فريدريك هوف: دبلوماسي ومسؤول سابق لملف سوريا ويعمل في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي
لاجئة سورية تهيء شاي داخل قافلة في مخيم الزعتري للاجئين في مدينة المفرق الأردنية قرب الحدود السورية، كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٤. وبسبب نقص التمويل اضطرت الأمم المتحدة الى وقف تزويد بطاقات الغذاء ل ١،٧ مليون لاجئ سوري في الأردن، ولبنان، وتركيا، والعراق، ومصر. هذا ما صرح به برنامج التغذية العالمي في ١ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٤. لقد ترافق وقف برنامج المساعدة مع دخول العائلات السورية غير الحصينة شتاءها القارس الرابع ضمن شروط معيشية صعبة بعد أن فرت من وطن أرهقه النزاع منذ آذار/مارس ٢٠١١. محمد حامد، رويترز
ومع اشتداد النقاش حول إمكانية ان تنشىء الولايات المتحدة وتركيا منطقة محمية في شمال سوريا، ينشر المدافعون عن نظام الأسد نسقا من الحجج المألوفة: احذروا من المنحدر الزلق المؤدي الى غزو واحتلال؛ لا تقوموا بأي عمل حتى تتجاوز المعارضة السورية اختلالها وتقدم حلا بديلا مقنعا للنظام؛ تجنبوا تنحية الأسد-مخلوف عن غير قصد خشية حدوث فوضى كما حدث في العراق على أثر إسقاط صدام حسين. وبالرغم من أن تلك الحجج تبدو معقولة فإن آخر تلك الحجج الثلاث هو ما أغضب ملايين السوريين الذين كانوا ضحية إجرامية النظام القاسية قرابة أربع سنوات.
وبالفعل كان للتشبيه بالعراق وزنا ثقيلا ومدمرا لسياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا، ومع ذلك، من الغريب أن هذا الثقل لم يكن موجودا في بداية الأزمة، عندما توقع البيت الأبيض كليا أن يحدو الأسد حدو بن علي، ومبارك، وصالح، والقذافي. وعندما طلب الرئيس باراك اوباما من الأسد في آب/اغسطس ٢٠١١ أن يتنحى، فقد توقع تماما أن يتوارى الدكتاتور السوري عن الأنظار.
وعندما أظهر الأسد قدرته على استعادة مرونته مستخدما الإرهاب الجماعي مضيفا إليه نغمة طائفية، أدركت الإدارة وقتها شيئا لم تكن قد لحظته من قبل: فائدة النظام المزعومة بعدم التواري بسرعة كبيرة. وبالنهاية، لا يريد أي أحد تكرار ما حصل في العراق حيث اندفع موظفون مدنيون جردوا من بعثيتهم مسعورين الى الشارع. لقد صدق البعض التشبيه بالعراق، إلا أن ذلك كان مواتيا للجميع. فإن لم يذهب الأسد دون دفعة قوية من الولايات المتحدة، وتلك الدفعة لم تكن وشيكة، لربما كان هناك أهمية من بقائه لفترة قصيرة، لربما كان بإمكانه أن يلعب دور المثبت ريثما تستجمع المعارضة أعمالها. وللأسف هذا ما حسبوه تفكيرا استراتيجيا في موضوع سوريا.
إن نتائج تسوية القتل الجماعي مع نظرية خاصة إنما مناسبة للإستقرار كانت مذهلة: أكثر من مئتي ألف قتيل، عشرات آلاف لا تحصى بين مشوه، وجريح، ومروٌع، أكثر من ثلاثة ملايين فار من سوريا عبر الحدود السورية، أكثر من سبعة ملايين مشرد داخل البلاد، آلاف تحت التعذيب، والتجويع، والتحرش الجنسي داخل سجون الظام. مواطنون سوريون تعرضوا دون رحمة لقصف براميل المتفجرات وحصارات التجويع. وتشهد أطنان الوثائق المهربة خارج سوريا – كثير منها رسمية – على جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي قام بها النظام. هذا، بالإضافة الى عالم الرذيلة والإجرام لاقتصاد الشبيحة في المنطقة الغربية من سوريا والتي يسيطر عليها النظام، مصحوب بآلام لا توصف للعائلات العلوية التي أجبرت على التضحية بأبنائها للحفاظ على عشيرة حاكمة جشعة. هذا هو الثمن الذي دفعه السوريون لقاء ما يسميه البعض بالاستقرار.
ومع ذلك، فهذا ليس الثمن الكامل. لقد سهّل نظام الأسد قيام القاعدة في العراق خلال العقد الأول من القرن الحادي وعشرين ثم ساعد في إعادته الى الحياة بواسطة استراتيجية البقاء الطائفي الوحشية والساخرة. وبجعل سوريا أرضا خصبة لنمو الدولة الإسلامية في العراق والمشرق ( داعش) فقد اكتشف النظام كيفية التعامل مع داعش من أجل قتل عدو مشترك: سوريين مؤمنين بالقومية يسعون لطرد النظام وإبطال داعش. إن مظهر نظام الأسد الذي يحمل طابع التثبيت قد أثمر في شهر حزيران/ يونيو من هذا العام، عندما انفجر بركان داعش في سوريا والتهم جزءا من العراق. ويحاول الآن عسكريو تحالف واسع بقيادة الولايات المتحدة أن يتعاملوا مع مساهمة نظام الأسد لإعادة التوازن في المنطقة.
ومع هذا يحصل الأسد على بطاقة مجانية لكثير من ذلك من محللين ومعلقين يعلنون أنهم يَرَون خطرا أكبر ينشأ من معارضة عنيدة ومنفية. ولربما هنالك سبقا لهذا. لربما تجادل الناس فعلا في عام ١٩٤٣ فيما إن كان على الحلفاء التمهل في تنحية هتلر. من كان مهيئا لأخذ مكانه وحكم ألمانيا؟ هل هو أحد الشخصيات المعارضة المختبئة داخل ألمانيا أو ممن يعانون في المنفى؟ وما هو واضح في حال سوريا أنه لا يوجد نقص في معلقين لديهم الرغبة بتنظيف أعمال النهب التي قام بها النظام متبعين مبدأ ” أبدا بعد الآن” بينما ينكلون السخرية والإزدراء لقادة المعارضة الذين يتلقون مساعدة “داعمين” من المنطقة همهم أن يجمعوا نوابا أكثر من همهم بمساعدة بناء معارضة متماسكة.
هل التآلف السوري وفرعه الحكومة المؤقتة السورية جاهز الآن لحكم سوريا بشكل فعال؟ طبعا لا. هل بشار الأسد مستعد لهذا؟ هو الذي أمضى أفضل فترة من أربع سنوات يحرق البلد كي تتمكن عائلته من الإستمرار بجمع الأجور كمستخدمين لإيران؟ وإذا اختفى غدا رجل صنفه الرئيس باراك اوباما حديثا في بريسبن بالقاتل؟ هل سيعم الثبات في سوريا؟
وللأقليات السورية كل الحق والأسباب لتخاف من بديل نهائي للأسد. لا أحد أكثر من العلويين السوريين يعرف الى أي مدى سعت عشيرة واحدة لتورطهم كلهم ضمن حملة تكون نتيجتها، إن لم تكن نيتها قتلا جماعيا. لا أحد أكثر من مسيحيي سوريا الذين غادروا البلاد قبل آذار/ مارس ٢٠١١ بفترة طويلة يعرف كم أن العائلة الحاكمة فاسدة وغير كفؤ ومتقلبة. إنما ما يُثقلهم هو الخوف من أن تنجح استراتيجية النظام في أخذ الأقليات كرهائن.
لقد طالب المدافعون عن النظام مطولا بتقرب واشنطن من سوريا دون أن تتدخل. وباعتبار أن سياسة عدم التدخل إضافة الى وسائل النظام التكتيكية قد سهّلت نهضة داعش، وجبهة النصرة، وطائفية أخرى بدائية على حساب المعارضة الأصلية، فلقد ذرفوا دموع التماسيح على الضعف النسبي للمؤمنين بالقومية السورية الذين حاولوا قتال النظام وداعش على حد سواء. إنهم يطلبون من القوميين أن يؤكدوا على الأقليات حتى أثناء استشارتهم واشنطن، بالتخلي عن القوميين. وبحسب المدافعين، فإن مساعدة القوميين الذين يحاولون محاربة الإرهاب من جهتين تطيل الحرب وتوسع المعاناة فقط. ومن الأفضل لهم أن ينتصر بسرعة رجلهم المنغمس بالدم والذي يدعمه مقاتلون أجانب استوردتهم ايران الى سوريا.
سيعمل المدافعون ما يحلو لهم. إنما على إدارة اوباما أن تطرح على نفسها بعض الأسئلة. هل يمكن أن يتحقق هدف القضاء على داعش مع وجود من يخول بدرجة أولى خليفة زائف – نظام الأسد- ؟ هل يمكن أن يخفف المقت الإنساني الألم في سوريا طالما يستخدم النظام الحملة الجوية ضد داعش كغطاء لحملته الجوية المنافية للقانون الدولي؟ هل يمكن لأهداف الرئيس بتعزيز حكم في سوريا جدير بالإحترام وشرعي أن تُقدم دون وجود منطقة آمنة تثبت فيها جذورها؟ هل يمكن أن يُجنّد مناهضو النظام السوريون لحملة أرضية ضد داعش إذا سُمِح لحلب أن تسقط؟
إن ضمان جاهزية الإجابة على تلك الأسئلة جدي ومعقد. وبكل أسف يبقى التفادي خيارا : بعيدا عن كونه دون خطر المجازفة. ومع هذا، فالصفات المزعومة للأسد بكونه عاملا للثبات أمام ضعف المعارضة يجب أن لا تكون دليلا يستهان به.
نقلاً عن العربية نت