ايليا الطائي
في عملة الملك الساساني خسرو الثاني والتي ضربت في مدينة اردشير في السنة 26 من حكمه (الفترة مابين عامي 616-615)م وعلى اعتبار ان بداية حكم خسرو كان في عام 590م ، وكما في الصورة رقم (1) ، يظهر في وجه هذه العملة بالتحديد في الهامش كلمة
(افزوت/AFZUT)
، والغرض من هذه الكلمة هو للدعاء والزياد والبركة . (مصدر معنى كلمة افزوت هو مجلة سومر العدد 24 لبحث الدكتورة وداد القزاز عند عملات عبد الرحمن بن الاشعث).
ظهرت هذه الكلمة ايضاً على العملات بعد الإسلام ، وبصيغتها العربية (بركة) كما في الصورة رقم (2) ، وخاصة في العملات المبكرة منها مكتوبة بالخط الكوفي .
كذلك ظهرت هذه الكلمة على البعض من الواح مدينة الحيرة التي عثرت عليها البعثات التنقيبية في السنين الاخيرة ، وفي لوح رخامي عثر عليه مؤخراً في الحيرة ، واشار اغلب الباحثين الى ان العملة الساسانية التي ظهرت عليها كلمة (بركة) قد ضربت في فترة الاسلام المبكر بالتحديد في فترة عثمان بن عفان وخاصة العملات التي ضربت في العراق ، وتعتبر هي اول الاشارات لتعريب العملة من الفهلوية الفارسية الى العربية ، في حين أن البعثات التنقيبية في الحيرة عثرت على اللوح المذكور اعلاه في الحيرة (الصورة رقم 3) والتي كانت تابعة للادارة الساسانية الفارسية ومن تاريخ مقارب لتاريخ العملة الساسانية المذكورة ، وهذا اللوح احتوى ايضاً على كلمة (بركة) وهي من جملة نص عربي دون بالخط الكوفي القديم وكما يلي :
(( بركة من (+علامة صليب) الله ، او يمكن كتابته كما يلي : بركة من + الله)) ثم في النص الأخر من اللوح كتب : (( غفر الله لعبد المسيح)).
والصليب في الجملة الاولى رسم بطريقة توحي انه جسد على هيأة بشرية تجاوزت الطابع المعتاد في شكل الصلبان عندما جعل لكل طرف من اطرافه شعبتان متوازيتان كأنما الناظر اليها يشعر بأنها تمثل اطراف الانسان العليا والسفلى.
ويناقش الدكتور نصير الكعبي في بحث نشر له على مجلة الكوفة الجامعية اشكالية كلمة (بركة) في اللوح المذكور ويشير الى ان لهذه اللفظة دلالة في المجال الديني وان لها تاريخ طويل من الاستعمالات والدلالات اللاهوتية والتقوية في الفكر الديني المسيحي ن تتعدى حدودها الانجيل الى التوراة ، ويبدو انها لازمة من لوزام المتعمدين او الاتقياء في المسيحية ، فللبركة حضور مميز في الثقافة الشعبية والنخبوية والدينية ، تتعمق اهميتها لكونها تمثل اخر حركة مرئية للسيد المسيح على الاض ، عندما رفع يده مودعاً بركته للكنيسة بحسب الاعتقاد المسيحي ، وتحمل البركة معاني عديدة في الكتاب المقدس فهي بمعنى الهدية من انسان الى اخر ، او انها تأتي في اطار ديني تكون ممنوحة من قبل الله للمحتاجين ، ليس على المستوى المادي فقط وانما الروحي ايضاً ، وهناك بركات تصدر من الاباء او رحالات الدين ولاسيما في اوقات رحيلهم ، فهم يستمطرون على اتباعهم وابنائهم شابيب الرحمة والقوة والخصوبة ، وهناك نوع من البركة مختص بيسوع ، فهو بعد الرب مصدر الحياة ، ولديه القدر على ان يبارك وبركته فعالة اكثر من اي بركة اخرى ، ففي الانجيل تلتقي حركتا البركة والنعمة التي تنزل والشكر الذي يتصاعد في يسوع ، فليس من شيء يجاري هذه البركة .
ويبدو ان كلمة (بركة) الواردة في اللوح يشملها المعنى الاخير لوجود قرينة رمزية وهي الصليب ، فالعبارة تعني من وجهة اخرى (بركة من مسيح الله) وهي بهذا المعنى تقترب كثيراً من اصطلاح (افخارستيا) والذي يعني (البركة والشكر) وهي تحيل الى العمل الذي أسسه يسوع عشية صلبه ، كما انها تعبر عن حمد لعجائب الله بل عن شكره على الخير الذي يحصل عليه البشر من العجائب ، فبهذا الحاسم اسبغ يسوع على اطعمة بسيطة القيمة الابدية القائمة على موته الفدائي ، وهو عمل يعد قوام الدين وجوه تدبيره الخلاصي ، ففي تقديم يسوع نفسه الذي تحول الى الافحارستيا انما تحقق الانسانية كلها ، ومعها الكون الذي يحيط بها عودتها الى الاب ، وفي الحقيقة فأنه عن طريق الافخارستيا تتوثق الصلة بين يسوع وبين المؤمن ، ويكون ذلك طريقاً للعبور من العالم القديم الى العالم الجديد الذي سلكه يسوع .