كل الأحداث المتتالية تشير إلى أننا أمام بداية مرحلة جديدة للمنطقة. مؤشراتها كثيرة، مثل زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وخطابه المهم أمام القمة الإسلامية، وإعلانه جملة خطوات لمواجهة إيران. ترمب ساوى بين «حزب الله» و«القاعدة»، وباشر التعاون العسكري مع التحالف في اليمن في مواجهة الحوثيين الانقلابيين، وقام بتفعيل دور القوات العسكرية الأميركية في سوريا. وعززه موقف الرئيس ترمب من البحرين، بعد لقاء ملكها، بأن الولايات المتحدة بدلت سياستها، وتخلت عن ممارسة الضغوط على الحكومة البحرينية، والمعني بذلك حيال المعارضة الداخلية. إيران هي ما يجمع بين كل هذه القضايا.
كلها تبدلات مهمة جداً، سنرى تأثيراتها خلال الأشهر المقبلة.
ما الذي حدث؟ السياسة السعودية نشطت بقوة في واشنطن، وما نراه اليوم نتيجة حراكها.
والبلدان اتفقا على التعاون في سبيل مواجهة خطرين، الإرهاب كتنظيم دولي، والثاني التمدد الإيراني ضد دول المنطقة. وخطاب العاهل السعودي في القمة الإسلامية الأميركية ركز على هذين الملفين. ونلحظ سرعة التحرك الأميركي التي تجاوزت التوقعات في تبني المواقف والتحرك على الأرض، لأن ترمب عين قيادات مهمة سياسية وعسكرية في حكومته خبيرة في المنطقة، عملت وأدركت الحقائق على الأرض. لهذا جاء التبدل الأميركي سريعا ضد إيران وإدانتها كمسؤولة عن الفوضى في سوريا واليمن.
في نفس اليوم الذي كان فيه الرئيس ترمب في الرياض، أعلنت طهران عن فوز حسن روحاني برئاسة ثانية، كأنها رسالة مصالحة من النظام. وستبيّن الأيام المقبلة إن كانت الحكومة الإيرانية ستقدم خطوات إيجابية ملموسة وليست مجرد شعارات مضللة، كما كان الحال عليه في الماضي.
إيران في ورطة حقيقية بسبب التحركات السريعة ضدها في سوريا والعراق واليمن وكذلك في لبنان. وهي إن حاولت التصعيد فإن المزيد من العقوبات في الطريق. مثال على ورطة إيران أنها اشترت ثمانين طائرة بوينغ أميركية مقابل 16 مليار دولار، ستجد نفسها عاجزة عن الاستمرار في استخدام هذه الطائرات، في حال فُرض عليها حظر غالبا سيشمل قطع الغيار والصيانة.
روحاني ربما هو الشخص الجيد في النظام، لكن الحرس الثوري هو الآلة الشريرة، شريك في قتل نحو نصف مليون سوري، وشريك في اغتيالات لبنان، ومسؤول عما يحدث من تهميش للسلطة المركزية في العراق، يدعم ميليشيات منافسة لها. كما أنه من قام بدعم وتدريب وتسليح الجماعة الحوثية التي نفذت الانقلاب على الحكومة اليمنية، كل ذلك ضمن مشروع طهران في محاصرة السعودية ودول الخليج والهيمنة على المنطقة.
عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط يهدد مصالح العالم ويعزز الفوضى، كما رأينا خلال السنوات الست الماضية. الولايات المتحدة تريد من إيران أن تدرك أن العالم لم يعد يقبل هذه الفوضى، ولن يسكت على تهديد مصالحه.
هل نحن سعداء لأن الرئيس ترمب غير سياسة بلاده، وانتقل إلى دعم معسكر الدول العربية والمسلمة المعتدلة؟
بالتأكيد هو تطور مهم لنا، وحاسم كذلك. لكن يجب ألا ننسى أننا لثلاثين عاما كنّا نواجه نظام إيران المتطرف، رأس حربة الإرهاب، كما وصفه الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمته أمام القمة الإسلامية الأميركية. كنّا نفعل ذلك بالولايات المتحدة، ومن دونها، خاصة في سنوات الفوضى الخطيرة الماضية. من دون واشنطن واجهنا إيران في سوريا ولبنان واليمن، والآن بواشنطن نتشارك في ممارسة الضغوط على نظام آية الله في طهران، على أمل أن يفكر جيداً بأن الاستمرار في المغامرات والفوضى سيكلفه كثيرا. أمام الرئيس روحاني وضع جديد يستحق منه أن يفكر فيه جيداً، وأن يستغله للقيام بمشروع تصالحي يوقف تدخلات بلاده، الوقت حان لينهي مشروع آية الله الخميني الذي أعلنه عام 1979 بعزمه على تصدير ثورته إلى دول المنطقة. حان الوقت لإنهاء هذا الوعد والانتقال إلى مرحلة إقليمية جديدة.
نقلاً عن “الشرق الأوسط”