هل خرج أردوغان عن بيت الطاعة الأمريكي في حلب؟
تداولت الأنباء الصادرة مؤخراً تحليلات تصب في خانة اعتبار العملية الأخيرة، التي قامت بها التنظيمات المتطرفة، بقيادة تنظيم «النصرة»، على مدينة حلب، خروجاً من أردوغان على بيت الطاعة الأمريكي، كون أمريكا وضعت خطاً أحمر أمام أردوغان بخصوص التعامل مع التنظيمات السلفية. فهل هذا صحيح، وما هي ردة الفعل الأمريكية على هذا الخروج؟
بادئ ذي بدء من المنافي للحقيقة الإقرار بأن أردوغان يمتلك ترف الخروج على بيت الطاعة الأمريكي؛ ومنافٍ للحقيقة أيضاً الافتراض بأن أمريكا تعتبر التعامل مع التنظيمات السلفية «خطاً أحمر».
هنا لدينا خطّان هامّان إذن في هذا التحليل يهدمانه من أساسه:
أولاً: الافتراض بأن أردوغان يمتلك من الاستقلالية ما يسمح له بالخروج على بيت الطاعة الأمريكي. ولو كان يمتلك استقلالية كهذه لظهرت في قضايا حاسمة وهامّة، على رأسها قضية تنقيب الشطر اليوناني من قبرص عن الغاز في مياه تعتبرها تركيا مياهها الإقليمية.
ثانياً: من الخطأ الفظيع الافتراض بأن أمريكا ترفض تعامل حلفائها مع التيارات السلفية. بل إن كل سياق الأزمة السورية، من ألفه إلى يائه، هو استمرار للتعامل التركي والقطري والسعودي والأوربي والأمريكي, وحتى الصهيوني, مع التنظيمات السلفية المتشددة.
ما حقيقة الهجوم الأخير على حلب إذن؟
لنعد إلى تسريبين متطابقين يعودان لفترة متقاربة، أحدهما مصدره إسرائيلي، وهو صحيفة هآرتس؛ والآخر تركي ويعود للمغرد الشهير فؤاد عوني. كلا التسريبين يتحدثان عن اجتماع سري بين معاون وزير الخارجية التركي, فريدون سينيرلي أوغلو, ومدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية, أولان غولد. وكان موضوع الاجتماع هو الأزمة السورية، وسبل التنسيق بين تركيا وكيان الاحتلال في هذه المسألة. وأكد فؤاد عوني أن تركيا حصلت خلال الاجتماع على غطاء صهيوني سياسي فيما يتعلق بسورية.
ويجدر بالذكر أن سينيرلي أوغلو هو وزير الخارجية الحقيقي في تركيا، أما وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو, فإن دوره لا يتعدى المهام البروتوكولية، وذلك لأنه فقد ثقة أردوغان به في ظروف غير معروفة حتى الآن. ومن وجهة نظر شخصية فإن سينيرلي أوغلو يتمتع باحتمال جلوسه على منصب أمانة حزب العدالة والتنمية, إذا استمر الخلاف الحالي بين أردوغان وأحمد داود أوغلو.
بعد يومين فقط من تسريب أنباء الاجتماع السري المشار إليه تشكلت غرفة «أنصار الشريعة». وشاب تشكيلها سرعة غريبة لم تغب عن الأنظار؛ فجزء كبير من التنظيمات المنضوية في هذا الحلف هي أساساً عضو في حلف آخر هو «غرفة عمليات حلب»، ومن الغريب أن يكون تنظيم ما عضواً في حلفين معاً دون أن يسبب ذلك أي مشكلة بالنسبة للأعضاء الباقين. وعلى رأس التنظيمات مزدوجة العضوية تنظيم «أحرار الشام» المعروفة صلته القوية بالاستخبارات التركية، حيث كان قد سبق لرئيس جمعية
IHH
التركية، إحدى أهم واجهات التدخل التركي في سورية، أن صرح أن «أحرار الشام» حارب ودخل في اشتباكات معينة بناءً على طلب منه.
بشكل عاجل بدأ الهجوم في نفس مساء اليوم الذي أعلن فيه عن تشكيل «غرفة عمليات أنصار الشريعة». وحصل ما حصل، وهو معروف في حي الراشدين ومينى البحوث العلمية وسواها. ورغم ضراوة الهجوم، الذي يعتبر من أشد الهجمات التي شهدتها حلب، إلا أن الجيش السوري استطاع استيعاب الضربة والمبادرة للهجوم العكسي.
وفعلاً بالنظر إلى التغطية الإعلامية العالمية لهذه الاشتباكات لم تنتقد الصحافة تدخّل أردوغان وتعامله مع السلفيين الإرهابيين، كما لم تنتقد استهداف المدنيين. مما يؤكد أن الغطاء الصهيوني كان فعالاً وعملياً.
الموضوع إذن ليس خروجاً عن بيت الطاعة، بل هو انخراط في بيت الطاعة. فحتى الصهيونيون أصبحوا يشعرون بالخشية من سيناريوهات الحكومة المقبلة في أنقرة، أو حتى من سيناريو الانتخابات المبكرة. ولذا دفعوا أردوغان في هذه الهجمة المستعجلة لتحقيق ما يمكن من مكاسب, قد لا تتوفر في ظروف أخرى. ومع ذلك بقيت الكلمة الأخيرة للجيش السوري.
.
المصدر : وكالة أنباء آسيا