ما يحدث في العراق يحبس الانفاس… ليس فقط بسبب الفظاعات الرهيبة من قتل و دمار و تشريد الآلاف من الناس كبارا و صغارا و مرضى و عجزة … و لكن ايضا بسبب الاهمال الشديد و المستوى الرفيع للكذب و الدجل و الهروب من المسؤلية و الصور المضحكة المبكية التي يخرج بها المثقفون و الاعلاميون و السياسيون و المحللون و العسكريون… المنتفعون و المنكسرون….ما يوقف العقل عن العمل هو هذا الخليط “المتجانس” من المتناقضات من الدموع السخية و الابتسامات الخبيثة… من صراخ المغتصبات و آلام الجوع في بطون الأطفال و الافراح و الليالي الملاح… من حسرات المنكسرين و اندفاع المنتصرين…
هل اصبح الانسان بلا رؤية…. ام ان الرؤية فقدت رؤيتها… امواج من الناس تتلاطم… و تتماوج و تتداخل احلامهم… رغباتهم… أحقادهم … ثاراتهم… تقدميتهم… رجعيتهم… و طنيتهم… طائفيتهم…. صراعاتهم… انخابهم…نكرانهم.. تنكرهم… واقعيتهم…أوهامهم… طموحاتهم… تخاذلهم… تكتيكاتهم … استراتيجياتهم…فقرائهم … اغنيائهم … مفكريهم… اغبياؤهم… و يمكن ان نستمر بتعدد الأسباب و المسببات و الدوافع … لكن النتائج تظل هي الشاهدة… مزيد من الدمار و استحالة الفرز بين “من يريد ماذا..؟؟..”.. و “من هو ضد ماذا..؟؟…”….!!!!..
خليط غريب من الوزراء و الأمراء… من قاطعي الرؤوس و قاطعي الارزاق …. من الداعين للثورة و القتال و من المنتفعين من آلام الآخرين و مصائبهم ….من المنافقين و الثائرين و من بائعي الهوى و بائعي الاوهام و بائعي الوطن و الدين… من السارقين و المارقين … من الناجحين في عقد الصفقات مع الشيطان و الرحمان… من الباكين في كل عزاء و الراقصين في كل الاعراس… زواج كان ام أعراس دم….
هذا الخليط الغريب يقضي على كل شيء… يقرض و يأكل كل ما يجد أمامه … يدمر كل ما هو قائم… إنساناً ام مبنى… مؤسسة مدنية كانت ام مركز شرطة … بائع خضار كان ام مستشفى….بكل بساطة… انه ينخر كل يوم في جسم العراق و مجتمعه و قيمه و أواصره … تاريخه… ماضيه … حاضره و مستقبله…
هيمنة هذا الخليط على الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية… على التطور السيكولوجي للأفراد و الجماعات… على أماني الناس و آهاتهم و تطلعاتهم…. يطرح تساؤلات اخلاقية و سوسيوسياسية و اجتماعية… هل يمكن ان يستمر العراق هكذا طاحونة لاهله و مقبرة تتوسع كل يوم و بازاراً للمزايدات و السلاح و النهب و الدجل..؟؟..
اي مشهد غريب هذا الذي يدعي فيه الجميع انهم اصحاب الحق … دون حق…؟؟؟..هل اصبح الحق بلا هوية … ام اصبح الضمير فاقداً لوعيه..؟؟؟… هل فقد العراقي قدرته على التمييز بين الأشياء…؟؟.. هل الكلام عن الحضارة و القدرة على الخلق و الإبداع كان مجرد خطاب إعلامي على شاكلة تنويم مغناطيسي… لخلق حالة من الشلل الثقافي الحسي …؟؟.. هل السياسوية غلبت ما عداها من فنون إدارة المجتمع..؟؟.. و هل فقد الفرد حسه الجماعي بالمسؤولية و هل فقد المجتمع حسه بالديمومة ..؟؟.. هل ما زال العراقي يحلم بالسلم و التضامن… بمجتمع فيه نظام للقيم و للحقوق… مجتمع ينتظم بقوانين و موازين يحترمها الجميع و يوفر الأمان و لقمة العيش للجميع..؟؟؟..
من المؤكد ان هذه التساؤلات لا تشبع جوع احد…. و قد تزعل الكثيرين…. و لكنها من الواقع …. و واقع العراقيين لا يسر بل يزيد الوجع …… حبي للجميع..