ما الذي يفعله الرئيس أوباما بسياسة سورية التي تنتقل ما بين القصف إلى الدبلوماسية في ظرف 15 دقيقة؟ تطلعنا الإجابة على بعض الأوضاع المثيرة للقلق بشأن تداعي الإجماع السابق على السياسة الخارجية الأميركية ومأزق أوباما في بناء إجماع جديد.
وإذا نظرت خلف حجاب البيت الأبيض، سترى الآن أن الرئيس يعتقد، وهو مصيب في ذلك، أن بلاده سئمت، بعد العراق وأفغانستان، من الحرب، ومفعمة بالشكوك في السياسيين، واختفت الأرضية المشتركة التي يجري إعداد السياسة الخارجية عليها، وحالة التشكك التي يبدو عليها اليمين واليسار تجاه التدخل الخارجي.
وبدلا من التصرف بشكل أحادي كقائد أعلى للقوات المسلحة، طلب الرئيس أوباما من الكونغرس المنقسم المشورة. وكما هو متوقع، أسفر ذلك عن خلاف واتهم أوباما، برغم الكلمة القوية التي ألقاها ليلة الثلاثاء، بالتلاعب بكلا الجانبين.
يعكس الرئيس بتصرفه هذا الشخصية المنقسمة للرأي العام، فهو يرغب في أن يقود لكنه يريد الاستماع أيضا. ويريد أن يضع حدا للحرب لكنه يريد أيضا التدخل العسكري. يريد أن يظل بعيدا عن الحرب في سوريا ويريد في الوقت ذاته دعم المعارضة، ولكي يحل هذا الالتباس، يقترح نوعا استقرائيا من القيادة.
القيادة التي عرفتها أميركا عادة ما تكون أكثر تقريرية؛ فالقادة يتخذون الإجراءات اللازمة، ويتبعهم الأفراد. لكن أسلوب أوباما يختلف، فقد تعلمنا بعد ما يقرب من خمس سنوات، أنه أكثر حذرا وترويا.
وقد حجب التركيز الشعبي على عملية اتخاذ القرار عند أوباما شيئا ربما يكون أكثر أهمية، ألا وهو انهيار التوافق الحزبي حول السياسة الخارجية للحزبين. فبدلا من التمترس في الوسط حول قيادة الولايات المتحدة، تبدو البلاد وكأنها تتباعد إلى الأطراف، في رفض مشترك من اليسار واليمين للدور التدخلي التقليدي، حيث يرفض الجمهور بأغلبية ساحقة مزيدا من «حروب الاختيار» في الشرق الأوسط لمساعدة دول وأشخاص يعتبرونهم عاجزين وناكري الجميل.
قد يرى البعض أن هذا الحذر الأميركي الجديد ربما يكون خطرا (كما هو الحال بالنسبة لي)، ولكن ما من شك في أن له ما يبرره (نظرا للتكلفة الهائلة والفوائد غير الملموسة تقريبا من الحرب في العراق وأفغانستان). والسؤال هو ما الذي ينبغي على الرئيس القيام به تجاه ذلك.
كان أوباما يحاول إعادة بناء أساس للتحرك، وأخذ موقفا يقوم على قواعد ولا يحظى بالشعبية لتأييد التدخل العسكري في سوريا. فأحال الأمر إلى الكونغرس، مستشعرا أنه لا يمكنه قيادة البلاد إلى الصراع من دون مزيد من الدعم، في الوقت الذي رأى فيه البعض أنه ما كان عليه سوى أن ينتهز الفرصة ويطلق الصواريخ، ولكن هذه ليست الطريقة التي يفترض ببلادنا أن تنتهجها. وحتى بعد التحول إلى الكونغرس، كان الروس والسوريون لا يزالون مقتنعين أنه مستعد للتحرك.
أظهر أوباما هذه التركيبة الغريبة من الصفات كرئيس حتى أنني تحولت هذا الأسبوع إلى مصدر غير متوقع للدفاع عن هذا النهج. وكان السبب في ذلك كتابا جديدا لأستاذ القانون في جامعة كولومبيا فيليب بوبيت عن مكيافيلي بعنوان «ملابس المحكمة والقصر». حجة بوبيت هي أنه، برغم كل القسوة واللاأخلاقية المفترضة فيه، اقترح مكيافيلي قواعد من شأنها أن تسمح للأمير بحكم البلاد بطريقة فاعلة ومستدامة، فيما يرقى إلى النظام الدستوري. هذا الكتاب يقنعني أنه كي ينجح، يجب على أوباما أن يصبح مكيافيلي بوبيت الجديد.
ها هو مقطع شهير اقتبسه بوبيت من كتاب «الأمير» لمكيافيلي، والتي يجب على أوباما أن يحفظه عن ظهر قلب: «لأنه… يجب على الأمير التصرف أحيانا بأسلوب الحيوانات، يجب أن يختار من بينهم الأسد والثعلب، ففي بعض الأحيان لا يستطيع الأسد إنقاذ نفسه من الفخاخ، لا يستطيع الثعلب حماية نفسه من الذئاب. ومن ثم يجب أن تكون ثعلبا كي تتمكن من إدراك الفخاخ وأن تكون أسدا كي تخيف الذئاب».
إن أوباما يقوم بدور الثعلب بذكاء كبير، فهو يدرك الفخاخ ويتجنبها بشكل عام. لكنه بحاجة إلى مزيد من صفات الأسد، وما أعنيه هنا هي السياسة الجريئة.. دبلوماسية مدعومة بتهديد القوة العسكرية. وكي ينجح في إعادة صياغة القوة الأميركية، يحتاج أوباما إلى تخويف الذئاب في الكونغرس وفي الكرملين وإلا سيلتهمان ما تبقى من رئاسته.
وولع أوباما بتجنب الرهانات الخطرة الكبيرة في المواقف الملتبسة ربما تكون أيضا ميكافيلية جديدة، من وجهة نظر بوبيت. وعبارة «الغاية تبرر الوسيلة» غالبا ما تنسب بشكل غير صحيح لمكيافيلي. ولو ترجمت بشكل صحيح، بحسب بوبيت، لكانت النصيحة إلى الأمر هي: «يجب على المرء أن يفكر في العواقب».
* خدمة «واشنطن بوست»
منقول عن الشرق الاوسط