الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يطالب منذ 2011 بمنطقة عازلة على الحدود مع سوريا. اقترح فكرته رسميا في مجلس الامن فأسقطتها واشنطن. ومع تشكيل الائتلاف الدولي لمكافحة الارهاب عاد إلى طرح هذه الفكرة، رابطا تعاونه مع الائتلاف بتحقيق طلبه. هدد مرارا بتدخل عسكري لاقامة هذه المنطقة بالقوة، وسربت وسائل الاعلام تقارير عن أن رئاسة الاركان تعمل مع المؤسسات المعنية على اعدادها من النواحي اللوجيستية والعسكرية والقانونية.
منذ طرد القوات الكردية وبعض الفصائل السورية المعارضة “الدولة الاسلامية” من تل أبيض، عادت الماكينة الاعلامية لاردوغان لتكرار اللازمة. تقارير تحذر من أن “وحدات حماية الشعب” أخطر على تركيا من “داعش”، وأنها تنفذ تطهيرا اتنيا ضد العرب والتركمان وتحاول ربط المناطق الكردية في شمال سوريا، وبالتالي انشاء ممر على طول الحدود التركية. وأردوغان نفسه حذر من أن تركيا لن تسمح باقامة دولة في جنوبها “أيا يكن الثمن”، بالتزامن مع معلومات مفادها ان الحكومة طلبت من الجيش اتخاذ الاجراءات الضرورية لمواجهة التهديد الآتي من سوريا.
“طبول” الحرب هذه توحي بأن أنقرة حسمت أمرها وقررت أخيراً دخول سوريا. ربما وجد حزب العدالة والتنمية أن الوقت حان لاضعاف الاكراد الذين خشي دوما أن يكونوا المستفيد الأكبر من الحرب على “داعش”، بعد حصولهم على أسلحة متطورة وباتوا قاب قوسين من اقامة اقليم كردي في سوريا يتواصل جغرافيا مع أكراد العراق وتركيا.
لكن “طبول “الحرب هذه قد يكون لها هدف آخر، لا دخول سوريا بقدر ما هو الخروج من المشهد السياسي الداخلي التركي الذي تبدل جذريا منذ انتخابات السابع من حزيران الماضي التي فقد فيها الحزب الحاكم غالبيته المطلقة بعد 13 سنة تقريبا في الحكم.
ليس أردوغان من النوع الذي يمكن أن يحكم في ظل حكومة ائتلافية. وهو أكثر دهاء من أن يجازف بانتخابات مبكرة قبل أن يضمن تأييدا أوسع لحزبه. ولعل هذا السياسي المحنك وجد في التهويل بالحرب مخرجا من أزمته. فشبح الحرب يثير ذعر الاسواق المالية، و بضع قذائف تسقط هنا وهناك تعمق مشاعر القلق واللاستقرار بين الاتراك. وضع كهذا يصب في مصلحة أردوغان ويعزز نظريته عن حاجة البلاد الى القبضة الحديد لحكم الحزب الواحد.
في “طبول” الحرب ايضاً رسالة واضحة الى واشنطن وتحالفها الناشئ مع أكراد سوريا.بتهديدها بالتدخل في سوريا، تتطلع أنقرة ايضاً الى الضغط على واشنطن لاعادة النظر في “سياستها الكردية” التي لا تتفق ومصالحها.
نظرياً، تبدو احتمالات التدخل التركي في سوريا مفيدة جداً لاردوغان.عملياً، أثبتت السنوات الاربع الاخيرة وقبلها، أن أردوغان مستعد لكل شيء، بما في ذلك استخدام السياسة الخارجية لبلاده، من أجل ترتيب “قصره” الداخلي.
*نقلا عن “النهار” اللبنانية