كتب أحد الأخوة الإعلاميين الأتراك اللامعين من المتحدثين دائما باسم بلده تركيا على الإعلام العربي بلغة عربية سلسة وخبيرة وكأنها لغته الأم… قائلا : (لقد تمكن الأسد من خداع أمريكا وأوروبا بأن الثورة في سوريا ليست وطنية سورية، وأنها جماعات إرهابية تحارب الغرب) …
قبل أن نناقش هذه الأطروحة التركية، نقول : في الواقع أن الغرب اقتنع بما هو مقتنع به سلفا، وهو ما يسمى في علوم الخطاب (الأوندكسا ) حسب أرسطو، أي أن أن تقول للمتلقي ما يرغب في سماعه، وماهو قابل سلفا للاقتناع به …
حيث أن الغرب غير مؤمن بممكنات ثورات ديموقراطية في العالم العربي والإسلامي، فهي مجتمعات صراع الهويات العتيقة (دينية- طائفية –قبلية عشائرية حيث روابط الدم والنسب ..!!!) .لكن الشقيقة تركيا هل كانت مقتنعة بأن ثورتنا وطنية ديموقراطية ؟؟؟
نظن أن تركيا استطاع الإسلام السياسي (الأخواني) أن يقنعها أن ثورات الربيع العربي،هي ثورات دينية إسلامية وليست وطنية أيضا وفق منطق (الأوندكسا ) الذي يتأسس على سماع ما يريد سماعه، ولهذا فنحن الوطنيون السوريون المستقلون عندما عقدنا مؤتمر أنطاليا في تركيا أوائل الثورة، ما كان من الأخوة الأتراك إلا أن همشونا كوطنيين مستقلين بعد يومين ، وسلموا قياد المؤتمر إلى الأخوان المسلمين ….رغم أننا دعونا حينها الأخوان، لكنهم في البداية اعتذروا لأنهم كانواعازمين على عقد لقاء باسمهم بعد يومين من مؤتمرنا في بلجيكا، وفعلا حضروا مؤتمر أنطاليا وهيمنوا عليه بمساعدة الأخوة الأتراك ….وطاروا مباشرة من تركيا إلى بلجيكا لحضور المؤتمر الثاني تحت رعايتهم وقيادتهم .. مما ساهم بتأكيد الطابع الأخواني للثورة ، في حين أن الذين كانوا يذبحون في الشوارع والسجون هم شباب الحرية المستقلين (ما بعد الأحزاب والايديولوجيا ) جيل ثورة الاتصالات والمعلوماتية والمواطنة العالمية وحقوثق الانسان …
بعد شهور دعتنا الخارجية التركية لتصالحنا فيما سمي (إعادة هيكلة بناء المجلس الوطني ) لكنا بقينا حوالي عشرة أيام لم نلتق بأحد من الخارجية التركية، حيث كان زميل أخواني معنا بلجنة إعادة الهيكلة هو الوسيط بيننا وبينهم ….
بل إن الأخوان هم من أثاروا الحوارات حول هوية الثورة، إن كانت نضالا مدنيا تحرريا أم جهاديا، فقلنا لهم أن الجهاد يشير دلاليا إلى المعركة (بين الإيمان والكفر)، أما الثورة الوطنية التحررية تشير دلاليا إلى المعركة (بين الاستبداد والحرية )، وأن ثورة شعبنا السوري تنتمي إلى معركة الحرية ضد الاستبداد وليست الإيمان ضد الكفر …..ولذا فعندما يتحور جوهر الصراع عن معناه الأساسي، سينتصر به الأكثر تشددا، وهو التيارات التكفيرية التي تعتبر أن معاركها مع شعوبها المسلمة بوصفها شعوبا كافرة كالجاهلية الأولى قبل مجيء الإسلام …تلك هي الممهدات السياسية والفكرية لتشكل حاضنة القاعدة داعش والنصرة ؟؟؟؟
وهكذا بدأ (الانزياح ) فكريا، باتجاه ما كانت ترسمه المخابرات السورية في سجونها ومعتقلاتها من الأفراج عن قادة الجهاد حتى قبل أية طلقة رصاص، مع تكليف عملاء النظام في صفوف المعارضة بالاعلان أنهم يعرض عليهم السلاح لقتال نظام الأسد …
وبدأ التحضير للمناخ العالمي والدولي الجاهز نفسيا وعقليا مسبقا لانعاش أفكار أن ما يحدث في سوريا هي حروب سلفية طائفية ارهابية ضد النظام الأسدي(العلماني) لرفض فكرة ثورات حرية وديموقراطية بوصفها فوق أفق تفكير العرب والمسلمين الذين لا يناسبهم سوى حروب (الملل والنحل ) حيث الديموقراطية مسألة كمالية على مجتمعات لا تزال بحاجة للخبز والدواء…وفق خطاب الغرب الديموقراطي ، لكنه العنصري في آن واحد ….