طلال عبدالله الخوري 22\9\2012
سياسة الإغراق بالمستنقع, هي سياسة بديهية وبسيطة, واستخدمتها جميع الدول منذ فجر التاريخ و حتى الآن, وستستمر بإستخدامها في المستقبل, وحتى أنه يستخدمها الناس العاديون ضمن نطاق الأسرة الواحدة, مع الأقارب ومع المعارف و الجيران.
السياسة التي نتحدث عنها تتلخص بالتالي: عندما يكون هناك حرب أو عداوة بين اثنين من أعدائك أو من منافسيك في اي مجال اقتصادي او سياسي, فأنت تحاول تغذية هذه الحرب, وتمد الاضعف بينهما بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية, وتوازن بين قوتيهما, حتى يتم انهاكهما سوية, ثم بعد ذلك تقوم انت بتوجيه الضربة القاضية لكلاهما وترديهما ضعيفين, فيما تزداد قوتك على حسابهما.
لكي نشرح هذه السياسة سنعرج على التاريخ لكي نستقرأ منه كيف تمت تنفيذ هذه السياسة في مختلف المراحل التاريخية ومن قبل دول مختلفة.
أولا: في الحرب العالمية الثانية, تعمد الحلفاء بالتباطوء بفتح الكثير من الجبهات الغربية مع الجيش الألماني النازي, فوقع حمل الحرب الأكبر على الجبهة الشرقية السوفياتية الألمانية, حتى تم انهاك الجيش السوفياتي والجيش الألماني, فتقدم الحلفاء وحققوا الانتصار على النازية بأقل كمية ممكنة من الدمار واقل عدد ممكن من ضحاياهم, بينما كانت معظم ضحايا الحرب من السوفيات ومن الألمان, وبهذه الطريقة تمت هزيمة النازية , وبعد ذلك تم هزيمة الشيوعية, بالحرب الباردة, وذلك عندما انهار الاتحاد السوفييتي وتحللت المنظومة الاشتراكية وحلف وارسو.
هناك الكثير من الدراسات التحليلية الروسية للحرب العالمية الثانية تتهم فيها الحلفاء بتعمد تحميل عبء الحرب على كاهل السوفيات.
ثانياً حرب فيتنام, وكانت عندها الحرب الباردة بين الغرب بزعامة أميركا والشرق بزعامة الاتحاد السوفييتي في أوجها, عندما مول الاتحاد السوفييتي والصين الثوار الفيتناميين ومدوهم بأحدث التكنولوجيا العسكرية, والمعلومات الاستخباراتية, وأغرقوا الولايات المتحدة الأميركية بمستنقع الحرب الفيتنامية.
ثالثاً: الحرب السوفياتية في أفغانستان, كانت عندها الحرب الباردة في أوجها أيضاً, عندما مولت اميركا وزودت مجاهدي طالبان باحدث انواع الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية, وردت الصاع صاعين للإتحاد السوفياتي الذي اغرقها بمستنقع الحرب الفيتنامية, فأغرقته بمستنقع الحرب الافغانية.
رابعاً: أغرقت الولايات المتحدة الأميركية عدوتها ايران الثورة الاسلامية لولاية الفقيه, التي احتجزت اعضاء السفارة الاميركية بطهران, بمستنقع الحرب مع العراق وصدام حسين, وكانت تمد العراق بكل الدعم العسكري والاستخباراتي.
خامسا: أغرقت إيران, وحتى بمشاركة روسيا والباكستان, الولايات المتحدة الاميركية بمستنقع الحرب في العراق وافغانستان, وقامت هذه الدول بتزويد القاعدة وطالبان بكل الدعم المالي واللوجستي والأستخباراتي والأسلحة والمعدات.
بعد هذا المستنقع الأخير الذي غرقت به اميركا في العراق وأفغانستان, قال وزير الدفاع الاميركي, في الكونغرس الاميركي, ان اي رئيس للولايات المتحدة الأميريكة سيرسل الجنود الأميركيين للخارج, يجب فحص قدراته العقلية.
ما يقصده الوزير الأميركي بأنك عندما تدخل حرب, فإن كل منافسيك وأعدائك سيدخلون الحرب ضدك بطريقة غير مباشرة, وسيغرقوك بمستنقعها, لذلك يجب عدم الدخول بحروب مباشرة وانما بحروب غير مباشرة نغرق الاخرين بها بدل من ان يغرقنا الأخرون.
أخيراً, أريد ان اعرج على مثال صغير من منطقتنا, وهو الحرب اللبنانية, عام 1982 حيث قامت إسرائيل بشن حرب على لبنان ضد منظمة التحرير الفلسطينية , حيث كان الجيش السوري متواجد بلبنان للحفاظ على مصالحه وامنه, ولايقاف الحرب الاهلية التي كانت تجري رحاها هناك.
أراد المحنك حافظ الأسد ان يغرق الإسرائيليين بمستنقع الحرب اللبنانية, وبنفس الوقت ضرب واضعاف عدوه اللدود ياسر عرفات, وكانت خطته بأن ينهك اسرائيل مع الفلسطينيين حيث يقوم حافظ الأسد, و بطريقة غير مباشرة ومن دون تدخل الجيش السوري بشكل مباشر, بتزويد الفلسطينيين بالرجال والسلاح والعتاد والدعم اللوجستي والاستخباراتي, حتى يتم انهاك اسرائيل بحرب عصابات على يد القوات الفلسطينية.
أما الداهية ياسر عرفات فكانت لديه خطة معاكسة تماماً لخطة حافظ الاسد, وهي ان يسحب قواته من امام الجيش الاسرائيلي فيكشف الجيش السوري ويرغمه على المواجهة المباشرة بين الجيش السوري والجيش الاسرائيلي, وبذلك ينهك الجيش الاسرائيلي والسوري وهو يحتفظ بكل قوته ويقوم بعدها بإنهاك الجيش الإسرائيلي ويحصد ياسر عرفات كل ثمار الحرب كمنافع سياسية له.
فهم المحنك حافظ الأسد حيلة الداهية ياسر عرفات فبدل من ان يقع بفخ عرفات, قام بسحب قواته من الجيش السوري الى البقاع, فانكشفت بيروت للجيش الإسرائيلي, فانتهكها الجيش الإسرائيلي بأسرع حرب بالتاريخ , والتي انتهت بإتفاقية شحن جيش منظمة التحرير الفلسطينية على بواخر ونفيها الى تونس.
هنا استفاد جيش حزب الله الناشئ والمتنامي, من هذا الوضع وأغرق اسرائيل بالمستنقع اللبناني من خلال تنفيذ عمليات ضد الجيش الاسرائيلي بجنوب لبنان على شكل حرب عصابات, وحصد بذلك كل الثمار التي كان يخطط لها كل من حافظ الأسد و ياسر عرفات, واصبح حسن نصرالله زعيم حزب الله المغمور, بين ليلة وضحاها, بطلاً إسلاميا وعربياً وقومياً لا يشق له غبار, فأغرق كل لبنان بعدها بمستنقع حرب تموز مع الاسرائيليين.
الأن, ما الذي يحدث في سوريا؟
في سوريا بدأ الشباب السوري بمظاهرات سلمية وحملوا بمظاهراتهم اغصان الزيتون كدليل على سلمية مظاهراتهم , ضد حكم نظام عائلة الأسد التي تسرق ثروات سوريا, وتعامل اهلها كقطيع من الغنم.
قام الأسد باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين, وقام بدفن السوريين السلميين بمقابر جماعية.
إضطر عندها السوريون بانشاء جيش مسلح لكي يحمي المواطنين السلميين, وكاد ان يسقط نظام بشار الأسد.
فقام نظام الملالي بطهران بإرسال الجيش والسلاح لنجدة نظام بشار الأسد, واستطاعت ايران باستعدادة المناطق التي حررها الجيش السوري الحر؟
تحليل الكاتب الشخصي لعدم تدخل اميركا لدحر ايران وجيشها بسوريا؟
نحن نعتقد بأن اميركا ستتدخل بشكل غير مباشر لكي تغرق ايران بمستنقع الثورة السورية, ولكنها تنتظر اللحظة المناسبة لكي تكون الضربة لإيران موجعة؟
طبعاً الخاسر الأكبر هو الشعب السوري الذي يتساقط ابنائه كل يوم في أتون هذه الحرب المجنونة والتي جرنا اليها غباء الديكتاتور بشار الاسد, وتمسكه بالسلطة وعدم قدرته على فهم التغيير الذي حصل للشعب السوري, وعدم فهمه للتغيير الذي يتشده الشعب السوري.