هكذا قرأتُ القرآن ٧ سورة التكوير
رياض الحبيّب
قرأت اليوم أُسْجُوْعَة سورة التكوير والتي ترتيبها ٧ في ترتيب “التنزيل” و٨١ في مُصْحَف عثمان. وقد بيّنت في المقالة السابقة معنى السَّجْع وأنّ القرآن كلّه مؤلّف من مجموعة أساجيع (سُمّيَتْ سُوَراً) متطابقة شكلاً ونوعاً مع سجع الكواهن والكهان في العصر المسمّى بالجاهلي. إلّا أنّ مؤلّفها قد تمادى في إدخال العامل الديني بها حتى نسب مؤلّفاته كلّها- سواء ما نطق عن الهوى وما نطق عن خلافه- إلى وحْي إلهي؛ داعياً الناس جميعاً إلى تصديق دعوته واتباعه بالإكراه وبتأليف القلوب وإلّا فالموت لهم في الدنيا ولهم سقر في الآخرة أو دفع الجزية وهم صاغرون. ولقد دعاني أحد المُحمّديّين دعوة (ذكيّة) إلى اعتناق الدين المُحَمّدي وقد غاب عنه أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين- في زمن المعلوماتية السريعة- فآثرتُ اغتنام تلك الدعوة {كحجّة مُوَثّقة} لكي أقرئهُ قرآنه بصوت عالٍ، مسموع في أنحاء المعمورة، مبيّناً له 1. مساوئ هذا الكتاب 2. خطورته على ماضي البشريّة وحاضرها ومستقبلها 3. استحالة قيام إله أهل الكتاب بالتنازل إلى مستوى تكليف المدعوّ محمداً رسالة ما إلى الناس، لأنّ الشخصيّة المحمّديّة مريضة وذات أخلاق دونيّة وذات نزعة دمويّة 4. جهل الشخصيّة المذكورة باللغة السليمة وبالأخلاق الراقية وبفنون الأدب وبالعلم والتاريخ والجغرافيا… إلخ ممّا سيأتي إثباته في حينه؛ ذلك بقدر ما أوتيتُ من معرفة باللغة العربيّة وبأدب الفترة المسمّاة بالجاهليّة ومستفيداً من كتب التفسير المعتمَدة لدى غالبية المسلمين ومن المعاجم اللغويّة ومن مصادر عدّة استقى مؤلّف القرآن بياناته منها.
ولقد بدأت بقراءة السّوَر بحسب ترتيب “تنزيلها” أي الترتيب التاريخي؛ لا بحسب المصحف العثماني إذ لم يُعِرْ جامعو القرآن ومدوّنوه ونسّاخه اهتماماً للتاريخ وتسلسل الأحداث، ما زاد القارئ الباحث التباساً فوق التباس وشكوكاً فوق شكوك حول ظلاميّة هذا المؤلَّف- بفتح اللام- وتردّي الحالة المَرَضيّة لدى مؤلِّفه- بكسر اللام، بالإضافة إلى إحساس القارئ الباحث بالإمتعاض من تعاليم القرآن المُغـْرضة وأساليب مؤلّفه المُبْغِضة في أيّة سورة- من بدايته إلى نهايته- سواءٌ أقصُرتْ أم طالتْ؛ كما حصل لي وأنا أقرأ بطريقة مُحايدة، مستبعداً من ذهني جميع ترسّبات الماضي، ممّا عانيت من أخلاق المسلمين، في الأوساط الإسلاميّة ولا سيّما الشارع، ما زاد على ثلاثة عقود قضيْتُها على مضض. ولكن لكلّ إنسان طريقة ما في القراءة والتحليل وفق الخلفيّة الثقافيّة أيّاً كانت مصادرها.
هنا نصّ سورة التكوير مع تفسير الجلالين لبعض جُمَلِها محصوراً بين هلالين:
{إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ١ (لُفـِّفتْ وَذ ُهِبَ بنُورِها) وإذا النجومُ اٌنكدرَتْ ٢ (اِنقضَّتْ وتسَاقطَتْ على الأرض) وإذا الجبَالُ سُيِّرَتْ ٣ (ذ ُهِبَ بها عن وجه الأرض فصَارَتْ هَبَاء مُنبَثّاً) وإذا العِشَارُ عُطِّلتْ ٤ (النُّوق الحَوَامِل تُرِكتْ بلا رَاعٍ أو بلا حَلْب لِمَا دهاهُمْ مِن الأمْر، وإنْ لمْ يَكُنْ مَال أَعْجَب إليهم منها) وإذا الوحوشُ حُشِرَتْ ٥ (جُمِعَتْ بَعْد البَعْث لِيَقتصّ لِبَعْض من بعض ثُمَّ تصِير تُرَاباً) وإذا البحَارُ سُجِّرَتْ ٦ (أُوقِدَتْ فصَارَتْ نارًا) وإذا النفوسُ زُوِّجَتْ ٧ (قُرِنَتْ بأجسَادها) وإذا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ٨ (الجارِيَة تُدفـَن حَيَّة خوْف العَار والحَاجَة “سُئِلتْ” تبكِيتاً لقاتلها) بأيِّ ذنْب قُتِلتْ ٩ (حِكاية لِمَا تُخاطَب به وجوابها أنْ تقول: قُتِلْتُ بلا ذنْب) وإذا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ١٠ (صُحُف الأعمال فُتِحَتْ وَبُسِطَتْ) وإذا السَّمَاءُ كُشِطتْ ١١ (نُزِعَتْ عن أماكنها كما يُنْزع الجلد عن الشّاة) وإذا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ ١٢ (النَّار أُجِّجَتْ) وإذا الجَنَّةُ أُزْلِفتْ ١٣ (قُرِّبَتْ لأهلها ليَدخلوها وجواب إذا [وهي أداة شرطيّة غير جازمة] أوَّل السُّورَة وما عُطِفَ عليها »»» عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ ١٤ (كُلّ نفس وقت هذه المَذكُورَات وهو يوم القيامة “ما أحْضَرَتْ” من خير وشرّ) فلا أُقسِمُ بالخُنَّسِ ١٥ الجَوَارِ الكُنَّسِ ١٦ واللَّيْلِ إذا عَسْعَسَ ١٧ والصُّبْحِ إذا تنفَّسَ ١٨ إنَّهُ لقوْلُ رَسُولٍ كريم ١٩ ذِي قوَّةٍ عِند ذِي العَرْشِ مَكِينٍ ٢٠ مُطَاعٍ ثَمَّ أمِين ٢١ ومَا صَاحِبُكُمْ بمَجْنون ٢٢ ولقدْ رَآَهُ بالأفُقِ المُبينِ ٢٣ ومَا هُوَ عَلى الغيْبِ بضَنِين ٢٤ وما هُوَ بقوْلِ شَيْطان رَجيم ٢٥ فأيْن تذهَبُون ٢٦ إنْ هُوَ إلّا ذِكْرٌ لِلعالمِين ٢٧ لِمَنْ شاءَ مِنكمْ أنْ يَسْتقِيمَ ٢٨ وما تشاءُون إلّا أنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ العالمِين ٢٩} انتهت
تعليقي 1. وجدتُ صُوراً ظلامية تشاؤميّة من بداية الأسجوعة إلى نهايتها، لا مَحَبّة فيها ولا خير ولا بهجة ولا سلام ولا تفاؤل فيا ليت شعري كم كانت شدّة الظلاميّة والتشاؤم في عقليّة ذلك المخلوق الصحراوي وفي خياله؟ 2. سأدرس بعض الجُمَل كي لا أطيل؛ بقوله في البداية (إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وإذا النجومُ اٌنكدرَتْ…) إلى قوله (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ) هل شرع محمد بحلّ مشاكله اليوميّة ومشاكل مجتمعه التي على الأرض- ولا سيّما مصادر الرزق كالزراعة والصناعة والتجارة بدلاً من الغزو والسلب والنهب- وهل أنهى رسالته الأرضيّة لكي يتفرّغ إلى ما يمكن حصوله يوم القيامة عبر النظر إلى الفضاء- الشمس والنجوم والسماء- وتخيّل انحلاله وزواله؟ أظنّ مؤلّف القرآن لم يكن موفّقاً في اختيار التوقيت المناسب للتصريح بمثل هذه الأمور فالسورة مرقّمة ٧ ولا تزال في جعبته أمور كثيرة لتُطرَح، منها وصايا إلهه وتعاليمه (أي الشريعة) وورقة العمل لحاضره ومستقبله 3. ألا توجد مُعطيات تفاؤليّة لتعلم بها النفس ما أحْضرَتْ من خير وشرّ؟ فمثالاً سورة العمل:
إذا الأرضُ زُرعَتْ* وإذا الأمطار هطلتْ* وإذا النباتات أورقتْ* وإذا الزهور تفتحتْ* وإذا الثمار أينعتْ* وإذا الزراعة ازدهرتْ* وإذا الصّناعة لزمت* وإذا التجارة بُدِئت* وإذا المشاكل سُوِّيَتْ* وإذا القبائل تصالحتْ* وإذا الأيدي تكاتفتْ* قلّت الخلافات وتبدّدتْ* والصحراء اخضوضرتْ* والطبائع تمدّنتْ* وعوامل الخصْب اٌنجلتْ* وأسباب الجَدب اٌنحَسَرَتْ* والحضارة تطوّرتْ* ما تقدّمتْ سرعتها وما تأخرَتْ*
4. لاحظت- من جهة الفن الأدبي- تنوّع القوافي؛ يبدأ المؤلّف بقافية تائيّة ثمّ سينيّة ثمّ ميميّة متناوبة مع نونيّة، قد حصل هذا في أساليب سَجْع الكواهن والكهّان- كما مرّ ذكره في المقالة السابقة، لذا لم يأتِ مؤلّف القرآن بجديد 5. ما معنى تكوير الشمس وما الهدف منه وهل يتفق المعنى مع العلوم الكونيّة؟ سألقي أوّلاً نظرة على تفسير قوله (إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) في محاولة لفهم طريقة تفكير المؤلّف- هنا مقتطفات من تفسير الإمام الطبري:
{اِختلفَ أهْل التَّأْوِيل فِي تأوِيل قوْله: (إذا الشَّمْس كُوِّرَتْ) فقالَ بَعْضهمْ: مَعْنى ذلِكَ: إذا الشَّمْس ذهَبَ ضَوْءُهَا. عَن اِبْن عَبَّاس يقول: أَظْلمَتْ. وعَنْ اِبْن عَبَّاس [أيضاً] يَعْنِي: ذهَبَتْ. عَنْ مُجَاهِد قال: اِضْمَحَلَّتْ وَذهَبَتْ. عَنْ قتادَة قال: ذهَبَ ضَوْءُهَا فلا ضَوْء لهَا. عَنْ سَعِيد قال: غُوِّرَت، وَهِيَ بالفارِسِيَّةِ، كُوَر تُكَوَّر. وقال آخرُون: رُمِيَ بهَا؛ عَنْ أبي صَالِح قال: نُكِّسَتْ [وعنه أيضاً] قال: أُلقِيَتْ. عن رَبيع بْن خَيْثَم قال: رُمِيَ بهَا. والصَّوَاب مِن القول في ذلِك عِندنا [أي عند الطبري] أن يُقال {كُوِّرَتْ} كمَا قال الله جَلَّ ثناؤُه؛ والتَّكْوِير في كلام العَرَب: جَمْع بَعْض الشَّيْء إلى بَعْض، وذلِكَ كتكوير العِمَامَة، وَهُوَ لفّهَا على الرَّأس، وكتكويرِ الكارَّة، وَهِيَ جَمْع الثِّيَاب بَعْضهَا إلى بَعْض، وَلفّها، وكذلِك قوْله: {إذا الشَّمْس كُوِّرَتْ} إنَّمَا مَعْناهُ: جَمْع بَعْضهَا إلى بَعْض، ثُمَّ لُفَّتْ فرُمِيَ بهَا، وإذا فُعِلَ ذلِكَ بها ذهَبَ ضَوْءُهَا. فعلى التأوِيل الّذي تأَوَّلناهُ لِكِلا القولين اللذيْنِ ذكرْت عَن أهْل التأويل، وَجْه صَحِيح، وذلِك أنَّهَا إذا كُوِّرَتْ وَرُمِيَ بهَا، ذهَبَ ضَوْءُهَا} انتهى. أمّا من معرض تفسير القرطبي فاقتطفت:
{في الترمذي: عن ابن عُمَر قال: قال رسول الله ص: (من سَرّهُ أن ينظر إلى يوم القيامة «كأنه رأي عين» فليقرأ إذا الشمس كوّرت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقتْ) قال: هذا حديث حسن «غريب» قال ابن عباس: تكويرها: إدخالها في العرش. سَعِيد بْن جُبَيْر: عُوِّرَتْ. أبو عبيدة: كُوِّرَتْ مثل تكوير العمامة، تُلفّ فتُمْحَى. وقال الربيع بن خيثم: “كوِّرت رُمِيَ بها؛ ومنه: كوّرته فتكوّر؛ أي سقط. قلت [أي قال القرطبي] وأصْل التكوير: الجَمْع، مأخوذ من كارَ العِمَامَة على رَأسه يَكُورُها أيْ لاثها وجمعها فهيَ تُكوَّر ويُمْحَى ضَوْءُهَا، ثمّ يُرْمَى بها في البَحْر. واَلله أعْلم} انتهى
وتعليقي: 1. ما سبب الإختلاف الكثير نسبيّاً في تأويل قوله (إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) والجملة في تقديري عبّرت بخيال يميل إلى نهاية الكون بظلام أبدي؟ 2. هذا الخيال- من جهة العلوم- مريض؛ نفسيّاً: بسبب ميله إلى العتمة، علميّاً: كيف كان شكل الشمس- هندسيّاً- قبل التكور؛ مربّعاً، مُثلثاً، هَرَمِيّاً…إلخ؟ بلاغيّاً: حتى التعبير المجازي يُوصف بالعقم إذا ما افتقر إلى مقوّمات الربط الذهني بين عناصر الطبيعة وتجسيد الخيال بصورة شعريّة نابضة بالحياة وأمّا الغاية من حُسْن استخدام المفردات فلتقريب لغة الإحساس الى الواقع؛ أنظر صورة الشاعر الراحل السِّيَاب في “أنشودة المطر” كيف نظر إلى عَينـَي حبيبته- سواء أكانت امرأة أم الوطن: {عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعة السّحَر… أو شرفتان راح ينآى عنهما القمَر} أمّا دينيّاً فتقتضي معرفة الخالق (أو الطريق إليه) مزيداً من التفكّر والتأمّل في مزايا خليقة الخالق بهدف الإقتراب إلى فكره وتقريب صورته إلى الأذهان ما يُشعر السامع بالأمان والسلام والطمأنينة لا بالخوف والإرهاب والموت عبر التحسّب والترقب والتوجّس من مجهول متكبّر ومُضِلّ وماكر… إلخ
وإذا شئت العودة إلى حدود الزمن المحمّدي فانظر قول امرئ القيس ممّا في معلّقته- بحر الطويل: تُضِيءُ الظَّلامَ بالعشيّ كأنَّهَا *** مَنَارَةُ مُمْسَى رَاهِب ٍ مُتبَتِّلِ
شرح الزوزني: {تُضيء العشيقة بنور وجهها ظلامَ الليل فكأنها مصباحُ راهب منقطع عن الناس. وخصّ مصباحَ الراهب لأنهُ يوقدُهُ ليهتديَ به عند الضلال فهو يضيئه أشدّ الإضاءة، يريد أنّ نور وجهها يغلب ظلامَ الليل كما أنّ نورَ مصباح الراهب يغلبُه} انتهى
وانظر في قول النبيّ أشعياء الذي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد، الأصحاح 40 والآية 22:
{الجَالِسُ عَلى كُرَةِ الأرضِ وسُكّانُهَا كالجُنْدُب. الَّذِي يَنشُرُ السَّمَاوَاتِ كسَرَادِق ويَبْسُطُهَا كخـَيْمَة للسَّكَن}
3. ومن جهة علم الفلك فحجم الشمس أكبر بـ 000 300 1 مرّة من الارض ويقدّر عمرها بـ 4,57 بليون سنة فالحديث عن تكوّرها وانحلالها وزوالها كعلامة دالّة على حلول يوم القيامة لا محلّ له من الإعتبار وأمّا قول القرطبي (فهيَ تُكوَّر ويُمْحَى ضَوْءُهَا، ثُمَّ يُرْمَى بها في البَحْر. واَلله أعْلم) فيدعو إلى الرثاء. وإذا ما علِمنا (من ويكيبيديا وسواها) عن ظاهرة الإندماج النووي بأنّ عمليّة تحويل گرام واحد من المادة إلى طاقة يكفي لإنتاج طاقة مكافئة لطاقة القنبلة التي تمّ إلقاؤها على اليابان وأنّ قطر الشمس يزداد مع الزمن حتى يبتلع كوكبَي عُطارد والزُّهَرَة فإنّ تصوّر مصيرها من التمدد يتفوّق على احتماليّة مصير الإضمحلال. أمّا النظريات حول مصير الكون فثلاث وشخصيّاً أميل إلى تصديق الرأي القائل بالتمدد لأني اعتبرت الشمس أبديّة بدليل استمرار توهجها حوالي 5 بلايين من السنين- هنا رابط عن مصير الكون:
http://en.wikipedia.org/wiki/Ultimate_fate_of_the_universe
4. وما علاقة حادثة وأد البنات الإستثنائيّة بأحاديث الشمس والنجوم ويوم القيامة؟ فأوّلاً أنها لم تكن ظاهرة عامّة إنما حصلت في بعض القبائل وانتهت وإلّا لما استطاع الرجل الزواج بأزيد من امرأة بل لحصل العكس. ولم تُحَلّ تلك المشكلة إلّا بالوعي لا بالقرآن وكيف كان القرآن حَلّاً في وقت قام مؤلّفه وأتباعه بضرب أعناق الألوف من معارضيه ولا سيّما الرجال سواء أكانوا من بني قريظة أم غيرهم وسواء في شبه الجزيرة وفي سائر الأنحاء التي طالتها الغزوات. علماً أنّ هناك روايات عن أسباب وأد البنات آنذاك؛ منها الفقر والعار وتقديم قرابين للآلهة.
5. بقوله (وإذا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ) فهل ستمرّ نار الجحيم بحالة من البرودة والخمود حتى تحتاج إلى تأجّج؟ وهل يمكننا المقارنة بين درجة حرارة قلب الشمس ودرجة حرارة الجحيم وبين حجم الشمس وحجم الجحيم؟ لكنّ الشمس مرئيّة أمّا الجحيم فأين موقعها من الكون؟ وما هذا التناقض بين النظريّتين؛ من جهة ستضمحلّ الشمس (بعد تكوّرها) ما يؤدّي إلى هبوط درجة حرارة الأرض إلى مستوى الإنجماد لتنعدم الحياة على سطحها وفي مياهها لولا ظاهرة شذوذ الماء- ومن جهة أخرى تُسَعّر الجحيم لترتفع درجة الحرارة والجحيم لا يعلم بمكانها أحد وتالياً كم ستبلغ درجة حرارة الجنّة المحمّديّة وأين موقعها وكم المسافة بينها وبين الجحيم؟
6. من ذا يُعَوّل على قوله ابتداءً بـ (إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) إلى قوله (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ)؟ لأنّ فرضيّات مؤلّف القرآن نابعة من الخيال فحسْب، لذا فهي بعيدة في نظري عن المنطق السليم وعن الواقع كلّ البعد، حتّى أنّه باستعمال أداة الشرط {إذا} قد أساء إلى أداة الشرط عينها، أنظر طريقة استعمال طرَفة بن العبد في معلقته- بحر الطويل:
إذا القوْمُ قالوا مَنْ فتىً خِلْتُ أنني *** عُنِيْتُ فلمْ أكْسَلْ وَلمْ أتبَلَّدِ
وطريقة عمرو بن كلثوم في معلقته- بحر الوافر:
مُشَعْشَعَةً كأَنَّ الحُصَّ فِيهَا *** إذا مَا المَاءُ خالطَهَا سَخِينا
تجُورُ بذِي اللبَانةِ عَنْ هَوَاهُ *** إذا مَا ذاقهَا حتّى يَلِينا
7. فسّر الطبري والجلالان قوله (إنَّهُ لقوْلُ رَسُولٍ كرِيم ١٩) بأنّ الرسول المذكور هو جبريل وفي رأيي أنّ الصّفة اللائقة بجبريل هي الملاك وليس الرسول ولولا كتب التفسير لحصل اختلاف في ذهن القارئ على الشخص المقصود كرسول.
8. أقتطف من تفسير الطبري لقوله (وما صاحبكم بمجنون): {وما صاحبكم أيها الناس محمد بمجنون، فيتكلم عن جَنّة، ويهذي هذيان المجانين، بل جاء بالحق، وَصَدَّقَ المرسلين. 28307 – عن مَيْمُون بْن مَهْرَان: (وما صاحبكم بمجنون) قال: ذاكُمْ مُحَمَّد صلعم} انتهى
وتعليقي: يبدو لي أنّ هناك سبباً وراء تأكيد محمّد على إبعاد صفة الجنون عنه في مواضع شتّى من القرآن فلقد حاول جهده ليُقنِع الناس بأنّ النوبات العصبيّة التي تنتابه وإنْ دلّت على مرض (الصّرَع) لكنّه على أمل في ألّا يكون الداء عضالاً وألّا يصل به إلى مرحلة الجنون بل عسى أن يُرجى منه شفاء. وفي رأيي القاطع بهذه المناسبة: كان مؤلّف القرآن متأرجحاً بين حافات الصحّة والمرض من جهة وكان من جهة أخرى مفكّراً ذا خيال واسع- ولو احتوت عقليّته على هَوَس وهلوسة- بل كان ثاقب النظر وذكيّاً ومُبْدعاً في تأليف أساجيعه بأشكال متنوّعة.
______________
في الحلقة القادمة قراءة في سورة الأعلى
____________________________
شكراً جزيلاً لكلّ من تفضّل-ت بالتعليق على مقالتي السابقة ولكلّ من تفضّل-ت بالتصويت: الأخت الرائعة سناء (لقد وجدتُ التباساً في نسب بيت الشعر المذكور، لذلك لم أستطع ذكره جازماً ولم يسعفني الوقت للتحرّي على اسم صاحبه الحقيقي. أمّا الأمثلة التي تفضّلتِ بها فمبنيّة على أسس مُوثّقة في التراث الإسلامي ولقد أحسنتِ، أتفق معك تماماً والربّ يباركك) – الأخ العزيز محمد البدري (أضمّ صوتي إلى صوتك بقوّة) – السيد الفاضل عبد الله بوفيم (1. إنها من سورة المدّثّر إلّا ما كان لديك دليلٌ ما على أنها من سورة الكوثر 2. لا مشكلة لديّ إمّا انطبقت تلك الأسجوعة على مصيري أو على مصير الوَلِيد بْن المُغِيرَة وأبي لهب وأبي طالب «عمّ محمّد الذي رفض ربّ القرآن حتى الرمق الأخير في حياته» وعلى مصائر أبي جهل وكعب بن الأشرف وعصماء بنت مروان… إلخ بالإضافة إلى مواقف الملايين الذين- واللواتي- انكشفت لهم حقيقة الإسلام فاٌرتدّوا بلا رجعة، لكنّ المشكلة تكمن في معرفة مَنْ يقرّر مصير الناس، إنه الخالق الذي أحبّهم فخلقهم وإنه الديّان يوم الدينونة، لذا لا يحقّ لك- ولا لغيرك- تقرير مصير كافِر أو مُلحِد أو مُشرِك 3. قولك “إنما ستلتحقون بالمسلمين, ورغما عنكم, خاصة وأن كتاب الله شهيد عليكم” فلماذا “رُغماً” ولم تحاول بالعقل أن تقنِعنا- ولو بحجّة عقلانيّة واحدة- بأنّ القرآن كتاب الله؟ في وقتٍ أيّد كثيرون وشهدوا بأنّ القرآن أساجيع من تأليف محمّد وأثبت كثيرون بأدلّة قاطعة بأنّ تعاليم القرآن سُوقيّة وإرهابيّة وهذه النتيجة حتميّة لأنّ طريقة تفكير محمّد (مؤلِّف القرآن) وأخلاقه لفِي الدّرَك الأسفل، كما مرّ في مقالاتي السابقة وبما يأتي قريباً ولاحقاً. وسيبقى حقل التعليق على كلّ مقالة من مقالاتي مفتوحاً فهاتِ ما عندك من حجّة إن حاولت دحض رأي واحد من آرائي أو تفنيد معلومة واحدة من معلوماتي وشكراً لك على المتابعة)
المصدر الحوار المتمدن بموافقة الكاتب رياض الحبيب