تتزايد المؤشرات على فشل دبلوماسية الغطرسة والإستعلاء وافتعال التوتر والأزمات التي يمارسها الرئيس التركي اردوغان, تجاه معظم دول العالم وبخاصة ازاء المنطقة العربية وفي المقدمة منها سوريا, التي لم يتخَلّ السلطان العثماني الجديد عن اوهامه بتحويلها الى منصة ومنطلقا لتمرير مشروعه القائم على استعادة امجاد وحقوق مزعومة لأجداده في بلاد العرب.
وإذ اصابت عملية الغزو التركية التي تحمل اسم «درع الفرات», بعض النجاح وبخاصة في احتلال مدينة الباب, اعتماداً على مرتزقة سوريين وأكراداً ما مكَّنه من بناء قاعدة عسكرية «ثانية» على احدى تلال تلك المدينة السورية الاستراتيجية, تُضاف الى القاعدة «الاولى» التي دشّنها في بلدة «دابق»، فان ما يواجهه جيشه ورهط المرتزقة الذين يتخفى خلف «هويتهم» السورِيّة، يزيد من تعقيدات وتحديات المهمة الجديدة التي سينتدب نفسه لها والتي لم تُحسم بعد, سواء في توجِّه قواته الى الرقة للإسهام (…) في تحريرها من داعش على ما عرضته انقرة على الحليف الاطلسي ..ترامب، ام في التوجُّه صوب مدينة مِنبج في محاولة لدفن مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم لاقامة فيدرالية كردية الموصوفة في ادبيات ذلك الحزب بـِ»فيدرالية روج آفا».
الطريق الى منبج لن تكون مُعبّدة امام قوات الغزو التركي, وما بات عليه الميدان العسكري في تلك المنطقة وعلى تخومها, وبخاصة تأمين الجيش العربي السوري طريق الحسكة دمشق البرِّي وسيطرته على عدد كبير من القرى والبلدات في ريف حلب الشرقي،ما يضع الجيش التركي امام مواجهة قاسية مع الجيش السوري كما مع قوات سوريا الديمقراطية, التي تُشكل قوات حماية الشعب الكردية العمود الفقري فيها، ما يعني ايضا الاحتمالات الماثلة لِأن «يتحالف» الطرفان (السورِيّان… حتى لا ينسى أحد) معاً, لِتبديد «الحلم» التركي بالسيطرة على تلك المنطقة واعتبار انقرة نفسها رقما صعبا في معادلة حل الازمة السورية, وايضا افشال الدور التركي التآمري الرامي الى انشاء منطقة آمنة لا يتوقف اردوغان عن المطالبة باقامتها, وايضا في اللعب على الغرائز والشحن الطائفي والمذهبي بل والعِرقي عندما يقول انه يجب اعادة «منبج والرقة» الى اصحابها «الحقيقيين» ويقصد هنا «العرب», فيما لا يتوقف عن الحديث عن السنُّة والشيعة في معرض الرهان على مواصلة تصديع «الجبهات» العربية وتقسيمها طائفياً ومذهبياً وإثنياً وعِرقياً.
يصطدم الـ»حلم» المستحيل لِاردوغان, الذي يفتعل المشكلات والازمات مع معظم دول العالم, تارة مع المانيا التي يعتقل صحفييها ويتهمها بدعم الارهاب, وطوراً اليونان التي يحاول احتلال بعض جزرها عبر التحرش بها عسكريا ودائما مع ايران التي خطى خطوة تصعيدية وعدائية معها عندما «مَذْهَبَ» تنافسه معها, ارضاء لبعض العواصم العربية, وخصوصا التحريض على مصر وايضا مع السلطة الفلسطينية عندما استضاف وتكفل بمصاريف مؤتمر اسطنبول لما يُسمى بفلسطينيي الخارج، الذي برزت فيه «بصمة» حركة حماس الاسلاموي الإلغائية التي اعتمدتها منذ عقود لمحاربة منظمة التحرير الفلسطينية, بما هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني, والوطن «المعنوي» لكل فلسطينيي الشتات, في محاولة لشطبها والغائها واختراع منظمة جديدة تمنحها فرصة الهيمنة وارتهان القضية الفلسطينية لمشروعاتها وتحالفاتها الاقليمية,وهي كانت على الدوام.. تصفوية وأنانية.
نقول: يصطدم مشروع اردوغان تجاه «منبج» كما الرقة, بعقبات سياسية واخرى لوجستية، وثالثة تركية داخلية وعودته للحديث عن وجود «خلية انقلابية» داخل الجيش التركي، ما يعني انه يُفبّرِك وقائع لحملة تصفية جديدة,وسط تسريبات صحفية عن وجود خلافات بين الجيش وحكومة اردوغان, هدّد الاخير صحيفة «حرييت» التي نشرت الخبر كما محطة سي. إن. إن تُرك (التي خدمته وهو في مخبأه واذاعت نداءه للشعب التركي)، بالمحاسبة بذريعة نشر انباء «كاذبة»!! واذا ما اضفنا الى ذلك كله, ان موسكو قد بدأت تستشعر وترى ممارسة اردوغان لِلعبة مزدوجة من الخداع والتضليل بهدف كسب الوقت، ما دفعها لتقديم دعم ملموس للجيش السوري في مسعاه لقطع الطريق على درع الفرات نحو منبج, اضافة الى واشنطن تواصل ارسال الاشارات بانها تُراهن على قوات «غضب الفرات» (سوريا الديمقراطية) من اجل تحرير الرقة, فان اردوغان بات امام مأزق حقيقي يجازف في اطاحة تفاهماته مع روسيا, اذا ما حاول الخروج من هذا المأزق بِمواصلة الاندفاعة الى «منبج» والمغامرة بمواجهة حلف (قد يتبلور سريعاً) بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية, التي يُصرّ العنصر الكردي ذا الأغلبية فيها على عدم السماح بسقوط منبج… مهما كان الثمن.
ليس من المبالغة القول: أن قرب نهاية «الحلم» العثماني الاستعماري الجديد في سوريا قد اقتربت، وان مغامرة اردوغان التي ظن انه سيمضي قدما وبنجاح في تسجيل نقاط لصالحه عبر اللعب على اكثر من ساحة, وبخاصة بين موسكو وواشنطن وطهران وبغداد, مُوشِكة هي الاخرى (المغامرة العسكرية) على نهاية مماثلة, لما حاول تجسيده في «حلب» بجعلها عاصمة «دولة الشمال» التي ترعاها انقرة، ومثلما كانت «كوباني» نموذجاً للصمود السوري بعناصره ومكوناته العِرقية والدينية المختلفة، فان منبج ــ اذا ما واصل اردوغان عناده ـــ ستكون مقبرة للمشروع التركي كاملاً, وبداية رحلة الحل السياسي للازمة السورية, التي طالما لعب اردوغان وبعض العرب على مفاقمتها وصب الزيت على نيرانها المشتعلة, والعمل بلا كلل على طمس عروبتها و»سرقة» دورها وموقعها الجيوسياسي, لغير صالح الشعب السوري والامة العربية.