على الرغم من التاريخ الحافل لجماعة الإخوان المسلمون في سورية إلا أن الرأي العام في سورية ينظر لهذا التنظيم السري بريبة وتوجس بوصفه كياناً غريباً يُمثّل “فرع محلي” تابع لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وينفذ تعليمات المرشد الأعلى للجماعة[1]، حيث تُعتبر جماعة الإخوان المسلمون فى سورية منذ تأسيسها جزءً لا يتجزأ من جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنَّا فى مصر وكانوا يكتبون في المادة الأولى من اللائحة الداخلية للتنظيم السوري: “الإخوان المسلمون فى سوريا جزء من جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها الإمام الشهيد حسن البنَّا”. وقد أكد يوسف ندا – المفوض العام للعلاقات الدولية في جماعة الإخوان المسلمين (التنظيم الدولي) – على المرجعية الموحدة للجماعة حيث قال: “الإخوان لها قيادة واحدة في العالم ومرشد الإخوان المسلمين هو مرشد واحد ما فيش غيره لكل الإخوان في العالم”[2]. ويؤكد حسن هويدي – المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سورية وعضو مكتب الإرشاد ونائب المرشد العام – بأن تنظيم الإخوان عموماً هو تنظيم واحد في جميع دول العالم “جماعة الإخوان والتنظيم العالمي وجهان لعملة واحدة”[3]، كما أكد على ذلك أيضاً محمد حكمت وليد – المراقب العام الحالي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية – حيث قال: “نحن امتداد أو أحد فروع الإخوان الرئيسة في العالم. الفكرة الرئيسية للإخوان واحدة لكن هناك تفاصيل متعلقة بالظروف السياسية والاجتماعية بكل بلد. تلك التفاصيل قد تكون مختلفة من مكان إلى آخر”[4]. وقال القيادي الإخواني عمر الأميري متحدثا عن العلاقة الوثيقة بين إخوان مصر وإخوان سورية[5]: “منذ عام 1944-1945 ازدادت العلاقات والاتصالات بين إخوان مصر وسوريا، وتم تبادل الزيارات والوفود والبعثات التي أفادت كثيرًا في توحيد أساليب العمل، وتنسيق وجهات النظر العامة والخاصة، حتى أصبحت دعوة الإخوان في مصر اليوم دعامة معنوية عظيمة للإخوان في سوريا ولبنان”. ويقول الكاتب عبده مصطفى دسوقي في مقالة نشرها في الموسوعة التاريخية للإخوان “بعد حل الإخوان في مصر واعتقال قادتهم واغتيال مرشدهم حسن البنا عمل الإخوان على مبايعة الدكتور مصطفى السباعي ليكون مرشداً عاماً غير إنه رفض وقال: إن مصر بها رجال يستطيعون تحمل هذا الأمر”.
ويؤكد علي عشماوي – أحد قادة التنظيم الخاص سابقاً في جماعة الإخوان المسلمون في مصر – على تبعية وخضوع جميع قادة الإخوان في العالم لزعيمهم المرشد في مصر بقوله[6]: ”هكذا فإنهم اقتنعوا بما يفعلون وأطلقوه فى العالم وعلموه لجميع القادة المحليين فى كل دولة، وما عليهم إلا المتابعة والتطوير”. وعندما حصل الخلاف الشديد بين جماعة الإخوان المسلمون في مصر والرئيس جمال عبدالناصر وحصلت المواجهة العنيفة بينهم، قرر جماعة الإخوان المصريون إتخاذ موقف العداء من عبدالناصر وطلبوا من جميع فروع الجماعة خارج مصر تأييدهم بموقفهم ضد عبدالناصر، ويؤكد ذلك علي عشماوي فيقول[7]: “أصدرت الحكومة قراراً بإسقاط الجنسية عن خمسة من الإخوان هم سعيد رمضان وعبدالحكم عابدين وسعد الدين الوليلى وكامل إسماعيل الشريف ونجيب صموئيل ومعهم أحمد أبو الفتح الوفدى والمتحالف مع الإخوان وكان جميعهم من سوريا يعملون على تحرض الحكومات ضد عبدالناصر”. ثم يؤكد ذلك علي عشماوي على هيمنة التنظيم المصري على التنظيم السوري فيقول[8]: “تم إخبار الحاجة زينب الغزالي بسفري وطلبت مهلة تخبر فيها الأستاذ المرشد وترى إن كان يريد شيئاً من هناك، أو إرسال أية رسالة للإخوة فى السعودية وبعد بضعة أيام طلبت مقابلتي.. وأخبرتنى أن أبلغ الإخوة هناك بعد معرفتى بالمسئول عنهم أمرين هما أولاً: أن القيادة فى مصر ترغب فى معرفة المسئولين بالخارج وأن يتم ترتيب اتصال دائم ومستمر معهم. ثانياً: أن يعملوا على أن يأخذ جميع الإخوان فى الخارج خاصة فى الدول غير الخليجية مثل سوريا والأردن والسودان وغيرها خطأ مؤيداً لإخوانهم فى مصر بوضوح وقوفهم ضد عبدالناصر”. ويؤكد بأن التنظيم المصري كان يحاول فرض قراراته ومخططاته على التنظيم السوري فيقول[9]: “عصام العطار هو الذى تولى قيادة الإخوان فى سوريا فى فترة الستينات، وكان يرفض أن ينفذ خطط الإخوان فى مصر في هذا الوقت والخاصة بمعاداة جمال عبدالناصر، لهذا فإن سفر الأستاذ الهضيبي إلى ليبيا[10] عام 1954، وقبل حوادث أكتوبر من العام نفسه، كان لإلزام الإخوة فى سوريا الخط نفسه الذى نسير عليه فى القاهرة”. ثم يقول بأن بأن التنظيم المصري كان يُصرّ على فرض توجيهاته وتعليماته على التنظيم السوري[11]: “في اليوم التالي حضر الأخ عصام العطار ومعه وفد من أخوان سوريا والتقيت بهم فى جلسة طويلة ناقشنا فيها موضوع الوقوف الى جانب إخوان مصر، فى عدائهم لجمال عبدالناصر. ولكن كان يعارض ذلك بشدة، وقال إن لكل دولة ظروفها الخاصة، وأنهم لا يستطيعون التحرك على هذا النحو الذى نطلبه، ولم يعجبنى الرد، لكنه كان موقفه الذى أعلنه”.
ويؤكد عدنان سعد الدين – المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمون في سورية – على تبعية جماعته للمرشد العام في مصر أثناء حديثه عن مرحلة الخلافات والإنشقاقات داخل جماعة الإخوان المسلمون في سورية فيقول[12]: “.. استمرت هذه الحال المأساوية أو هذه القاصمة في جماعة الإخوان فترة طال أمدها ، فتحركت القيادات الإسلامية غير السورية لرأب الصدع وإنهاء الخلاف ، كان منهم مرشد الإخوان المسلمين الأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله والشيخ أبو الحسن الندوي من الهند والأستاذ أبو الأعلى المودودي من باكستان وغيرهم ، وعندما استعصى الخلاف تقدم مكتب الإرشاد بحل لهذا النزاع الذي طال أمده ، وشكلت لجنة من ثلاثة إخوة من العراق و لبنان والأردن ، للقيام بمسعى حميد، لإخراج الإخوة في سورية من هذه الفتنة دون جدوى، فقررت اللجنة فرض الحل على أطراف النزاع ، ومن لم يقبله يكون خارج التنظيم”. وهذا يؤكد هيمنة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر على كافة فروع جماعة الإخوان المسلمون وخاصة في سورية.
ويؤكد أيضاً عدنان سعد الدين – المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمون في سورية – على تبعية جماعته تنظيمياً لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وأن القرار التنفيذي هو بيد مكتب الإرشاد حيث يقول بأن مكتب الإرشاد قد قرر إيقاف إجراءات اختيار المراقب العام لجماعة سورية بسبب خلافاتهم، وأن إجتماع مجلس الشورى لجماعة سورية قد قرر رفض إستقالة المراقب العام الجديد عدنان سعد الدين ورفع مذكرة إلى مكتب الإرشاد، ثم بقي الأمر معلقاً لأيام قليلة حتى إلتقى عدنان سعد الدين بالأستاذ عمر التلمساني الذي حسم الموضوع ودعاه لزيارة القاهرةة تمهيداً لإعطاء البيعة للمرشد باسم تنظيم الإخوان المسلمين في سورية[13].
وسبق أن أكد عدنان سعد الدين – المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمون في سورية – بوضوح على تبعية جماعته للمرشد العام في مصر المجهول الهوية فيقول[14]: “..وذهب الفقير إلى عفو ربه إلى القاهرة لإعطاء البيعة للمرشد العام الذي كان انتخابه سرياً، لا يعلم به إلا رؤساء الإخوان المصريين في المحافظات، والمراقبون العامون في الأقطار العربية الأخرى، فأديت البيعة وعدت أدراجي إلى سورية التي ظللت أدخلها سراً لمدة ثلاث سنوات..”. ثم يشرح تفاصيل تقديمه البيعة على السمع والطاعة للمرشد العام في مصر فيقول[15]: “توجهت إلى القاهرة ، وذهبت برفقة الدكتور أحمد الملط عضو مكتب الإرشاد رحمه الله إلى إحدى ضواحي القاهرة لزيارة المرشد، فأديت البيعة بعد أن تعهدت بعدم إفشاء أو ذكر اسم المرشد، وما أزال أحتفظ بهذا السر حتى كتابة هذه الكلمات، بالرغم من أن الرجل انتقل إلى جوار ربه، وكذا الدكتور الملط الذي وافته المنية من أكثر من عشر سنين، وأن حوالي ثلث قرن مرّ على ذلك اللقاء”[16].
ويقول توفيق الواعي – وهو أحد أعلام دعوة الإخوان المسلمين في مصر والكويت والعالم – عن نزار أحمد الصباغ وهو أحد قادة جماعة الإخوان المسلمون في سورية الذي إغتيل في إسبانيا سنة 1981[17]: “ولقد كانت بينه وبين أستاذنا الشهيد محمد كمال السنانيري بيعة وميثاق”[18].
ومن المؤكد بأنه عندما يقوم المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمون في سورية بتقديم “البيعة” للمرشد العام في مصر فهذا يعني أن إخونجية سورية هم تابعون شرعياً وقانونياً وتنظيمياً بشكل مباشر لقيادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر في كافة المجالات وينفذون توجيهات المرشد المصري السياسية والعسكرية والأمنية والمالية والإقنصادية والإجتماعية والإعلامية. وبما أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر قد تم ملاحقتهم وإعتقالهم وتجميد كل أموالهم وشركاتهم وجمعياتهم بعد خلع الرئيس الإخواني محمد مرسي بتاريخ 03/07/2013، فهذا يعني أن التنظيم السوري قد أصبح ملتزم بدعم التنظيم المصري في كافة المجالات وخاصة مالياً. فهل يعرف الشعب السوري المنكوب أن أموال الإغاثة المخصصة للنازحين والمشردين يستحوذ عليها هؤلاء الإنتهازيون لدعم جماعتهم الأم في مصر؟ ولذلك فإن جميع المنظمات والمؤسسات والجمعيات التابعة لجماعة الإخوان المسلمون في سورية ترفض نشر تقاريرها المالية بشفافية وعلانية حتى لا ينكشف المستور!!
ومن المدهش أيضاً ملاحظة أن المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمون في سورية الذي أدى البيعة لمرشد الجماعة في مصر قد فوجيء بأن مرشده لايعرف شيئاً عن الوضع في سورية، فيقول: “لقد لاحظت أن المرشد الذي لم أسمع باسمه من قبل رغم معرفتي الواسعة بالشخصيات الإخوانية في أثناء دراسني بالقاهرة وبعد ذلك، شعرت أنه بعيد عن الأحداث المعاصرة والساخنة، ولاسيما في سورية، ما تعانيه من تسلط طائفي واضطهاد وإقصاء للأكثرية من أهل السنة والجماعة في بلاد الشام، فلم أكد أتحدث قليلاً في هذا الشأن حتى سأل المرشد الدكتور أحمد الملط قائلاً: من يكون هؤلاء العلويون يا أحمد؟!!”[19].
______________
[1] إنظر مقال (إخوان سوريا. نشأة في حضن الجماعة الأم وحياة فى المنفى) – الأهرام العربى 13/06/2015
[2] مقابلة تلفزيونية: 10/01/2005 برنامج (شاهد على العصر – العلاقات الدولية للإخوان كما يراها يوسف ندا ح1) – قناة الجزيرة
[3] مقابلة صحفية: 21/01/2004 – (حسن هويدي: جماعة الإخوان والتنظيم العالمي وجهان لعملة واحدة.. والشورى أشمل من الديمقراطية) – جريدة الشرق الأوسط
[4] مقابلة صحفية: 15/02/2015 – (المراقب العام لإخوان سوريا لـ”زمان الوصل “: مصلحتنا الاستراتيجية مع دول الخليج) موقع زمان الوصل
[5] موسوعة الإخوان المسلمين
[6] عشماوي، علي: التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين (مذكرات أحد قادة التنظيم الخاص) – مركز إبن خلدون للدراسات الإنمائية، 2006 (صفحة 65)
[7] عشماوي، علي: التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين (مذكرات أحد قادة التنظيم الخاص) – مركز إبن خلدون للدراسات الإنمائية، 2006 (صفحة 51)
[8] عشماوي، علي: التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين (مذكرات أحد قادة التنظيم الخاص) – مركز إبن خلدون للدراسات الإنمائية، 2006 (صفحة 149)
[9] عشماوي، علي: التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين (مذكرات أحد قادة التنظيم الخاص) – مركز إبن خلدون للدراسات الإنمائية، 2006 (صفحة 152)
[10] توضيح: ربما يقصد علي عشماوي زيارة المرشد حسن الهضيبي للمخيم الذي أقامته جماعة الإخوان المسلمون في سورية فى ريف مدينة حمص عام 1954 وكان آنذاك المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمون في سورية هو مصطفى السباعي خلال الفترة (1945-1964)، وبعد وفاته تولى عصام العطار منصب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمون في سورية خلال الفترة (1964-1973).
[11] عشماوي، علي: التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين (مذكرات أحد قادة التنظيم الخاص) – مركز إبن خلدون للدراسات الإنمائية، 2006 (صفحة 154)
[12] سعدالدين، عدنان: الإخوان المسلمون في سورية.. مذكرات وذكريات .. الحكم البعثي العلوي (من عام 1963 – حتى عام 1977) – القاهرة، مصر، مكتبة مدبولي، 2010 (صفحة 349)
[13] سعدالدين، عدنان: الإخوان المسلمون في سورية.. مذكرات وذكريات .. الحكم البعثي العلوي (من عام 1963 – حتى عام 1977) – القاهرة، مصر، مكتبة مدبولي، 2010 (صفحة 363)
[14] سعدالدين، عدنان: الإخوان المسلمون في سورية.. مذكرات وذكريات .. الحكم البعثي العلوي (من عام 1963 – حتى عام 1977) – القاهرة، مصر، مكتبة مدبولي، 2010 (صفحة 258)
[15] سعدالدين، عدنان: الإخوان المسلمون في سورية.. مذكرات وذكريات .. الحكم البعثي العلوي (من عام 1963 – حتى عام 1977) – القاهرة، مصر، مكتبة مدبولي، 2010 (صفحة 364)
[16] ملاحظة: تولى عدنان سعدالدين منصب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمون في سورية سنة 1975 وكان المرشد العام آنذاك لجماعة الإخوان المسلمون في مصر هو عمر التلمساني خلال الفترة 1974-1986 ورغم أن عدنان سعدالدين قد نشر مذكراته بعد مرور 30 ثلاثون عاماً إلا أنه إلتزم بتعهده بعدم إفشاء أو ذكر إسم ذلك المرشد الذي أصبح معروفاً!!
[17] الواعي، توفيق: موسوعة شهداء الحركة الإسلامية في العصر الحديث – دار التوزيع والنشر الإسلامية، ط1، 2006 (الجزء الثاني، صفحة 5)
[18] إنظر أيضاً السيرة الذاتية لـ محمد كمال الدين السنانيري أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر المذكورة في موسوعة شهداء الحركة الإسلامية في العصر الحديث (الجزء الأول، صفحة 212)
[19] سعدالدين، عدنان: الإخوان المسلمون في سورية.. مذكرات وذكريات .. الحكم البعثي العلوي (من عام 1963 – حتى عام 1977) – القاهرة، مصر، مكتبة مدبولي، 2010 (صفحة 364)