هل كان هناك أحزاب عربيّة حقيقيّة ” شيوعيّة – اشتراكيّة – ليبراليّة – قوميّة – إسلاميّة ” لماذا فشلنا في كل شئ ؟ هل هناك سبب وأحد أم عدة أسباب ؟
من خلال مقال الأستاذ نادر قريط بعنوان ” أحزاب داحس والغبراء ” سوف يتبين لكم مغزى سؤالي ؟
هل يمكن أن يكون هناك أحزاب حقيقيّة في مجتمعات بدويّة ؟
لنبدأ معكم :
سئل الشاعر الراحل محمد الماغوط، عن سبب إنتمائه للحزب القومي السوري إبان فترة الخمسينيات؟ فأجاب: كان في بلدتنا (السلمية) مقران حزبيان أحدهما للبعث والثاني للقومي السوري فإخترت الأخير لأنه أقرب للبيت، إضافة لإحتوائه على مدفأة (مازوت) أثناء الشتاء القارس؟ ولما سألته المذيعة عن أهم نشاطاته في الحزب؟ قال لها: شاركت في حملة جمع تبرعات، ثم إشتريت بالمبلغ بنطلونا وحذاء وهربت إلى دمشق !!
ربما تكون هذه القصة شطحة شعرية لشاعرنا الكبير لكنها تحكي بسخرية لاذعة حقيقة الأحزاب والتيارات الفكرية العربية، والتي تقودنا للسؤال عن حقيقية وجود أحزاب قومية، شيوعية إسلامية ليبرالية..إلخ
فأية شيوعية تلك في بلاد تقليدية أبوية ذات نسيج إجتماعي يقوم على قانون الدم (ولاء للعصبيات القبلية والعائلية) وإقتصاد كفاف (أو ريع بترولي) وغياب الرأسمالية ومنظومة العمل ومفهوم الطبقة العاملة، فعلى أية أرض معرفية كان يقف الرفاق؟
تواريخ الأحزاب الشيوعية العربية العريقة تخبرنا أنها إرتكزت فعلا على ذلك النسيج لهذا لم تكن في فحواها العميق إلا تجمعات نخبوبية لبعض مثقفي الصالونات، الذين رسموا خطوطا وهمية للصراعات، في حين كانت قواعدهم محكومة بعلاقة (الشيخ والمريد) وتكتفي بجلسات حميمية لرفع الأنخاب وتعداد ببغائي لمنجزات الحركة الأممية وتلاوة بعض أشعار نيرودا ومايكوفسكي والتغني ببطولات جوكوف وأمجاد غاغارين والإتحاد السوفيتي العظيم (عظّم الله أجركم).
ومن طريف ما يروى أن شيوعية العراق إمتدت منتصف القرن الماضي كالهشيم حتى ضمّت في صفوفها بعض زعماء القبائل الأميين! وقد روى لي أحدالأصدقاء من سوق الشيوخ (القريبة من الأهوار) بأنه علق في السبعينيات صورة لكارل ماركس في المضيف (دار الضيافة) ، ولما سألته أمه عن صاحبها أخبرها بأنها للإمام علي.. فأصبحت كل يوم تمر قربها وتتبرك بها هامسة (فدوة أروحن للكرار) بمعنى: أفديك ياعلي.. وبهذا يمكننا أن نفهم الحال بعيد إنهاء الدولة العراقية عام 2003 وإنشاء نظام الكانتونات و “المعاضضة الطائفية والعرقية” إذ لم يجد سكرتير الحزب الشيوعي مكانه إلا في طابور الكتلة الشيعية، التي شكلها آنذاك بول بريمر.