“تكلم.. لكي أقول لكَ من أنت”
شبكة ذي قار: د. أبا الحكم
منذ أن اختار المرشد “علي خامنئي” الرئيس الإيراني الحالي “حسن روحاني” بدلاً من ما أسماه بالمتشدد “احمدي نجاد” في مسرحية الانتخابات الانتقائية للمرشحين بقبول بعضهم ورفضه للبعض الآخر على قاعدة ديمقراطية المرشد ذات القرار المطلق، تعج تصريحات القادة الإيرانيون وإعلامهم الرسمي وتسريبات مؤسساتهم الإستخبارية على وجه التحديد، بأن نهجاً جديداً ستتخذه السياسة الخارجية الإيرانية غير متشدد، يتعامل على وفق أسس من شأنها الانفتاح على دول العالم ثنائياً ومتعدد الأطراف.. وأحد صفحات هذا التسريب المثير للريبة والسخرية في آن واحد ما قدمه “حسن روحاني” بأن نظامه الصفوي يسعى للمشاركة البناءة لمجابهة (التحديات المشتركة التي تواجهها إيران وأمريكا).. وكأنما يريد أن يقول لأمريكا، (نحن مستعدين للعمل المشترك الذي يسبقه حوار عمل مشترك يقوم على أساس محاربة الإرهاب الذي تواجهه إيران وأمريكا.!!
ماذا نستنتج من العرض الإيراني الذي جاء على لسان حسن روحاني، والموجه أساساً وبشكل مباشر إلى الإدارة الأمريكية؟ :
أولاً- بعد أن ربط “روحاني” تعاون إيران مع أمريكا في أفغانستان والعراق، وضع الحالة السورية والبحرينية على أساس متواز في وسائل المعالجة السلمية، وعلى أساس تساومي (في عمل مشترك لحل المشاكل العالقة).
ثانياً- والهدف من هذا العرض المخادع هو إطلاق يد إيران تدريجياً في إجراءات من شأنها أن تجعل منها شرطي الخليج العربي.!!
ثالثاً- وقد مهدت إيران لهذا الاعتبار، وأرسلت سفينتين حربيتين هي عبارة عن (حاملة طائرات هيلكوبتر- خارك-) و(مدمرة – سبلان)، إلى ميناء (بورت سودان) على البحر الأحمر، تستعرض فيهما عضلاتها البائسة من أجل، كما قال المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني، (لمواصلة دورها الأمني في المنطقة، وتأمين ومراقبة البحر الأحمر)، فيما بررت المصادر الإيرانية الرسمية ذلك بـ(توفير الأمن للسفن التجارية الإيرانية وحاملة النفط، وتوفير الأمن لخطوط المواصلات والملاحة البحرية، والتواجد الفاعل في البحر الأحمر والمحيط الهادي ومضيق باب المندب، وعدم السماح لتعرض المصالح الإيرانية للخطر).!!
رابعاً- فيما علق وزير الخارجية السوداني على زيارة السفن الحربية الإيرانية للميناء السوداني، بأنها زيارة، ليست إستراتيجية، وألمح إلى أضرارها بمصالح السودان.!!
خامساً- مسألة شرطي الخليج.. هذا النهج، سبق ومارسه شاه إيران محمد بهلوي وأصر عليه، وهو حليف أمريكا الرئيس في المنطقة، وإصراره كان تنفيذاً للإستراتيجية الفارسية، التي خالفت في أحد وجوهها المصالح الأمريكية والغربية المتشابكة في الخليج العربي، التي تعد العصب الحساس لدورة الحياة الاقتصادية الأوربية والأمريكية على حدٍ سواء.!!
سادساً- أخذ الطموح الإمبراطوري المتزايد للشاه يضر بالمصالح الغربية في الخليج العربي، إضافة إلى عوامل أخرى أساسية، كدخول السوفيات إلى أفغانستان وإخلالهم بالتوازن الإستراتيجي الإقليمي في منطقة تقع على تخوم مرتقبين، الأول: حافات نفط الخليج العربي، والثاني: حافات المياه الدافئة.. وبات السلوك الإيراني الشاهنشاهي – حسب أمريكا – لا يتماشى مع الضرورات الإستراتيجية الأمريكية، الأمر الذي مكنها من خلق البديل المتعاون إستراتيجياً متمثلاً بالمؤسسة المذهبية الخمينية.. فأسقط نظام الشاه بسبب طموحه المتزايد على حساب التزاماته الأمريكية.!!
سابعاً- فهل أن الطموح الإمبراطوري المتزايد للنظام الإيراني، الذي يربك المصالح الإستراتيجية الأمريكية في مكان، ويتعاون في شكل توافق إستراتيجي في أماكن أخرى – العراق وأفغانستان والبحرين – سيجعل الإدارة الأمريكية تفكر في تغيير السلوك السياسي الإيراني عن طريق خلق البديل الداخلي، الذي لا يثير المتاعب ويتعامل بسلوك عقلاني يحترم مصالح دول المنطقة والمصالح الإقليمية والدولية، ويكف عن تهديد جيرانه، أو دفعه نحو الانكفاء صوب الداخل رغم التقية التي يلوح بها “حسن روحاني”، والتي يعتقد بأنها ستنطلي على العالم.؟!
ثامناً- ما تحدث عنه “حسن روحاني”، بشأن التغيير والانفتاح، لم يكن يعبر عن النهج الرئيس للسياسة الخارجية- الإستراتيجية الإيرانية، إنما كان يعبر عن التكتيك في هذه الإستراتيجية، بعد أن واجهت إيران عدداً من المشكلات الداخلية والخارجية، الأمر الذي أرغمها على إعادة النظر، ليس في أساس إستراتيجيتها التوسعية والاستفزازية، كما أسلفنا، بل اللجوء إلى أسلوب التكتيك، الذي أسماه “علي خامنئي” بـ (المرونة البطولية)، ومحاولة ترميم ما تهدم جراء سلوكها الفاضح الذي يتسم بصفاقة التهديد والتدخل.. فهل أن تغيراً فعلياً قد طرأ على السياسة الخارجية الإيرانية، في الوقت الذي تستعرض فيه سفنها الحربية منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر، وتجرب صواريخها الروسية الصنع بعيدة المدى بمسميات إيرانية استعراضية، وتحمل سفنها التجارية أسلحة للجزر القريبة من منطقة (صعده) اليمنية القريبة من الحدود السعودية، وهي جزر تخزين السلاح الإيراني، وتدفع بعناصرها المليشية إلى العراق لتنفيذ خطط (التطهير الطائفي والعرقي)، وكذلك إلى سوريا حيث الامتداد الإيراني الإستراتيجي؟!، والإجابة، هي أن إيران لن تغير سياستها- الإستراتيجية، إنما التغيير في وسائل التكتيك تحت تسمية ((المرونة البطولية)).!!
تاسعاً- خلال ولآية “محمود أحمدي نجاد”، كان السلوك السياسي الخارجي الإيراني مستفزاً وبشكل صفيق ووقح لمحيطها القريب والبعيد، الأمر الذي جلب النهج الاستفزازي- التهديدي- التدخلي هذا، الكثير من المشاكل وقَيَدَ حركة الدولة الفارسية، وحَجَمَ تطلعاتها وطموحها التوسعي في المنطقة، وخلق لها ردود أفعال لم تعد إيران قادرة على مواجهتها، مما أضطر “علي خامنئي” أن يوهم العالم بأن “حسن روحاني”، سينفذ سياسة إيرانية خارجية جديدة توحي بغباء مفرط أنها تحمل متغيراً جوهرياً سيستجيب له الخارج تحت مسمى مضحك ((المرونة البطولية)).!!
عاشراً- والشيء المثير للدهشة والاستغراب، ويمثل عرضاً غبياً يتساوق مع محاولات إيران إقناع العالم بنهج سياسة التغيير المفترضة، وضع “حسن روحاني” الحالة السورية بالتوازي مع الحالة البحرينية في المساومة مقدماً، في أي حوار تعتقد إيران أنه لعمل مشترك يضع قواعد العمل في المنطقة.. والآمال الواهمة ستعقد على مستويين أولهما استطلاعي (كيري و ظريف)، والثاني (أوباما وروحاني) على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.. يكون منهج إيران الإقناع بـ(التقية) متغيرها، فيما يكون منهج أمريكا إقناع نفسها بـ(تقية) إيران المخادعة صوب الاحتواء الذي لا طائل منه، على ما يبدو.. لأن سوريا قد أدخلت في دائرة الحرب بالوكالة لصالح موسكو.. وباتت الأخيرة تدير صراعها على الأرض والمياه الإقليمية السورية.. والغريب في الأمر، أن موسكو تعلم علم اليقين بالتوافق الإستراتيجي القائم بين أمريكا وإيران.!!