هذا ماقالته الخريجة المعتقة

هل تريدون منّا ان نخرج الى الشوارع حاسرات الراس ؟.
هل تريدون ان نهل التراب على شعورنا وصدورنا؟ .
هل تريدون منّا ان نلطم حتى تنصاعوا الى ضمائركم؟.
قولوا بالضبط ماذا تريدون منّا.
تخرجنا من الجامعة وكلنا يقين اننا سنعيش حياة كريمة معززة مكرمة ونعّلم اولادنا وبناتنا كيف يقدسوا العلم والتحصيل.
ماذا سنقول لهم الان وهم يرون ابوهم او امهم وهي تنتظر الوظيفة منذ اكثر من سنتين.
اختار الشاب فتاة احلامه وهي قبلت به،وفي السنة الاخيرة في الجامعة حصل الاثنان على درجة امتياز،واهدى كل واحد منهما خاتم الخطوبة للآخر حيث بدأت الاحلام تتراقص امامهما وبدآ يخططان للمستقبل.
حددا اولا عدد الاطفال،ثم طريقة الادخار من اجل السفر الى بلدان لم يروها،ثم اكمال الدراسات العليا بعد الحصول على اجازة دراسية.
لم يعرفا ان هذه الاحلام اصطدمت بصخرة كبيرة اسمها الواقع وقيل ان ان اسمها قد تغير الى الزمن الاغبر.
فهاهما امضيا الان سنتين ضاعت بالانتظار ومراجعة دوائر الاختصاص.
ماذا حدث بعد ذلك؟.
انقلب وجه ذلك الشاب البشوش الذي تغزلت بابتسامته الخطيبة الى وجه عبوس قمطريرا،واصابتها هي نفسها العدوى فاصبحت تتحاشى نظراته حين يلتقيان،حيث كانت تعتقد ان مجرد تبادل النظرات سيخلق مشكلة عويصة،فالواحد منهما يتحين الفرصة ليفرغ ما بنفسه حتى ولو كان الى احب الناس اليه.
حين يجلسان معا يلفهما الصمت ولكنها تسمع ضحكته فجأة وهو يصيح:ميزانية انفجارية…ايباخ ..ابهى ،ابهى.
وترد عليه ضاحكة:انفجارية صحيح،اما تسمع صوت الانفجارات كل يوم؟.
يقول وكأنه يهمس لنفسه:لسنا وحدنا فهناك آلاف الخريجين حالهم مثل حالنا.
ويدندن بمقطع الى جبار عكّار:ياذيب لاتعوي حالك مثل حالي.
هو ترك التدخين مضطرا وهي لم تشتر المكياج منذ من بعيد.
هو لم يدعوها للنزهة على شواطىء دجلة وهي لم تجد رغبة في طبخ الاكلات التي يحبها.
وبات من العسير ان تجد الابتسامة مكانا على وجهيهما.
العبوس هو شعار المرحلة.
وذات يوم جاء اليها ورائحة الخمر تفوح منه.
قال لها:لقد قررت ان اقاتل عسى ان احصل على رزقي.
فصاحت وهي تبكي :اتريد ان تقتل اخوانك؟
قال:لا ابدا ،اريد ان اذهب الى حيث يريدون مقابل ان احصل على لقمة الخبز.
قالت: اين تريد الذهاب؟.
قال: لايهم اين ،المهم ان احصل على الدولار.
قالت: واذا مت؟.
قال: مو احسن من هاي العيشة.
قالت:انتظر لعلهم يفرجون عن الميزانية ويكتب الله لنا الفرج.
ضحك بصوت مجلجل وركض نحو الشارع العام بعد ان صاح:حتى ولو افرج عنها فانا لست احد اقرباء المسؤولين.
فاصل :ماعدا كلمات المقدمة فهذا هو نص الرسالة التي وصلتني نقلتها بامانة وانا ارتجف من الحزن.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.