هل تتفاوض أمريكا مع «داعش» بعد خمس سنوات؟
متى أعلنت أمريكا عن تحالف دولي ضد هذه الجهة أو تلك، ونجح التحالف في تحقيق أهدافه؟ هل تذكرون التحالف الدولي ضد العراق، وقبله ضد أفغانستان والصومال وما نتج عنه؟ ألم تحشد أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001 قوات من الشرق والغرب لغزو أفغانستان كي تعاقب تنظيم القاعدة ورديفه المحلي حركة «طالبان» على تفجير برجي التجارة في نيويورك.
لا شك أن الأمريكيين تمكنوا من إلقاء القبض على عدد من عناصر القاعدة، وشحنوهم إلى معسكر غوانتنامو. وصحيح أيضاً أنهم بعد سنوات طوال استطاعوا القبض على رئيس التنظيم أسامة بن لادن، ثم رموا جثته في البحر. لكن هل تمكنوا من القضاء على التنظيم أو على طالبان؟ بالطبع لا. فبعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً على الغزو ها هي دول الناتو تنسحب من أفغانستان الواحدة تلو الأخرى.
والأنكى من ذلك أن أمريكا زعيمة الحلف لم تجد أمامها بعد كل هذه الفترة إلا الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع حركة طالبان. والمضحك في الأمر أن أمريكا متحمسة جداً للتوصل إلى اتفاق مع الحركة، بينما طالبان ليست متحمسة، لا بل إنها تماطل، وتلعب بأعصاب الأمريكيين. ويقال إنه في أحد الاجتماعات خرج ممثل طالبان غاضباً من غرفة التفاوض مع الأمريكيين، مما جعلهم يلاطفونه كي يعود إلى الطاولة. وفي الوقت الذي تحضّر فيه أمريكا لمواجهة داعش في سوريا والعراق، فهي تفاوض طالبان. يا للمفارقة.
وبعد أفغانستان دخلت أمريكا في صراع مع تنظيم القاعدة فرع العراق الذي سبب صداعاً شديداً للأمريكيين هناك. ولا ننسى أن القوات الأمريكية لم تنجح في التصدي لجماعة الزرقاوي على مدى خمس سنوات، فما كان منها إلا حشد مجموعات كبيرة من العراقيين السُنة، وأطلقت عليهم لقب «الصحوات» كي تتصدى للزرقاوي وجماعته، لكن مع ذلك لم تنجح، وخرجت أمريكا من هناك، بينما بقي التنظيم ليزداد قوة، ويمتد إلى سوريا تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أولاً ومن ثم إلى مسمى «الدولة الإسلامية».
وحدث ولا حرج عن الفشل الأمريكي في الصومال واليمن. منذ متى والطائرات الأمريكية تقصف مواقع القاعدة في اليمن والصومال؟ منذ سنوات وسنوات. مع ذلك يزداد التنظيم هناك تمدداً وقوة. لقد فشلت أمريكا في اجتثاث «الجهاديين» في العراق بوجود أكثر من مائة وأربعين ألف جندي لها على الأرض العراقية، فكيف لها أن تجتث داعش في سوريا والعراق عن طريق الجو؟ ألم يحتج الأمريكان لشهور وشهور لتحرير مدينة الفلوجة في العراق؟ ألم يلجأ «المارينز» الأمريكي إلى استخدام الأسلحة المحرمة دولياً مع غطاء جوي لا مثيل له حتى تمكن بالكاد من السيطرة على الفلوجة الصغيرة؟ فكيف تريد أمريكا الآن القضاء على تنظيم داعش بضربات جوية، علماً أن الأخير يسيطر على ربع العراق وثلث سوريا؟ وفي العلم العسكري لا يمكن للضربات الجوية أن تحسم حرباً. أضف إلى ذلك أن التنظيم يمتلك عُدة وعتاداً واكتفاء مالياً ذاتياً. والأهم من هذا وذاك أن عقيدة المقاتلين ومعنوياتهم داخل التنظيم مرتفعة. فهم يطلقون على أنفسهم لقب «رجال موت» كما فعل من قبلهم جماعة طالبان.
لا شك أن لدى البعض تصوراً أو اعتقاداً أن كل هذه الجماعات في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن والصومال وغيرها هي مجرد فزّاعات أو مسمار جحا أمريكي لتحقيق مشاريع واستراتيجيات أمريكية. وقد رسم الفنان السوري هاني عباس كاريكاتيراً من ثلاثة مشاهد. المشهد الاول يصور أمريكا وهي تحمل بعبعاً مخيفاً ثم تضعه في منطقة ما. وفي المشهد الثاني تبدأ أمريكا بإطلاق النار على البعبع المخيف في المنطقة التي وضعته فيها. وفي المشهد الثالث والأخير نجد المنطقة مدمرة تماماً، فتدخل أمريكا المنطقة، وتأخذ البعبع إلى مكان آخر. وهناك فيلم كرتون قصير رائع يصور سيدة تصرخ بأعلى صوتها أن في بيتها فأراً، فيأتي شخص ليساعدها في إخراج الفأر من البيت، فيقوم بإدخال قط إلى البيت، على اعتبار أن الفئران تهرب من القطط، وبعد قليل يسأل السيدة إذا خرج الفأر، فتجيب:» نعم، لكن القط كّسر الصحون»، فيقوم بإدخال كلب إلى البيت، على اعتبار أن القطط تهرب من الكلاب، وبعد قليل يسأل السيدة: «هل هرب القط»، فتجيب: «نعم، لكن الكلب مزق الأثاث»، فيقوم بإدخال فيل إلى البيت، على اعتبار أن الكلاب تهرب من الفيلة. وبعد قليل يسأل السيدة: «هل هرب الكلب»، فتقول: «نعم»، فيقوم بإدخال فأر إلى البيت، على اعتبار أن الفيلة تخاف من الفئران. وفي نهاية الفيلم نجد البيت وقد تحول إلى أنقاض، فيقول الشخص الذي أدخل الحيوانات إلى البيت: «في المرة القادمة ربما نستخدم مصيدة الفئران». فإذا كان الأمر مجرد لعبة أمريكية لتدمير المنطقة تحت ذرائع واهية لتحقيق أهداف أمريكيةً، فلا قيمة لكل ما قلناه أعلاها. أما إذا كان العكس صحيحاً، وأن التجربة الأمريكية الفاشلة في أفغانستان والعراق ستتكرر مع داعش في المنطقة، يجب ألا نتفاجأ عندئذ إذا وجدنا أمريكا تفاوض داعش بعد خمس سنوات أو أكثر، لكن هذه المرة على أنقاض سوريا والعراق وربما دول أخرى.