الشرق الاوسط اللندنية
الأحد الماضي أعدم تنظيم داعش في جرابلس السورية صبيًا في السادسة عشرة من العمر لأنه تغيب عن صلاة الجمعة الإجبارية. لم تدُم محاكمته أكثر من دقائق، ثم اقتيد إلى ساحة المدينة حيث قُطع رأسه أمام حشد تجمعوا ليشاهدوا الإعدام.
تزامن هذا مع تقارير وفيديوهات كثيرة جديدة تؤكد الميل المتكاثف للحركات الإسلامية المتشددة إلى تجنيد الأطفال، فقد بث «حزب تركستان الإسلامي» – مجموعة راديكالية من الأويغور الصينيين، تشكل جزءًا من الشبكة الدولية لتنظيم القاعدة – صورًا على وسائل الاتصال الاجتماعية تظهر أطفالاً من الأويغور يتم تدريبهم في مخيمات في سوريا. وكان هذا الحزب بث في سبتمبر (أيلول) الماضي فيديو يظهر ما يطلق عليهم «الجهاديون الصغار» وهم يتدربون على بنادق الكلاشنيكوف ويتابعون دروس الشريعة، وكان ذلك في إدلب.
«حزب تركستان الإسلامي» ليس الحليف الأجنبي الوحيد لـ«القاعدة» في سوريا الذي يجند الأطفال، هناك أيضًا «كتيبة الإمام البخاري» وهي مجموعة أوزبكية تدين بالولاء لـ«طالبان»، بثت فيديو من 18 دقيقة لعشرات من الأطفال يخضعون للتدريب على استعمال السلاح. هناك أيضًا «جنود الشام»، وهي مجموعة شيشانية يقودها «مسلم الشيشاني» الذي صنفته الولايات المتحدة إرهابيًا وعرف بإدارته لمخيمات تدريب عسكرية للأطفال.
أصبح الأطفال مجموعة أساسية مستهدفة للتجنيد من قبل الجماعات الإرهابية التي تلجأ بشكل متزايد إلى وسائل الاتصال الاجتماعية لعرض نتائج جهودها باستمالة الأطفال. فرع تنظيم داعش في أفغانستان وباكستان يجند في هذا الاتجاه، إذ بثت مجموعة «ولاية خراسان» فيديو بعنوان «أشبال معسكر الخلافة» يتدربون في مخيم في مقاطعة «نانغرهار». مثل هذه المخيمات تزدهر في سوريا والعراق.
وكانت دراسة أصدرتها جامعة ولاية فلوريدا الأسبوع الماضي بعنوان «مشاهد للأطفال والشباب في الدعاية لتنظيم داعش 2015 – 2016»، كشفت أن عدد الأطفال لدى «داعش» أكثر بكثير مما كان يعتقد، وأن الأمر يزداد سوءًا.
تبين الدراسة أنه في العام الماضي تمت الإشادة بما لا يقل عن 89 طفلاً «كونهم شهداء»، قتل 4 في المائة منهم في عمليات انتحارية، و18 في المائة بصفة «انغماسي»، وتعني أن الأطفال قاتلوا جنبًا إلى جنب مع الكبار في مهاجمة مواقع العدو بأسلحة خفيفة، وبعد ذلك فجروا أنفسهم بالأحزمة الناسفة.
تقول الدراسة إنه بخلاف كل الصراعات حيث يكون تجنيد الأطفال استراتيجية الملاذ الأخير، فإن أطفال «داعش» يقاتلون جنبًا إلى جنب مع البالغين.
إن تجنيد الأطفال لا يضمن فقط جيلاً جديدًا من المقاتلين للجماعات الإرهابية، بل إنه من الأسهل غسل أدمغة البسطاء من الناس. ثم إن هؤلاء الأطفال لا مرجعية سابقة لديهم سوى القتال كآيديولوجيا، وبالتالي تترسخ في أذهانهم ويكون من الصعوبة إزالتها في ما بعد.
وكانت القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني بثت فيلمًا وثائقيًا عن تدريب «داعش» للأطفال والصبية الصغار في 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2015، حيث يظهر أطفال في الثامنة يعبرون عن استعدادهم للموت، كما يظهر طفل لا يتجاوز الرابعة من العمر وهو يذبح دمية دب كتدريب له. ثم يردد «المتخرجون» منهم ولاء القسم لـ«داعش»: «يجب أن أصغي وأطيع حتى لو اضطررت إلى الموت».
تذكر الدراسة أن الأطفال الذين يخافون من القتال والموت يتعرضون للتعذيب والقتل. قطع «داعش» ذراع ورجل صبي في الرابعة عشرة من العمر بسكين جزار كتحذير للآخرين إذا ما رفضوا حمل السلاح.
يتعرض الأطفال لعملية منهجية من التلقين على يد مجموعة من المتشددين. عندما ينتهي تدريب «الأشبال» ينتشرون على مقربة من الخطوط الأمامية. يقاتلون ويحرسون، ويجندون غيرهم ويصنعون قنابل. لذلك، يعلق أحد واضعي الدراسة أنه إذا فكر العالم في إعادة تأهيل هؤلاء فيجب أن يفهم أولاً كيف تم إعدادهم لارتكاب مثل هذه الفظائع.
يأتي الأطفال إلى «داعش» من دول عدة: العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، تونس، نيجيريا، المملكة المتحدة، فرنسا، أستراليا. هم أطفال الأجانب الذين يشاركون في القتال، وأطفال السكان المحليين الداعمين لـ«داعش»، وأطفال يؤخذون قسرًا من الآباء والأمهات، أو وأطفال الهاربون الذين تطوعوا بأنفسهم، والأطفال الذين وجدهم «داعش» في دور الأيتام.
إضافة إلى استخدام المدارس لتدريبهم وجذبهم، يشد «داعش» الأطفال عبر ممارسات اجتماعية تدريجية من خلال تقديم الألعاب المجانية، والحلوى، ثم يكافئ «داعش» الأطفال بالسماح لهم بالتلويح بالراية السوداء.
في ساحات الإعدام، يتوق الأطفال الأبرياء لرؤية ما يحدث، فيتدافعون للوصول إلى الصفوف الأمامية، وعادة ما تكون ردود فعلهم عند قطع الرؤوس مزيجًا من الاشمئزاز والفضول. ويستمعون إلى السبب الذي أوصل إلى تلك العقوبة. لكن بسبب تكرار هذا المشهد، ولروتينية تلك الأحداث، تصبح عادية بنظر هؤلاء الأطفال وأنها عقوبة «داعش» للذين يرتكبون المخالفات، وهكذا يسهل على «داعش» تشجيع الأطفال للتجسس وللإبلاغ عن أفراد عائلاتهم أو جيرانهم الذين ينتهكون «شروط داعش» للحياة في ظله.
عندما احتل «داعش» الرقة، خطف 60 طفلاً كرديًا من إحدى المدارس، بعد أشهر طوال نجح بعضهم في الهرب، مما ساعد الأهالي على إنقاذ ما تبقى منهم. قال أحد الهاربين (12 عامًا) إنه كان يجري تدريبهم للهجوم الانتحاري بمن فيهم طفل في الخامسة، وإنهم كانوا يعانون من الجوع والرعب.
تقول الدراسة إن معظم الأطفال الذين قتلوا من قبل «داعش» العام الماضي كانوا من سكان المناطق الأصليين، أي من العراق وسوريا، وتعطي مثلاً «أبو عمارة العمري»، ابن 11 سنة، الذي قاد «شاحنة متفجرات» نحو مجموعة من الجنود السوريين، لكن اللافت كما جاء في دراسة جامعة ولاية فلوريدا أن عدد الأطفال الانتحاريين من بعض الدول الغربية الذين قتلوا كان أكثر من أطفال جاءوا مع أهاليهم من ليبيا، أو من دول خليجية، فغالبية الغربيين جاءوا مع أهاليهم من بريطانيا وأستراليا وفرنسا.
وإذا أضفنا قصص الصبيان الصغار إلى قصص البنات الصغيرات اللواتي يجبرن على الزواج، يتضح لنا المستقبل الذي يبنيه «داعش». قادة المستقبل هؤلاء عاشوا من دون طفولة بمعناها الحقيقي، بالنسبة إليهم، المعاناة والتعذيب والقتل واليأس هي سمات الحياة الطبيعية. لا فرح، لا أعياد، لا حضن أم أو أب، لا براءة، لا حنان، ولا دموع.
بعد سنوات قليلة سينجب هؤلاء، وسيعلمون أطفالهم ما تلقنوه. لا إنسانية ولا محبة. نماذج هؤلاء الأطفال ليست فقط في سوريا والعراق، فقد أقام «داعش» مخيمات تدريب لمثلهم في مالي، ونيجيريا، وليبيا، وأفغانستان، وباكستان.
الفيلم الوثائقي الذي بثته القناة البريطانية الرابعة ومتوفر على «يوتيوب»، يحكي أن عشرات الآلاف من الأطفال جندهم «داعش». وحسب الدراسة، فإن هؤلاء بالنسبة إلى «داعش» سيصبحون السلاح الأكثر فتكًا، ليس عما يفعلونه الآن، إنما على ما هم وعما سيكونون عليه: رجال آليّون.
في الدراسة، وفي بعض التقارير التي تبثها الأقنية، روايات مخيفة على لسان أطفال هربوا من «داعش»، كان آخرها ما بثه تلفزيون «بي بي سي» قبل أسابيع قليلة عن طفلين عراقيين، رويا الأساليب التي خضعا لها، والتعاليم التي زرعها «داعش» في عقولهما، لكنهما قاوما ونجحا.
الأولوية لكل التنظيمات الإرهابية ليس كيفية تدمير أعدائها، بل كيفية ضمان بقائها. «داعش» هو أكثر من تنظيم إرهابي تقليدي، إنه يتبنى ويعتمد على تخريج مجموعات من الجيل القادم.
يقول لي أحد الأطباء النفسيين الذين بدأت أجهزة مكافحة الإرهاب الغربية تلتمس مساعدتهم: «نحتاج إلى نشر قصص الأطفال الهاربين، فهؤلاء يملكون القدرة على تشجيع الأطفال الآخرين على الهرب، وأيضًا لديهم القدرة على ثني من يحوم حوله (داعش). فهؤلاء استرجعوا براءتهم، وقصص حياتهم تؤثر أكثر من قصص الكبار الذين يهربون».