جاكسون ديل
شهد الأسبوع الماضي قيام فلاديمير بوتين بإعادة تقديم روسيا إلى العالم كدولة واثقة بنفسها وواحدة من القوى المزدهرة اقتصاديا التي شرعت في استعادة نفوذها من جديد في أوروبا الشرقية ومنطقة الشرق الأوسط، فضلا عن استعادة قدرتها على مواجهة تحركات الولايات المتحدة. إنها روسيا التي تقدم للعالم نموذجا جديدا للسياسة المحافظة التي يتبناها نفر من أولئك الذين يسعون لتحرير أنفسهم من سيطرة الغرب الليبرالي. غير أنه لا يبدو أن ذلك الطرح سيتحقق على أرض الواقع. فمع انطلاق دورة الألعاب من المرجح بشكل كبير أن تصبح تلك البطولة الرياضية شاهدا على كيف ولماذا فشل بوتين في حكم روسيا، وكيف أن نفوذه يشهد تراجعا على المستوى الخارجي والداخلي.
ولنبدأ بعرض المشهد في سوتشي. قال بوتين أخيرا إنه «يود أن يرى المشاركون والمشجعون والصحافيون، بالإضافة إلى جميع من يشاهدون الألعاب الأوليمبية عبر شاشات التلفزيون (روسيا جديدة) بوجه جديد وقدرات عظيمة». ولنلقِ نظرة معا على خطوط القصة التي نسجتها دورة الألعاب الأوليمبية حتى الآن: الإسراف في الإنفاق على الطريقة الستالينية، والذي وصل إلى مستويات قياسية مسجلا 50 مليار دولار، قد يكون جرى إهدار معظمها، في حين تمثلت أكثر الأمور المنذرة بالشؤم في مشكلة «الأرامل السوداء» والإرهابيين الآخرين، بما قد يخيم بظلاله على فعاليات دورة الألعاب.
سيتمنى العالم المتحضر ألا ينجح الإرهابيون في مساعيهم، بيد أن هذا الأمر قد يكون أيضا سببا في توضيح كيف أن روسيا قد صارت واحدة من أكثر الدول في العالم المليئة بالجهاديين الإسلاميين الذين تتزايد أعدادهم بمرور الوقت. وتتمثل الإجابة البسيطة عن هذا السؤال في أن بوتين استهل نشاطه في عام 1999 من خلال غزو جمهورية الشيشان التي كانت ذات حكم ذاتي في ذلك الحين. ودمر بوتين عاصمتها عن طريق القصف المدفعي الطائش، كما ادعى حينذاك أن أي فرد قاومه كان إرهابيا. ومن خلال مقارنة ما حدث في الشيشان بما يحدث على الأرض في سوريا، يتضح أن بوتين يدعم نظام بشار الأسد فيما يبدو تقريبا على أنها استراتيجية مماثلة تماما لمحاربة ما بدأ كحركة احتجاجية علمانية جماعية. وقد أدى دعم بوتين لبشار الأسد إلى الوصول إلى نفس النتائج؛ ظهور قوات تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا والتي لم تكن موجودة قبل ذلك. ومنذ أشهر، كان يعتقد الكثيرون أن بوتين نجح على الرغم من ذلك في إحياء وبقاء نظام الأسد، مع إعادة روسيا إلى مكانتها في الشرق الأوسط بفضل جهوده. وفي الواقع، منع بوتين الولايات المتحدة من شن هجوم جوي ضد سوريا وحوّل اتجاه الغرب نحو التفاوض مع النظام.
وعلى الرغم من ذلك، أخفق بوتين الآن في مناورته في سوريا. فقد قام مفوض الأسد في مباحثات جنيف للسلام بشأن سوريا بإحراج الوفد الروسي بسبب أسلوبهم الغريب المتكلف، في حين ذكرت وزارة الخارجية أن الأسد «لم يلتزم جديا» بوعوده لتسليم الأسلحة الكيماوية. وعلى أرض الواقع، أدى تسليم الكميات الضخمة من الأسلحة الروسية لقوات الأسد إلى الإخفاق في الخروج من المأزق، ويتوقع المحللون المستقلون أن تكون هناك هجمة مجددة للثوار في دمشق هذا الربيع.
إن مسألة «عودة» العلاقات الأميركية – الروسية إلى «ما كانت عليه من قبل»، بما سمح لبوتين بأن يقدم نفسه نظيرا طبيعيا للرئيس الأميركي قد باءت بالفشل. ولكن ماذا عن النموذج الجديد لحكومة بوتين السلطوية المعتمدة على «القيم التقليدية»؟ للإجابة عن هذا التساؤل، يمكننا أن نتوجه بالسؤال إلى الأوكرانيين، حيث إن أزمتهم السياسية ترجع بشكل كبير إلى محاولة بوتين لتأسيس نموذجه في دولة بينها وبين روسيا رابطة منذ قرون سكانها من أعراق روسية. ويتضمن ذلك الأجندة المعادية للمثلية، حيث ادعى مناصرو بوتين وكذلك الإعلام الروسي أن المعارضة الأوكرانية المدعومة من الغرب ترغب في تقويض قواعد الانجذاب الفطري بين الجنسين في أوكرانيا.
المأساة الأوكرانية لم تنتهِ بعد بعد، ولكن ما نعرفه أن آيديولوجية بوتين قوبلت بالرفض من السواد الأعظم من الأوكرانيين، الذين يحتلون تقريبا كل مبنى للبلدية بعد تبني الحكومة لقوانين منع التظاهر التي أخذتها عن روسيا.
سيدفع بوتين الثمن مرة أخرى في حالة الانهيار المحتمل لحلمه بوجود «اتحاد أوراسي» ينافس الاتحاد الأوروبي ويستعيد نفوذ موسكو على طريقة الهيمنة السوفياتية القديمة.
بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ماذا عن الوضع في روسيا نفسها؟ تلعب سياسات بوتين دورا أفضل داخل روسيا بكل تأكيد. بيد أن المسألة كلها هناك لا تبدو أيضا على ما يرام. فعندما يتوقف النمو الاقتصادي القوي، تتعرض قيمة الروبل للانخفاض المفاجئ، وتكون هناك حاجة ماسة إلى الاستثمارات الأجنبية التي نادرا ما تكون متاحة، مما يتسبب في إثارة الغضب والغليان ببطء. وعندما أجرى مركز «ليفادا» المستقل استطلاعا للرأي الشهر الماضي لمعرفة ما إذا كان الروس يرغبون في بقاء بوتين في منصب الرئيس بعد انتهاء مدة ولايته الحالية أم لا، أعرب 22 في المائة ممن شملهم الاستطلاع عن رغبتهم في بقائه، بينما رفض 47 في المائة هذا الأمر. ومن المحتمل أن «روسيا الجديدة» التي سيكشف عنها بوتين النقاب في سوتشي لن تستمر لفترة طويلة.
* خدمة «واشنطن بوست»
منقول عن الشرق الاوسط