لا يعتبر قطع الرؤوس إشارة على التقدم إلا في المملكة العربية السعودية. ففي الثامن عشر من تشرين الأول/أكتوبر، صدر بيانٌ رسمي عن الحكومة أعلن عن تنفيذ حكم القتل قصاصاً بحق أمير سعودي ارتكب جريمة قتل بالرصاص. ولا نعلم على وجه اليقين ما إذا كان رأس الأمير تركي بن سعود الكبير قد قُطع – علماً أن السعودية تحكم بالشنق أو الرمي بالرصاص على الذين تثبت إدانتهم بالجرائم الكبرى التي يعاقب عليها بالإعدام كالاتجار بالمخدرات. لكن هذه مجرد تفاصيل، فالمغزى الحقيقي هو أن فرداً من القبيلة المالكة واجه نفس العواقب المترتبة على الجريمة التي يواجهها أي سعودي من عامة الشعب.
وفي هذا السياق، يذكر المؤرخون أن الأمراء السعوديين أفلتوا في السابق من العقاب عن جرائم القتل حيث كانوا يتملصون من المصير النهائي عبر دفع الدية لعائلة الضحية. على سبيل المثال، ما حصل مع أحد أفراد العائلة المالكة، الأمير مشاري بن عبد العزيز، الذي أطلق النار على نائب القنصل البريطاني في جدة سيريل أوزمان وأرداه قتيلاً خلال حفلٍ في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1951. وفي أعقاب تلك الحادثة، قبلت زوجته دوروثي بالمبلغ المالي الذي عرضه السعوديون لمغادرة البلاد وسلمِ الأمير مشاري من العقاب حسبما جاء في كتاب “بيت آل سعود” لديفيد هولدن وريتشارد جونز الصادر عام 1981.
ووفقاً لوسائل الإعلام العربية لم تكن عائلة القتيل مستعدة لقبول المال مع أن المبلغ الذي عُرض عليها بلغ ملايين الدولارات (أي ما يعادل “عشرات الملايين من الريالات”). وكان الأمير تركي فرداً غير هام في العائلة المالكة، أي أن لقبه كان “صاحب السمو” وليس “صاحب السمو الملكي”، ولربما اعتبره آل سعود شخصاً من السهل التخلص منه حفاظاً على مظاهر الإذعان بشأن مسألة ضخمة. وكما غرّد رجل الأعمال السعودي الميلياردير الأمير الوليد بن طلال عبرصفحته على موقع “تويتر”، “العدل أسَاس الْمُلْك”.
ويبدو أن الجريمة الفعلية وقعت في عام 2012. وقد تناولت وسائل الاعلام السعودية خبر عقوبة الإعدام بشكل وجيز (ولكن دون أي ذكر لإسم الأمير أو أي تفاصيل أخرى) في عام 2014 عندما كان الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز لا يزال على قيد الحياة. ويشار إلى أن قرار فرض الحكم كان قد صدر بمرسوم ملكي، ويفُترض أنه موقّع من قبل الملك سلمان شخصياً الذي وصل إلى الحكم في كانون الثاني/يناير 2015. ولعل الضعف الجسدي والعقلي الذي يعاني منه العاهل السعودي ساهم في هذا التأخير. ومن المرجح أن ابنه المفضل، ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، اضطلع بدور رئيسي في هذا الشأن. إذ لا يتم اتخاذ أي قرار ذو أهمية في المملكة هذه الأيام من دون معرفة الأمير الحاذق البالغ من العمر واحد وثلاثين عاماً، ومن المؤكد أن هذا القرار استدعى موافقته الفعلية.
والأمير محمد هو صاحب النفوذ والشخصية القوية الذي يدير الدفة في المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن. وهو معروفٌ بسمعته التي تجسد انعدام الرحمة، شأنه شأن النظام القضائي السعودي نفسه. إنه المهندس الذي يقف وراء “رؤية السعودية 2030″، هذا المشروع الضخم الذي يهدف إلى إنعاش الاقتصاد السعودي والبنية الاجتماعية وتهيئتها لمستقبل ما بعد النفط؛ فسوف تزداد أهمية التعليم من أجل قوى عاملة تكنولوجية، وسيتم تخفيض الحواجز في أماكن العمل بين المرأة والرجل، إن لم يكن القضاء عليها، لزيادة الكفاءة. وسوف تصبح المملكة مركزاً للتصنيع.
ومن غير المرجح أن ينجح إعدام أمير واحد، يكاد يكون بلا أهمية، في إحداث تغيير مفاجئ في نظرة العالم بأن [لأبناء] العائلة المالكة السعودية قانون على أنفسهم [قانونهم الخاص]. وإني لأشك في ما إذا كان من الممكن أن تكون الرياض مسرورة إذا ما تم إلقاء القبض على أحد صغار الأمراء بسبب جريمة متعلقة بالمخدرات، جعلته يقضي فترة عقوبة في السجن. فالأمير سعود عبد العزيز بن ناصر آل سعود الذي حُكم عليه في عام 2010 بالسجن لمدة لا تقل عن 20 عاماً في سجن بريطاني بتهمة قتل خادمه/شريكه المثلي الجنس تحت تأثير المخدرات في أحد فنادق لندن، نُقل إلى المملكة لقضاء فترة عقوبته. وإذا كان لا يزال محتجزاً، فربما هو مجرد رهن “الاعتقال في قصرٍ ما”.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل كانت نهاية الأمير تركي جزءاً من مناورات العلاقات العامة لتغيير صورة السعودية، التي جمعت في الأسبوع الثالث من الشهر الحالي سندات بقيمة 17,5 مليار دولار لتمويل “الرؤية 2030″؟ إذا كان الأمر كذلك، من المحتمل أن يكون مستشارو الأمير محمد بن سلمان قد أخطأوا في حساباتهم. فوسائل الإعلام ضجّت في ذلك الأسبوع بالخبر الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” على صفحتها الأولى عن الأمير محمد بن سلمان واليخت الضخم، “سيرين”، الذي اشتراه بمبلغ 550 مليون دولار عام 2015 – بناءً على نزوة – من ملياردير روسي يتاجر بالفودكا. (ابحث عن “سيرين” على موقع “جوجل”، إنه رائع). ومما يزيد الإحراج، أن الخبر المنشور في “نيويورك تايمز” هو من إعداد اثنين من الصحفيين اللذيْن كانا قد حصلا على تأشيرة دخول إلى السعودية في محاولة لإظهار انفتاح جديد. وكان صحفي ثالث قد كتب خبراً آخر قبل ذلك بيومين عن الكفاءة الاقتصادية (المريبة) لمزارع الألبان في الصحراء.
ونظراً إلى مكانة الأمير محمد بن سلمان والطاقة التي يتمتع بها، سيكون من الحماقة الرهان ضدّه في الوقت الذي يدير فيه العملية الانتقالية في المملكة ويزداد احتمال تعيينه الملك القادم أكثر من أي وقت مضى. بيد أن السعوديين العاديين ليسوا فاحشي الثراء، ويعانون من ارتفاع فواتير الخدمات العامة وتجميد الأجور، بينما تواجه السعودية انخفاض أسعار النفط، شأنها شأن الدول الأخرى المصدّرة للنفط. ونظراً إلى محيط المملكة – الذي يضم قوى شديدة العداء للسعودية في إيران وسوريا واليمن – فإنّ سير عملية التحول الراهنة على نحو سلس سيكون بمثابة معجزة.
سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
نشرت المقالة فى مجلة “نيوزويك”
نقلا عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط