أحمد صبحى منصور
مقدمة :
1 ـ كالعادة عندما تحدث كوارث ( طبيعية ) فى الغرب يهب دُعاة المحمديين الى تفسيرها بأنها غضب الاهى ، وفى الأعصار الذى يضرب أمريكا الآن واصل أولئك الدعاة نفس العزف الذى يدل على جهلهم وعلى إنفصالهم عن واقعهم الممتلىء بالكوارث (الانسانية) .
2 ـ ذلك أن هناك كوارث طبيعية تحدث دائما بلا تدخل من الانسان ، وإذا كان الانسان متحضرا عمل على تقليل آثارها وخسائرها ، وهناك كوارث إنسانية يتسبب فيها الانسان بجهله وفساده ، حين يسيطر عليه كهنوت دينى وسياسى . وفى هذه الحالة يتجاهل دُعاة الجهل الدينى فى دولة المستبد ما يحدث فى بلادهم ويشمتون فى غيرهم إذا كان مخالفا لهم فى الدين . ونعطى بعض التفصيلات :
أولا : الكوارث الطبيعية
1 ـ هذه الكرة الأرضية تتنوع فى تضاريسها ومناخها ونصيب مناطقها من الكوارث الطبيعية . هناك مناطق للبراكين ، وللزلازل ، والفيضانات ، والأعاصير. وهناك صحارى جليدية وصحارى مدارية ، ومناطق جبلية وسهول زراعية . يتأقلم الانسان مع الوطن الذى يعيش فيه ، ولو بلغ قدرا من الحضارة يحاول تقليل من خسائر الكوارث الطبيعية فى بلده ، كما تفعل اليابان مع زلازلها . وفى الدول المتقدمة علم لإدارة الأزمات ، وبهذا يتصرف الغرب فى أزماته الطبيعية ، فيقلل خسائر الكوارث ، ويعيد اصلاح ما تخرّب ، ويظل مستعدا للكارثة القادمة . وإذا كان الانسان متخلفا فى منطقة كوارث من زلازل فالعادة أن يموت آلاف . بل حتى فى مناطق لا تحدث فيها كوارث السيول ـ مثل مصر ـ ترى الحكومة المصرية تغرق فى أمطار الشتاء السنوية ، وهى أمطار قليلة ولها موعد ثابت سنويا ، ولكن فى كل مرة يُفاجأ النظام المصرى بأمطار الشتاء .!!. وكما يقول المثل المصرى ( يغرق فى شبر ميّه ).
2 ـ الانسان هو الذى يختار بإرادته أن يعيش فى المناطق الخطرة ذات الكوارث ، والمناطق الصعبة المناخ . وهو يواجه هذا التحدى وينجح . سويسرا بلد شديد البرودة مرتفعة ، فقيرة فى مواردها ، ولكن الانسان فيها جعلها من أثرى دول العالم . وكذلك اليابان بجبالها وقلة مواردها وزلازلها . وحين تظهر ثروة طبيعية فى منطقة صعب العيش فيها ينزح اليها الناس مهاجرين ، كما حدث فى أمريكا بحثا عن الذهب ، وفى حياة الأمريكيين فى ألاسكا الجليدية بحثا عن البترول . ومنطقة الخليج كانت شبه خالية من السكان بسبب مناخها ورياحها المتربة ، فلما ظهر فيها البترول زحف اليها الملايين من شتى البلاد .
3 ـ مصر غنية بنيلها ، وهذا النيل سبب ثراء مصر وهو أيضا سبب شقائها . فى العصور الوسطى كانت تتعرض مصر لمجاعة تتكرر كل بضعة عقود ، وتفقد فيها مئات الألوف من سكانها ، ويعقبه غالبا وباء بسبب الجثث المتحللة فى الطرقات عجزا عن دفنها . ونفس الكوارث الطبيعية من زلازل ومجاعات كانت تحدث فى العراق ، وتاريخ المنتظم لابن الجوزى ــ الذى تخصص فى تاريخ العراق فى العصر العباسى ــ تناثرت فيه أخبار للسيول والزلازل والمجاعات . ومن الجزء الرابع عشر ــ فقط ــ نقتطف من ( المنتظم ) الأخبار التالية مرتبة حسب السنين :
عام 330 : غلاء ومجاعة : (وفي نصف ربيع الأول: بلغ الكر الحنطة مائتين وعشرة دنانير ، والكر الشعير مائة وعشرين دينارًا . وأكل الضعفاء الميتة. ودام الغلاء ، وكثر الموت ، وشغل الناس بالمرض والفقر وتقطعت السبل ، وترك التدافن للموتى ، واشتغل الناس عن الملاهي واللعب.)
عام 332 شهر جمادى الآخرة : عواصف مطرية وغلاء وسقوط جليد وإنهيار أمنى : ( كثرت الأمطار ، فتساقطت منازل الناس ، ومات خلق كثير تحت الهدم ، وما زالت قيمة العقار ببغداد تنقص . وزاد الأمر بسبب الغلاء ، وبلغ الخبز الخشكار ثلاثة أرطال بدرهم والتمر رطلان بدرهم ، وأغلقت عدة حمامات، وتعطلت أسواق ومساجد ، حتى صار يطلب من يسكن الدور بأجرة يعطاها ليحفظها ، وكثرت الكبسات بالليل من اللصوص بالسلاح والشمع ، وتحارس الناس بالليل بالبوقات . وجاء في شباط مطر عظيم سيل وبرد كبار وجمعه الثلاجون وكبسوه ، وتساقطت الدور ، وبرد الهواء في آذار، ووقع جليد كثير ، فاحترق أكثر الزرع )
عام 337 ، فى رمضان : فيضان دجلة : ( وفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من رمضان: انتهت زيادة دجلة إلى إحدى وعشرين ذراعًا وثلث فغرقت الضياع والدور التي عليها وأشفى الجانب الشرقي على الغرق وهمّ الناس بالهرب منه.)
عام 346 : وباء ، نقصان البحر وزلزال : ( أصاب الناس أورام الحلق والماشرى وكثر موت الفجأة . وكان من افتصد في هذين الشهرين انصبت إلى ذراعه مادة حادة عظيمة ثم ما سلم مفتصد إما أن يموت أو يشفى على التلف. ونقص البحر في هذه السنة ثمانين ذراعًا وظهرت فيه جبال وجزائر لا تعرف ولا سمع بها. وفي ذي الحجة: ورد الخبر بأنه كان بالري ونواحيها زلزلة عظيمة مات فيها خلق كثير من الناس.)
عام 347 : زلازل وجراد : ( فمن الحوادث فيها أنه كانت زلزلة ببغداد في نيسان ، وكانت زلازل عظيمة في حلوان وبلدان الجبل وقم وقاشان فقتلت خلقًا كثيرًا وأخربت.وظهر في آخر نيسان وأيار جراد أتلف الغلات الصيفية والثمار ببغداد وأتلف من الغلات الشتوية بديار مضر شيئًا عظيمًا واجتاحت الرطاب والمباطخ.)
عام 367 فى رمضان: إرتفاع مد النهر ( موج النهر ) : ( وردت المدود العظيمة بسامرا فقلعت سكر السهلية ، وتناهت زيادة دجلة حتى انتهت إلى إحدى وعشرين ذراعًا ، وانفجر بالزاهر من الجانب الشرقي بثق غرق الدور والشوارع ، وانفجر بثق من الخندق غرق مقابر باب التبن وقطيعة أم جعفر ، وخرج سكان الدور الشارعة على دجلة منها ، وغار الماء من آبارها وبلاليعها وأنهمّ الناس نفوسهم خوفًا من غرق البلد كله ثم نقص الماء.) زلزال فى ذى القعدة : ( وفي يوم الأحد سابع ذي القعدة كانت بسيراف زلزلة هدمت المنازل وأتت على ما فيها من الأموال وهلك بها أكثر من مائتي إنسان .)
عام 376 : وباء و سيول وغلاء وزلزال : ( فمن الحوادث فيها ، أنه كثر الموت في المحرم بالحميات الحادة فهلك من الناس خلق كثير. وفي ليلة الثلاثاء لتسع خلون من ربيع الأول وهي ليلة اليوم العشرين من تموز: وافى مطر كثير مفرط ببرق. وفي رجب: زاد السعر فبيعت الكارة الدقيق الخسكار بنيف وتسعين درهمًا.وفي هذا الشهر: ورد الخبر بزلزلة كانت بالموصل هدمت كثيرًا من المنازل وأهلكت خلقًا كثيرًا من الناس.) .
4 ـ الكوارث الطبيعية كانت ظاهرة طبيعية فى العصر العباسى الثانى الذى إزدحم بأئمة الحديث ، وهم الذين لا يزالون مقدسين فى أديان المحمديين الأرضية ، وفى العصر العباسى الثانى كان الحنابلة مسيطرين على الشارع ، فهل نقول إن هذه الكوارث كانت إنتقاما إلاهيا ؟ . هذا لا يصحّ. ولكن الذى يصح أن عدم وجود سلطة صالحة تستعد للكوارث وتتفادى خسائرها الفادحة هو الذى يجعل ضرر الكوارث يبلغ مداه . بل يجعلها أحيانا مرتبطة بإنهيار أمنى بسبب غياب السلطة وتنازع مراكز القوى .
فى هذا الوقت بالذات كان الروم البيزنطيون يغزون العراق والشام يقتلون عشرات الألوف ، وكان الصراع على أشده بين السنة والشيعة فى بغداد ، وكان القرامطة يعيثون فى الأرض فسادا . لم يكن هذا الفساد سببا فى وقوع الكوارث ، ولكنه كان عاملا فى زيادة خسائرها .وهذا يذكرنا بالمجاعة الى حدثت فى عهد المستنصر الفاطمى ـ والتى لامثيل لها فى التاريخ المصرى. كان يمكن أن تتوقف المحاعة بعد عامين على الأكثر ، ولكن ضعف الخليفة والصراع بين جنوده منع من الزراعة فاستمرت سبع سنين . ندخل هنا على انوع الآخر من الكوارث : ( الكوارث الانسانية )
ثانيا : الكوارث الانسانية :
مقصود بها المصائب التى تحدث بسبب الفساد ، وتكون عقوبة من الرحمن جل وعلا . ونضع لها الملامح الآتية :
1 ـ إنها تدخل فى قواعد الاهلاك للمفسدين المترفين ، وقد تعرضنا لهذا كثيرا . ولكن نشير الى قوله جل وعلا عن إهلاك الأمم المفسدة فى العصور الغابرة : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10)الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) الفجر).
ونتوقف مع ( فساد ) فرعون موسى الذى وصل به إستبداده الى زعم الالوهية والربوبية العليا ، وقال رب العزة عن مظاهر فساده : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص ) وجحد طلب موسى أن يترك بنى اسرائيل 🙁 وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) النمل )، بل عزم على قتل موسى بحجة أن موسى مفسد فى الأرض : ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26) غافر)، وبتعاليه إستكثر أن يهرب من طغيانه بنو اسرائيل فطاردهم بجنده بغيا وعدوا ، وغرق : (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91) يونس ). وكانت النتيجة ليس فقط غرقه مع نظام حكمه وجنده وقومه بل أيضا تدمير قصوره وممتلكاته وورثها بنو اسرائيل : ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الاعراف ).
2 ـ هذه هى الحقيقة الكبرى : أن فساد البشر يترتب عليه إهلاك أو عذاب أو مصائب بسبب فعل البشر . وقد تكون هذه المصائب درسا لهم لعلهم يرجعون عن فسادهم . قال جل وعلا : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم ) .
3 ـ ولكن المستبدين يسيرون على سُنة فرعون ودأبه ، فيحل بهم الاهلاك والمصائب . قريش سارت على ( دأب فرعون ) ( الأنفال 52 ، 54 آل عمران 11 ) وحذرهم رب العزة مقدما من عذاب قادم ، ولم يتعظوا فحلّ بهم عذاب الفتنة الكبرى ، قال لهم جل وعلا : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) الانعام ). ولم يتعظ بهم المحمديون ، ولذا فهم فى نفق الفتنة الكبرى ـ حتى الآن ـ سائرون .
ثالثا : الكوارث الانسانية و ( مصيبة / سيئة ) من ملامح المصطلح القرآنى ( سيئة / مصيبة ) :
1 ـ ( السيئة / المصيبة ) قد تكون خيرا أو شرا . وقد قال جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) (79) النساء ). فالمصيبة السيئة التى تحدث للنبى تكون عقابا له ، والمصيبة الحسنة تكون تفضلا من الرحمن جل وعلا . ويقول جل وعلا لخاتم النبيين عليهم السلام عن إصابته بالحسنة أو السيئة وموقف المنافقين منه : ( إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) التوبة ) .
2 ـ إنها تكون بسبب عصيان البشر ، أى عقوبة لهم ، وسبق قوله جل وعلا للنبى محمد نفسه : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) (79) النساء ). أى إن ( السيئة ) أو ( المصيبة ) تكون بسبب عمل سىء قدمه الانسان ، سواء كان فردا أو مجموعة من الأفراد أو أغلبية من المجتمع . يقول جل وعلا : ( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) الروم ) ( وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ (48) الشوى ). تكرر هنا ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ )، أى بسبب عصيانهم . وهو نفس الحال مع بعض منافقى المدينة ، قال جل وعلا عنهم : ( فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) النساء )، وعن قريش قال جل وعلا : ( وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (47) القصص ).
3 ـ الله جل وعلا لا يعاقب البشر فى الدنيا على كل معاصيهم ، بل يعفو عن الكثير منها ، قال جل وعلا : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) الشورى ). بل إنه جل وعلا لو يعاقبهم على كل ذنوبهم ومعاصيهم فلن يترك على الأرض دابة ، قال جل وعلا : ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ )(61) النحل )( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ )(45) فاطر )، هذا بالطبع يشمل الأنبياء .!!
4 ـ ثم إن هذه المصائب من خير أو شر ( ما يصيب الانسان من نعمة ونقمة ) هو من الحتميات المقدرة سلفا قبل وجودنا : ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ) (51) التوبة )، ومن هنا يجب على المؤمن أن يقف موقفا معتدلا من الذى يحدث له من إبتلاء الخير والشر ، فلا يأسى على ما فات ولا يفرح ( أى يغتر ) بما يأتيه . قال جل وعلا : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد ).
أخيرا :
1 ـ الكوارث الطبيعية لا مفر منها . يختار بعض البشر العيش فى مناطق تتعرض للكوارث . وإذا كانوا مجتمعا ديمقراطيا أفلحوا فى تجنب أفدح عواقبها السيئة . إذا كانوا فى مجتمع يسيطر عليه الاستبداد والكهنوت فإن الكوارث الطبيعية تكون ماحقة .
2 ـ بل بدون كوارث طبيعية فإن المستبد يحوّل النعمة الى نقمة . صدام حوّل بترول العراق الى نقمة على العراق وعلى ايران والكويت ، وترك بلده خاويا على عروشه . القذافى أنفق دخل البترول فى مؤامرات وسلب ونهب وترك ليبيا خاوية على عروشها . نعمة البترول تتحول الى نقمة الآن فى سوريا واليمن وليبيا ، وهذا بفعل أثرياء النفط ، هم يلعبون بالنار ، وستحرقهم هذه النار . وكهنوتهم بدلا من أن يعظوا بالقرآن ـ تراهم ـ بلا خجل ـ يشمتون في الضحايا الذين شردتهم الاعصارات فى كوبا وأمريكا ..
3 ـ لا تفرحوا .. فسينطبق عليكم قوله جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) ابراهيم ) .