زيورخ في 7/2/2016
لدى كل الحضارات منذ فجر التاريخ دلائل تؤكد أن رحلة الإنسان لن تنتهي بالموت، وهناك شهادات محفورة بين ثنايا تاريخ أجدادنا الفراعنة العظماء تسجل محاكمة الموتى مثل بردية جنائزية “بطيبة” التى ترجع لحوالي1025 ق.م ” يظهر فيها الإله “أنوبيس”وهو يزن قلب الميت بميزان العدالة، بينما الإله “أوزوريس إله الموتى – على اليمين يتابع المحاكمة…” آمن المصرى القديم أن الروح تتعرض بعد الموت لمحاكمة تتناول ما أتاه الميت في دنياه من حسنات وسيئات، فيجازى المُحسن على إحسانه، ويعاقب المُسىء على سيئاته”. وكانت المحكمة مؤلفة من 42 قاضياً يمثلون أقاليم مصر، وعلى رأسهم الإله أوزوريس إله الموتى، وكان قلب الميت يوضع في إحدى كفتي ميزان، وفي الكفة الأخرى توضع ريشة تمثل الإلهة”ماعت” إلهة الصدق والعدالة وإبنة الإله “رع”، فإن خفت موازينه كان ذلك دليلاً على أنه طاهر فيكون مصيره الجنة، أما إذا ثقلت موازينه كان ذلك دليلاً على أنه آثم فيساق إلى عذاب الجحيم.
امتد الإيمان بالحساب والعقاب منذ عهود سحيقة إلى أن سجلتها الأديان خلال كتبها المسطرة ولذلك لن تستطيع أن تسأل هل هناك حساب وعقاب بعد الموت؟ لأن الجميع سيتهمونك بالكفر والذندقة ففي الدولة الدينية يوجد محاكم تفتيش يحق لكل عابر سبيل أن يرفع قضية ازدراء أديان !!وما أدراك بازدراء الأديان!! ستجد حجافل من الغوغاء والدهماء يصرخون ويثورون سعياً لتنال جزاءك العادل حسب معتقدهم وهو القتل أو الحرق حياً وآخر المطاف تُهجّرْ من مدينتك أو قريتك لتحيا بقية حياتك متخفياً بلا هوية فى احيان كثيرة .
وستندهش حينما تعلم أن الجماعات الدينية التي تصرخ بلا هوادة مهدده الكل بيوم الحساب هي نفسها خلال اعمالها لا تؤمن بيوم الحساب وحينما تناقشهم يثورون عليك
فعلى سبيل المثال امرأة اُمسكت في ذات الفعل “زنى” يصرخون لتُرجم ثم يتسابقون ليقذفونها بالحجارة حتى تحطيم رأسها ليباروا فيما بينهم من هو الاول لاقتصاص حق الله!! حاشا لله أن يكون سادياً وإن رُجِمَتْ وماتت على خطيئتها فبعد الموت علام يحاسبها الله؟!! لقد نالت القصاص على الأرض وقٌتِلَتْ ولم تعط فرصة للتوبة .
وإذا شوهد لص يسرق ستتعالى الأصوات منادية بقطع يده!! فيفرحون ببتر يد وبدماء تنهمر .. غير مهتمين أن بعد قطع يده فقد تحول من عنصر إنتاج إلى عالة على المجتمع.. هل هذا سيحتاج إلى حساب بعد الموت بعد أن نال جزاءه على الأرض ببتر يد !! .
وأما المخالفين يحرقونهم وهم أحياء مثلما فعلوا في باكستان مع شاهزاد مسيح /35 عاما/ وزوجته شمة شاهزاد /31 عاما/ كانا يعملان في الفرن بمنطقة كاسور (التي تبعد 50 كيلومترا عن لاهور عاصمة الإقليم) وقد صرحت الشرطة إن صاحب الفرن احتجز الزوجين في غرفة مع أطفالهما الأربعة بعد إتهامهما بحرق صفحات من القرآن .. وتم حرقهما وهما على قيد الحياة في صباح اليوم التالي على يد غوغاء عندما علم السكان المحليون بمزاعم التجديف.. وإن سألت لماذا حُرِقَتْ تلك العائلة أحياء؟ فستكون الإجابة أنهم نالوا عقابهم حسب أيديولوجية الغوغاء والدهماء، إذاً فبأي جريمة سيعاقبون يوم الحساب؟!!
هناك سجلات بالملايين للبشر نالوا جزاءهم على الأرض سواء بقطع يد أو بتر أعضاء أو موت حرقاً أو حرماناً. . وحينما تتساءل لماذا؟ تصرخ الجموع: إن هذا عقاب الله .. وهذا جزاء عمله.. ولكن السؤال الآن إن كان هؤلاء نالوا جزاءهم على الأرض ..فهل سيعاقبون يوم القيامة ؟
وإن لم يأخذوا فرصة للتوبة والرجوع عن خطأهم فهل يقيم الله محفل تأديبي لهم؟ حاشا لله أن يكون سادي أو يفرح ببتر أعضاء.. وحاشا لله أن يحاسب المخطئين بدون اعطائهم فرصة للتوبة …
أخيراً مجرد سؤال هل هناك يوم حساب و يوم عقاب؟ هل سينال المخطئ عقاب دون اعطاءه أدنى فرصة للتوبة؟ أين رحمة الله؟ وأين العدل؟ هل هذا يتفق مع جوهر الله المحب؟
أسئلة عديدة نضعها ربما يدرك الإنسان أن غاية الله هي إسعاده وأن الله جل جلالة لا يحتاج لبلطجية تقتص حقه فهو عادل وعدله أساس ملكه .
” لا تدن ايها العفيف، لانك انت ادنته، صرت مخالفا للناموس لان الذي قال لا تزن قال ايضا لا تدن “
القديس الانبا بيمن
مدحت قلادة
Medhat00_klada@hotmail.com