الشرق الاوسط
على نحو ما، ثمة شبه بين الحرب الأهلية الإسبانية والحرب في سوريا. في الأولى، انخرط الأوروبيون.. فريق إلى جانب الجنرال فرانكو والفاشيست، وفريق إلى جانب الجمهوريين. معركة إسبانيا كان يفترض أن تقرر شكل التوازن أو التفوق السياسي في القارة برمتها. وقف النازيون وفاشيست إيطاليا إلى جانب فرانكو، وأرسلوا إلى مساعدته آلاف المتطوعين الألمان، وجاء إلى جانب الجمهوريين بعض من أصبحوا فيما بعد أشهر كتاب الغرب: إرنست همنغواي وأندريه مالرو وجورج أورويل، وجميعهم نجوا من الموت بأعاجيب.
أراد أورويل الوقوف ضد فرانكو وضد الشيوعيين في وقت واحد، لكنه كما هو متوقع تعرض لحملات الاثنين، خصوصا بعد صدور كتابه «تحية إلى كتالونيا». ومن إسبانيا سوف يكتب همنغواي روايته «لمن تقرع الأجراس؟». أما أندريه مالرو، الذي أصبح وزير الثقافة عند شارل ديغول، فقد دوّن في مذكراته تجربة إسبانيا، كما دوّن فيها «حروبه» الأخرى في الهند الصينية (فيتنام) وفي الصين نفسها.
لا يبدو أن ثمة أدباء محتملين في حرب سوريا. الوحيد الذي برز حتى الآن كان مراسل الـ«نيويورك تايمز» أنطوني شديد الذي توفي أوائل الأزمة وهو عائد إلى تركيا في نوبة ربو. وقد صدر بعد وفاته كتاب «بيت من حجر»، وهو قصة عودته إلى بلدة أهله، مرجعيون، في جنوب لبنان.
خسرت إسبانيا خلال تلك الحرب أيضا أحد أهم شعرائها، الأندلسي غارسيا لوركا الذي أعدمه جنود فرانكو رميا بالرصاص. وظلت الديكتاتورية موضع عداء في أوروبا حتى وفاة فرانكو عام 1975، حيث تفكك سريعا أحد أعتى النظم الأوروبية. وبوفاته انتهت آخر بقايا الديكتاتورية في الجزء الأقل تقدما في القارة، أي اليونان والبرتغال. وكانت الفاشية قد انهارت من قبل في هزيمة هتلر وموسوليني، فيما قامت أنظمة ديكتاتورية في أوروبا الشرقية ضمن غلاف الآيديولوجيا الاشتراكية. وزالت تلك الديكتاتوريات من دون حروب ودمار وضحايا وخراب ومآسٍ وذل وأوبئة وأمراض ومجاعات وأقبية تعذيب.
سوف تقرر حرب سوريا الكثير في شكل المنطقة وخرائطها. وسوف تقرر – مثل حرب إسبانيا – نوعية التوازن الدولي والإقليمي. لكن ما من مراسلين يتركون تلك الشهادات التراجيدية في أكثر حروب العرب هولا.