إعادة كتابة التاريخ القبطى لم يعد إختياراً.فإنفتاح العلوم و إتساع وسائل البحث وإكتشاف مخطوطات و توفر الكوادر العلمية المؤهلة يجعل من إعادة كتابة التاريخ أمر هام جداً لتصحيح مغالطات و إزالة إلتباسات و وضع أحداث كثيرة في حجمها الحقيقي و فوق هذا كله إظهار الأخطاء متى وجدت.ليكن منهج التاريخ مثل منهج الكتاب المقدس فى سرده لسيرة أى من الأنبياء و الرسل.فهو فيما يتتبع الأحداث لا يهمل الأشخاص الرئيسيين و لا الفرعيين في الحدث لم يهمل شخصية النبى أو التلميذ أو الرسول كما لم يتجاهل أخطاءه و أخطاء من حوله .لم يتجاهل فضائله لكنه لم يقدمها منبهراً بل قدمها كسلوك يعكس صدق محبة للمسيح رغم مشغوليات الخدمة.
مشكلة معظم من كتبوا تاريخنا في القديم أنهم لم يكونوا محايدين تماماً بل أن تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية لم يكتبه الأرثوذكس بإستثناء يوحنا النيقوسى الذى عاصر غزو العرب لمصر و كتب عن المذابح التي حصلت فيه .ثم لا نجد مؤرخون بعده إلا متأخراً جداً بعد القرن العاشر.مساحة من الجفاف التاريخي صارت فرصة لتلوين الحقائق حسب ميول كاتبها فى الوقت الذى لم يواكبه كتابة التاريخ من قبل أصحابه فى القرون العشرة الأولى.بل أن آخر من أراد إنعاش كتابة تاريخ الكنيسة كان كتابه مليئاً بالمغالطات التاريخية هذه التي نجد بعضها في السنكسار الذى نقرأه دون مراجعة حتى اليوم و دون توثيق للكثير مما يحتويه…
أشهر كذبة متداولة
لعل أشهر كذبة يتشدق الإسلاميون بها لإثبات سماحة الغزو العربى هى أن عمرو بن العاص أعطي الأمان للبابا بنيامين بعد أن كان هارباً من وجه الإضطهاد البيزنطي .تعالوا نفندها من بطون الكتب الإسلامية حتي من لا يعجبه يرد على كتبه الإسلامية.
جاء عمرو بن العاص على رأس جيش لغزو مصر سنة 639-641 ميلادية المصادر التاريخية الإسلامية أوردت أن عمرو بن العاص تولى مصر فترة أربعة سنوات بعد غزوها ثم لما وصلت أخبار كره المصريين له لقسوته و الحقيقة لإختلاسه الغنائم (كتاب البداية و النهاية لحافظ بن كثير) عزله عثمان و ولى عبد الله بن أبي السرج على الخراج أي الغنائم أصل الخلاف.وعزل عمرو بن العاص عن مصر تماماً و تولى عبد الله ابي السرج الذى دام عشرة سنوات والياً علي مصر فصارت 14 سنة تحت الغزو الإسلامى و لم يتم الإستقرار العسكرى الإسلامى إلا بعد تحطيم و ذبح في الفيوم و في الإسكندرية ثم الصعيد.بينما كان هناك بين الكوفة و المدينة صراع آخر بين الخلفاء (رضي الله عنهم) .فبعد قتل أبي بكر و عمر بن الخطاب و و عثمان صارت فتنة بين قاتلي عثمان بقيادة علي إبن أبي طالب و بين الراغبين في الإنتقام لمقتل عثمان و على رأسهم معاوية بن أبي سفيان .و مع تصاعد الأحداث إحتاج معاوية لمساعدة الجزار ( و هذا عمل عمرو بن العاص قبل الإسلام) و كان قد نال شهرة واسعة في القتل بعد غزو مصر ثانية و عودته إلى المدينة فقابل معاوية (رضي الله عنه ) و هو يعلم أنه يريد قتل على بن أبي طالب (رضي الله عنه ) فقال عمرو بن العاص (رضي الله عنه) لمعاوية رضى الله عنه (لا أعطيك من ديني حتى آخذ من دنياك).أي أن عمرو بن العاص يعرض أن يتنازل عن دينه مقابل مكسب لدنياه يأخذه من معاوية بن أبي سفيان فسأله معاوية عن طلبه فقال له إعطني مصر فوعده معاوية بعد قتل على رضي الله عنه و لأن الصحابة لا يثقون في بعضهم بعضاً بسهولة فقد طلب من معاوية أن يكتب هذا الأمر و يحضره شهود فكتب له مصر شرطاً و أودعه شهوداً و بايعه عمرو و هكذا رأينا رضي الله عنهم يقتلون بعضهم بعضاً لأجل المكاسب و الغنائم و المناصب.(موسوعة أعلام الخلفاء ص 95)(تاريخ مصر- ولاة الفتنة الكبرى).إذن نحن أمام رجل مستعد أن يتنازل عن دينه ليأخذ غنائم مصر و يقتل أمير المؤمنين لكي يحقق هدفه حتى أنه حين عاد إلى مصركان أول ما فعله هو قتل محمد (إبن أبي بكر الصديق) سنة 38 هجرية .كان هذا سلوك الجزار عند دخوله مصر مجدداً فهل نتوقع منه سماحة؟ من كان أولى بسماحة عمرو بن العاص: أمير المؤمنين على و إبن الخليفة أبي بكر أم بابا الأقباط ؟ فإذا كان قد قتل هؤلاء ليغنم بمصر فهل حلت المحبة فجأة في قلب الجزار؟فماذا حدث إذن؟
سر إستبقاء بابوات الإسكندرية أحياء
حين تقرأ سير بابوات الكنيسة من بعد دخول الإسلام مصر لن تجد بطريركاً ضمن أسماء الشهداء و ذلك لأسباب عديدة:
1-كان العرب يجهلون الأعمال الإدارية و يجهلون لغة الأقباط.و كان جمع الجزية يحتاج اللغة القبطية و النظام الإدارى و كلاهما غير متوفر عند العرب. بالإضافة إلى قلة أعدادهم مقابل إتساع أراضى مصر و تباعدها.فكانت الإستعانة بالبطاركة و نظام الكنيسة الرعوي الذى يشمل كل الأنحاء يسهل لهم ما عجز العرب عنه.
2- بقاء البابا حياً كان وسيلة ضغط على المسيحيين.إذ يكفي القبض عليه و طلب فدية لإطلاق سراحه فيهب المسيحيون من كل مصر يجمعون المال لتحرير البطريرك و هذا ما تقرأه في سير معظم الباباوات فى العصر الإسلامى ال40 و 43و46 و47 و50 و 53 و54و 55.
3- يمكن أن نختصر الأمر في مشهد حصل للبابا ألكسندروس ال43الذى ذهب يسلم على الوالي الجديد فقبض عليه و سجنه و عذبه حتي يدفع 3000دينار جزية.فلما جاء أحد شمامسة الكنيسة و يدعي جرجس سأل الوالى سؤالاً هاماً ( هل تطلب نفس البطريرك أم المال؟) فأجابه الوالى المال.فتسلم الشماس البابا و طاف به البلاد يجمع الجزية للوالي.هذه كانت سياسة جميع الولاة ليست عن سماحة بل سياسة ضغط و إبتزاز و إستغلال.و لو عدت لقراءة سير البابوات السابق ذكر ترتيبهم ستجد نفس السياسة (سجن البابا –طلب الفدية-خروج البابا –جمع الفدية) لا توجد سماحة بل عجز عن جمع الجزية بطريقة أخرى.لذلك بقي البابوات أحياء و دعك من قصة أعطاء الأمان للبابا بنيامين أو غيره .فلم يكن أمان في عهود العرب و لا حتي بينهم و بين أنفسهم و لا بين خلفاءهم و لا بين صحابتهم بل كيف سنوفق بين إعطاء الأمان للبطريرك ثم قتل الرهبان و الشعب و سبى النساء في ذات الموقف.هل كانت السماحة حكراً على البابوات ؟ثم لماذا تعذيب البطاركة و سجنهم ما دامت هناك سماحة؟ الأمر لا علاقة له بالسماحة المزعومة بل بقلة حيلة الغزو العربى في جمع الجزية.و لو قرأت نفس سير البطاركة ستجد أن الكنيسة تعرضت لإضطهادات شديدة في عهودهم برغم دفع الجزية .بل من فيض محبة الكنيسة للشعوب المسيحية الأخرى التي أسرها العرب و أتوا بها إلي الإسكندرية كانت الكنيسة رغم آلامها تجمع أموالاً لسداد ثمن الأسري من الرجال و السبايا من النساء و تحررهم و تكرمهم رغم ما تعانيه من ضيقات.
صححوا التاريخ لأننا في زمن التصحيح.أعيدوا كتابة السنكسار بأكثر تدقيق فالأجيال الآن تقرأ وتبحث و لا تكتفى بالسمع و لنا لقاء بنعمة المسيح لنستكمل أسباباً أخرى تتطلب إعادة كتابة تاريخ الكنيسة فى مصر .