السوري الجديد: ريما فليحان: كاتبة وناشطة, سيدني- استراليا
لم يكن من السهل على نظام الأسد أن يواجه شعارات الثورة الأولى المتسمه بالوطنية وبالترفع الاخلاقي عن الانحدار نحو العنف والتحريض بينما كان إعلامه وشخوصه غارقين في اختلاق الاكاذيب والتحريض على كل من حلم بالحرية والديموقراطيه، لذلك فان هذا النظام كان يريد بكل ما أوتي من قوة جر الثورة إلى السلاح من جهة، وتطييفها بحيث تتحول من ثورة شعب ضد نظام طاغية الى نزاعي طائفي يبرر بعده كل ما يقوم به من إجرام بحجة الدفاع عن االوطن من مؤامرة كونيه مرةً، وبحجة مقاومة الارهاب والعصابات المسلحة مرة أخرى .
لا يخفى على أحد أن الأكثرية في سوريا هي الشريحة التي تعرضت للظلم الأكبر على يد هذا النظام لأنه استهدف مناطقها بالقتل والقصف اليومي واعتقل الكثير من شبانها لانتمائهم لتلك المنطقة أو ذلك الحي فقط وقتل وعذب وارتكب المجازر، لكن هذا لا يعني أن مثل هذا السلوك كان قراراً من الاقليات أو أنه كان لحمايتها، هذا السلوك كان فقط لأخماد الثورة والدخول في دوامة العنف. شهد العام الأول للثورة مشاركة السوريين بكل انتماءاتهم بالحراك الشعبي مع تفاوت النسب بالتأكيد، وهذا لايعني بأي حال من الاحوال بأن مشاركة نشطاء الاقليات في الثورة كانت هامشية أو غير مؤثرة، بل على العكس تماماً فقد قوّت رؤية الثورة الشعبية ومنطقها الاخلاقي في وجه إعلام النظام وجيشه الالكتروني المروج لنظرية المؤامرة واستهداف الأقليات، ولم يكن نموّ الحس الطائفي لدى بعض شرائح الثورة إلا خدمة لأجندة النظام بقصد كان أو بغير قصد، كان من تجليات ذلك تخوين معظم نشطاء الأقليات على العموم والتشكيك بانتمائهم للثورة، والتقليل من الدور الذي قاموا به في ثورة الكرامة.
يدفع نشطاء الاقليات ثمن وقوفهم الى جانب الثورة مرتين:
– مرةً من قبل جزء من أبناء طوائفهم الموالين للنظام والذين يعتبرونهم يقفون مع المتطرفين الذين يشكلون خطرا وجودياً عليهم، وبالتالي فهم يحاربون ويقاطعون اجتماعياً وتروج حولهم الشائعات التي تفيد بتورطهم بما يسمونه الارهاب وفق ما يروجه اعلامه النظام عنهم
– ومرة من قبل جزء من جمهور الثورة الذي يحمل كثير من أبنائه الشك باتجاه هؤلاء النشطاء الذين يجب أن يثبتوا انتماءهم لثورة آمنوا بها وتحملوا لأجل موقفهم الداعم لها الكثير من الألم والاضهاد ككل الواقفين في نفس الصف من بقية المكونات السورية، وهم إذ يعلمون أن موقف النظام ضدهم طبيعي لأن هذا النظام مجرم بتركيبته، الا أنهم لا يتفهمون أبداً موقف الجمهور الذي بدأ يصبح متشنجاً تجاه كل أبناء الاقليات ومستعد لتصديق كل الأكاذيب والشائعات التي تلفق ضدهم.
لم يكن من مصلحة أحد أن يجاري البعض من هذا الجمهور النفس الطائفي المتطرف لدى النظام بأن يخلق لديه أيضاً نفساً مقابلاً يشبه ايدولوجيا النظام المتطرفة، ويتلفظ بمفردات شبيحته الداعية للقتل و الذبح وما يشبه تلك المفردات الهمجية والتي لم تؤدِّ الا إلى ترويج أكبر لنظرية النظام القائمة بالأساس على نسف فكرة الثورة الشعبية، وتحويلها الى حركة إرهابية متطرفة تدعو الى القتل والتدمير، كما لم يكن من مصلحة أحد أن تستبدل الشعارات الوطنية الجامعة بأخرى هزيلة وضيقة ما دون الوطنية كانت ومازالت تستخدم لتأجيج المشاعر الطائفية وحس الانتقام لدى الشعب الغاضب المستفز من عدم إنصاف المجتمع الدولي لمظلوميته، و العاجز عن إيقاف المجازر اليوميه المرتكبة بحق السوريين.
ما فعله البعض من التصفيق لأتباع القاعدة والصمت عن مجازر داعش في البداية، كان هدية مجزية للنظام الذي كان يحلم بتشويه الرؤية لدى الرأي العام العالمي بأن يخلط بين الطرف الثالث الارهابي وبين المعارضة والثورة، وبتحويل الانتباه عن جرائمه الى جرائم المتطرفين في سوريا، ولتصبح مقاومة الإرهاب القضية المركزية التي يريد للعالم أن يركز عليها، بينما يستمر في إبادة السوريين وتهجيرهم والتمهيد لكل مشاريع التقسيم والبيع للاحتلال الايراني في سوريا.
وبالرغم من أن جمهور الثورة يقف ضد تنظيم داعش الارهابي والذي يستهدف السوريين جميعاً وخاصة الثوار منهم، الا أننا نحتاج اليوم الى وعي كبير وتمييز حقيقي بين السواعد السورية التي تريد أن تحرر الوطن السوري من العصابة الإسدية الحاكمة، وتبني وطننا الذي نحلم به، وبين القوى الدخيلة على الحالة السورية وأقصد بها أجندة القاعدة والفكر التكفيري الذي بدأ بالامتداد في سوريا مستغلاً ألم السوريين وتوقهم للخلاص من الموت اليومي ويأسهم من موقف أكثر عدالة للمجتمع الدولي، ومن الفراغ الذي فشلت في مؤسسات المعارضة وهيئاتها المدنية في تعبأته.
نجتاج اليوم إلى أن تكون الثورة كما كانت في سنتها الأولى؛ الحضن الذي يتسع لكل السوريين من كل مشاربهم، والذين قرروا أن يكونوا مع الحلم السوري المحق بوطن حر كريم يعيش فيه السوريون بكرامتهم، ويتحقق لهم فيه العدالة وسيادة القانون والحرية، نحن بأمس الحاجة الى أن نعيد لثورتنا روحها الدافئة والحانية المسكونة بروح الحارات القديمة التي خبأتنا جميعاً واحتضنتنا دون أن نُسأل عن طائفتنا وتوجههنا
نحتاج الى مساحة من الصوت والصدى تشبه ذلك الهدير المرافق لأصواتنا الهادرة في شوراع الحرية الله سوريا حرية وبس، الشعب السوري ما بينذل، واحد واحدواحد…. الشعب السوري واحد