أذكر أني عندما كتبت عن رواية (شرق المتوسط ) للروائي الصديق الراحل الدكتور (عبد الرحمن ميف) وادراجي لها في كتاب لي عن خماسية مدن الملح الشهيرة للراحل منيف، التي هي أول عمل روائي سياسي عربي يصور تجربة السجن السياسي، وتقديم الصور المرعبة عن هذا السجن العربي المخيف في وحشيته ووتعذيبه للمعتقل السياسي العربي، الذي لم يحدد (الروائي منيف) دولته العربية ، وهو بالتأكيد يهدف من ذلك ليس إلى تجنب المواجهة مع نظام سياسي عربي محدد، سيما وأن الراحل منيف كان نصفه الأول من حياته كان سعوديا (مكيا )، ونصفه الثاني عراقيا قوميا لكنه ترك حزب البعث العراقي والسوري بسبب خيانة حزب البعث لشعاراته الديموقراطية، ومن ثم توجهاته الاستبدادية الديكتاتورية ..
إذن لم يكن هدف (منيف) نجنب مو اجهة نظام محدد معين ومشخص بهويته القطرية (عراق أو سوريا أو السعودية..الخ) ، بل كان يريد أن يواجه كلية النظام العربي الاستبدادي الكلياني الشمولي بغض النظر عن نظامه السياسي ارئاسي أو الملكي …….فقد عاش ومات كرمز لمثقف الحرية الذي كان دائما طريد النظام العربي…!!!!؟؟ .
بعد أن كتبت عن رواية الراحل ( منيف- شرق المتوسط ) هذه ،التقيت به بحلب بعد ندوة ثقافية دعاه لها منتدى ثفافي أرمني، بعد أن ذاع صيته وحبه في الوسط الأرمني، بسبب (المعلم الميكانياكي الأرمني أرتين) في السعودية، و وذلك وفق تصويره في أحد أجزاء خماسيته الروائية الملحمية (مدن الملح)…… وعندما قمت للترحيب بضيف حلب (منيف ) في هذه الندوة في بداية التسعينات من القرن الماضي ……طالبني الراحل بأن أثير موضوع حواري النقدي معه حول وظيفة الرعب في التصوير الفني الأدبي التخييلي للتعذيب، إن كانت ايجابية محفزة على الثورة ، أم انها محبطة ومخيفة للمتلقي للانصياع والطاعة معتمدا على أمثلة من كتاب التصوير الفني في القرآن ومشاهد من يوم القيامة ..لنخلص إلى أن الوظيفة الالهية في النص القرآني هي التنبيه والتحذير مما سيواجهه الإنسان من مغبة عقاب مخيف يوم القيامة ……..ولعل هذا ما يقسر لنا ردة فعل شيخنا العظيم فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة (أبو حيان التوحيدي ) عندما زجر الباكين من حوله في لحظات احتضاره قائلا : لماذا أنتم خائفون وكأني ذاهب لرئيس الشرطة وليس إلى ارحم الراحمين ……..
هذا الموضوع ذكرني به انبعاث الكتابة عن أدب التعذيب في السجون الأسدية منذ غفترة بع الثورة، من قبل بعض الأصدقاء الذين اعتقلوا لفترة من الفترات على يد المستوطنيين البربرييين الأسديين، فيحدثونا عن تجاربهم الفظيعة على يد السجانين الأسديين المتوحشين ، وكان تجاربهم هذه ماض انقضى، لم نعد نعيشه أو لن نغيشه، وكانه لم نعد نعيش مثل هذا الرعب ليس في السجون فحسب، بل وحتى في البيوت وفي غرف النوم والشوارع بالصواريخ والقنابل والبراميل تحت الأنقاض …..!!!
هذه الكتابات التخويفية الذي اراد الراحل (منيف) أن نناقشها علنا أمام الجمهور، كان يريد أن يصل إلى محصلة نستقيد بها من راي الجمهور، إن كان هذا التصوير محبطا وداعيا للخوف أم مهمازا محقزا للشجاعة والاقدام …سيما إذا أدركنا أن وأن تصوير هذا الرعب، يمكن ان يخدم إيجابيا وطنيا إذا كان موجها للمتلقي الأجنبي ولشعوبه، هذا الأجنبي الذي بدا لنا لأأخيرا أنه يسكت عن رعب مثبت وثائقيا وتسجيليا بأقماره الصناعية، وهو يصور موت الف وأربعمئة طفل يموتون بالغاز، أو ثلاثة عشر ألف صورة لمساجين جثث قتلي تحت التعذيب…. أي ليس موت شخص واحد تحت التعذيب حسب التصوير الروائي للسارد الفرد الذي يمكن تكذيبه أو تصديقه في الكاتبة السردية روائيا أو مذكراتيا …. !!!!
نثير هذا الموضوع بعد تجربة لنا سابقة، مع القتل اليومي في سجن تدمر، حيث كان مسموحا لبعض الأطباء (من الطائفة )، ممن خدموا في سجن تدمر أن ينقلوا لنا رسائل مخابرايتة عن صور الرعب والقتل اليومي التمثيلي الكرنفالي في تدمر، لبث الرعب في نفوسنا من أية كلمة تتعلق بـ “لا “، بعد أن تبين لهم أن العالم صامت وسيكون صامتا على كل جرائم قتلهم اليومي للمساجين الذي راحوا يعترفون بارتكاب قتلهم بكل بطولة، دون أن يرف لهم جفن كما ورد على لسان جنرالهم خادمهم الأسدي الطائفي أسديا (مصطفى طلاس) علنا وتفاخرا وتباهيا بالأوسمة على صدره تقديرا لخدماته الإجرامية لمعلمه (اللوياثان ) الأسدي..