)، بدلا من التفاهم مع رئيس الوزراء المستضعف لتدوير وزير الخارجية، وبدأ إعلام ذلك التيار من صحف وفضائيات بالتحريض والتأجيج وتعدي الخط الأحمر مع المملكة فيما يخص نشأتها وتسميتها بشكل غير مسبوق، ويكفي الاستدلال بمقالات صحافي مخضرم كالأستاذ طلال سلمان في جريدة السفير هذه الأيام والمعروف سابقا بمواقفه العروبية، فبات مسوقا ومبررا لعزل لبنان عن محيطه العربي.
***
وعلى جانب قوى 14 آذار بدأ الترويج لمبدأ أن المقاطعة السعودية والخليجية ستسقط التفاحة اللبنانية بأكملها بيد حزب الله وإيران وهي لفة طويلة للقول للمملكة ومعها دول الخليج بأن عليكم ألا تتوقعوا منا شيئا حتى على مستوى المطالبة بتدوير وزاري بسيط، وأن تقبلوا بمعادلة قاسية لا ترتضيها أي دولة في علاقتها مع دولة أخرى وهي أن تستمروا في دعمكم ودعم بلدنا من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه وأن تقبلوا معه استمرار الشتائم والمواقف العدائية الأمنية والسياسية لكم لأن هذا قدرنا الذي لا نستطيع الفكاك منه وبذا يرسل هؤلاء ونعني قوى 14 آذار برسالة كوارثية الى السعودية ودول الخليج مفادها بأننا قضية خاسرة ولن يتغير وضع بلدنا المعادي لكم، ومن ثم ستقتضي الحكمة ـ والخليج موطن الحكمة ـ حفظ الموارد الخليجية في زمن تقلصها، ومن ثم توجيهها إلى الداخل الخليجي.
***
إن لبنان بحاجة ماسة الى تفادي ذلك المسار الصعب لتغيير جذري لقواعد اللعبة السياسية الداخلية والخارجية، ففي الداخل لم يعد جائزا أن يتم اختطاف القرار السيادي للدولة من قبل أي طرف، ولا أن تغلب مصلحة فصيل على مصلحة الوطن بأكمله، وفي السياسة الخارجية لا يصح اختيار ـ في اليوم أو الغد ـ وزير لخارجية لبنان معاد لانتمائه ومحيطه العربي، فهذه وصفة ناجحة لإضافة أزمات خارجية للأزمات الداخلية اللبنانية، وما أكثرها…!
***
وبعد ان كشفت لغة الأرقام التي لا تكذب حجم الدعم المالي الخليجي، والذي هو بالمليارات، والموجه لكل لبنان، مقابل ارقام لا تذكر من غيرها، بات البعض يسوق لدعم «حلم» قادم من الآخرين بعشرات المليارات، والسؤال: لماذا لم ير أحد ذلك الدعم من قبل؟ وهل سيستمر ـ ان تم ـ لسنوات طوال كالدعم الخليجي؟! وهل اشترطت قط دول الخليج احتكار دعم لبنان؟! إن لبنان ذاهب الى كارثة اقتصادية كبرى، بعد أن عمل البعض لسنوات على ضرب اقتصاده عبر ضرب متواصل لمواسم الاصطياف وعمليات الاستثمار فيه، حتى وصل الأمر الى ما نرى، فهل سنشهد تحركا لبنانيا عاقلا وحكيما يبدأ بخارطة طريق جديدة تستبدل الانسدادات والازمات السياسية المتتالية والأوضاع الاقتصادية الخانقة بخريطة وطنية جديدة تعيد هيبة الدولة الى مسارها الصحيح، وتجعل لبنان الاخضر ينضم الى مسار الدول الناجحة لا الفاشلة التي قارب على الوقوع في حفرتها والتي يصعب لاحقا إخراجه منها؟
***
آخر محطة: للعلم.. لم تطالب دول الخليج قط ـ بعكس غيرها ـ بأن يدفع لبنان قطرة دم واحدة لقاء الدعم الملياري السخي الذي ترسله، فلم يدع أحد الجيش اللبناني الى الانضمام الى التحالف العربي في حربه في اليمن او عبور الحدود مع سورية لحماية المدنيين الأبرياء.
*نقلا عن “الأنباء” الكويتية
يا سيدي لقد اتضح في الفترة الأخيرة كم هؤلاء الساسة اللبنانيين فاسدين ، هل كان احد يدرك او يتوقع ان تصل أمور هؤلاء الساسة الى هذه الدرجة من الأنحلال الأخلاقي الذي هم فيه الأن .لا يمكن ان يستوعب المرء ان يكون الخراب والفساد قد وصل بهم الى الدرك الأسفل . نؤكد ان هؤلاء الساسة قد تربوا في أحضان المخابرات السورية لأكثر من ثلاثين عاما .