بسم الله الرحمن الرحيم
هدية ثوار العشائر بمناسبة
ولادة حفيد المالكي
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
(السياسة الحمقاء باهظة الثمن، وغالبا ما يدفع ثمنها الشعب أولا والحكام ثانيا)
من المعروف إن العشائر العراقية الأصيلة لا تقف مكتوفة الأيادي أمام المناسبات الوطنية والإجتماعية للعراقين سواء كانت فرحا أو ترحا، فهي كما يذكر شيوخها وأعيانها في مجالسهم” علينا أن نؤدي الواجب”. والواجب يعني المشاركة المعنوية والمادية والوجدانية في تلك المناسبات. صحيح أحيانا يتأخر الواجب لأسباب طارئة، لكن المهم أن يؤدى ولو بعد حين. وفعلا فقد أدت بعض العشائر في سامراء الواجب بكل رحابة صدر في نفس يوم المناسبة، وبسبب بعد الموصل الحدباء عن العاصمة بغداد فقد تأخر تقديمهم الواجب يومين فقط، مع الإعتذار عن التأخير بسبب الإستحضارات المناسبة.
أما المناسبة فهي مناسبة عزيزة على المالكي شخصيا وعلى المأفونين من نواب البرلمان وجماهير مختار العصر. فقد إحتفت السيدة الزينبية الأولى أم إسراء، مختارة العصر بولادة حفيدتها الثقفية، وجاء في الإخبار:
أن تكلفة حفل عيد ميلاد حفيدة المالكي الكبرى رحاب، والذي أقيم في القصر الجمهوري، مساء الجمعة، بلغت مليون دولار فقط. وبحسب تقارير فإن تحضيرات الحفل استمرت أياماً عدة، برعاية السيدة مختارة العصر. وبالطبع لم يفوت أعضاء البرلمان والوزراء وبقية المسؤولين في حكومة الفساد والرذيلة هذه المناسبة العزيزة على قلوبهم السوداء وضمائرهم المفحمة! فقد جاءوا بحماياتهم التي تقدر بحوالي فرقة عسكرية، وهدايا يتناسب حجمها وثمنها مع حجم طموحاتهم الرسمية في الولاية الثالثة لمختار العصر. فقد ذكرت وسائل الإعلام بأنهم “جلبوا هدايا أذهلت الموجودين بحجمها وكيفية نقلها بواسطة أعداد من الحمايات الخاصة التابعة لهم”! بالطبع ليست عندهم مشكلة بشأن المال! إنه مال الشعب الفقير، ذوو الأصابع البنفسجية، الذي لا يجد حرجا في أن يتصرف به المسؤولين حسب أهوائهم! فثروته لا تعني له شيئا! المهم ممارسة اللطم والتطبير والزيارات، وأن تجري مراسيم عاشوراء على قدم ساق. أية حكومة في الكون ستكون محظوظة للغاية بوجود هكذا شعب. السياسيون في العراق أندر حالة في التأريخ الإقتصادي فهم التجار الوحيدون الذي يربحون ربحا فاحشا دون ان يكون لهم رأسمال في الوطن.
من البديهي ان البعض ممن يوالي مختار العصر وولايته الثلاثة إمتعض من المبلغ وليس من المناسبة بسبب شدة الولاء للمختار، مع أن هذا المبلغ الذي يعادل (1.2 مليار دينار عراقي) من شأنه ان يسد جوع مليون عراقي ممن يقتاتون على المزابل لوجبة واحدة على الأقل. أما غير الموالين لمختار العصر فقد إستنكروا الحفل المأفون لأنه تزامن مع موجات من العنف ضربت العديد من مناطق العاصمة وخلفت المئات من القتلى والجرحى، علاوة على المعارك العنيفة بين ثوار العشائر من جهة، وميليشيات وقوات المالكي من جهة أخرى في مدينة سامراء التي سقطت بإيدي ثوار العشائر، وإنهزمت قوات المالكي وسواته وصحواته وميليشياته كالفئران من الميدان، وعادت نصف القوات الى مواقعها القديمة ـ هرب النصف الآخر الى اللاعودة النهائية ـ بعد أن تيقنوا كل اليقين من إنسحاب ثوار العشائر من المدينة.
ليس من الشرف والغيرة عند الإنسان العادي أن يقيم فرحا ويبتهج، وعند جيرانه مأتم وعزاء! هكذا علمنا الدين الحنيف والتقاليد والعادات العشائرية الأصيلة، فما بالك برئيس حكومة يحتفل بمولود جديد والدم العراقي يراق على خارطة البلد كلها. لكن لا عجب فمختار العصر لا يختلف عن سلف الثقفي، كلاهما محب لمنظر الدماء والخراب والقتل والتعذيب ولا يبالِ بعدد قتلاه. فقد ذكر أحد النواب المحتفلين بقوله” الحفل تزامن مع المعارك الدائرة في كلّ من سامراء والتفجيرات التي ضربت نينوى وبابل وبغداد، وراح ضحيتها المئات من المواطنين ورجال الأمن”! تصوروا دماء الشعب لم تردعهم عن إقامة الحفل المليوني. فهنيئا لمن منح المالكي(95) مقعدا وألف عافية!
لقد أراد مختار العصر بحر من الدماء بينه وبين أهل السنة، وقد إستجاب الشيطان لدعواه حسب الإختصاص. بعد أن أطلق المالكي تهديده الدموي، قبله الشيطان من وجنتيه وقرت عينه بمنظره. لقد إنطلق المالكي من تهديده مزهوا بجيشه المليوني، ومليشياته المسعورة، وأشباه رجال الصحوات، وصفقات الأسلحة الفاسدة التي ركبوها برأسه أسياد اللعبة، وكان لأهازيج رؤساء العشائر في الجنوب والوسط وفتح باب التطوع في عشائرهم لقتال اخوانهم في المنطقة الغربية دورا كبيرا في إرتفاع مستوى الغرور عند المالكي، فصوره الجهلة والرعاع بـأنه مختار العصر رغم موقف المرجعية الشيعية منه! علاوة على أبواق الإعلام المأجور الذي ينفخ في كربة المالكي المثقوبة. والتأييد الأمريكي بدعم حكومته، مع إن الأمريكان أدرى من المالكي بمستنقع الأنبار الذي فتح صنبور دمائهم بكل قوته. لقد جربوا قوتهم في الأنبار وكانت التجربة مرة، لكن الأحمق لا يستفيد من أخطاء غيره وغالبا ما يقع بها. علاوة على نصائح نظام الملالي في إيران ودعمهم السري والمعلن في حربه على أهل السنة.
كتبنا وكتب الكثير من زملائتا الأفاضل بأن للصبر حدود، وقد بلغ السيل الزبى، وان التلاعب بدماء أهل السنة والتصفيات على الهوية، والإعتقالات العشوائية، والإعتدءات على المتظاهرين وقتل العديد منهم، والجرائم والإعدامات التي تقوم بها قوات سوات المجرمة وميليشيات عصائب أهل الحق وجيش المختار بحق أهل السنة، والإستفزازات بشتم رموزهم من الخلفاء الراشدين وأمهات المسلمين، والظلم الذي تمارسة السلطات القضائية ووشايات المخبر السري، والمادة/4 إرهاب المسخرة ضدهم فقط، علاوة على إغتصاب السجينات والسجناء والتعذيب والخطف الذي تقوم به القوات الحكومية وغيرها من السلبيات التي تم تشخيصها محليا ودوليا، سيكون لها ردٌ فعل مساوي في القوة ومعاكس في الإتجاه.
لكن الحمق والإستبداد والسير وراء جوقة من المستشارين الأمعيين وتفيذ أجندة ملالي إيران جعلت المالكي الضعيف الشخصية يظن نفسه بأنه فرعون عصره. كانت الحلول في بداية الأزمة سهلة وممكنة التنفيذ دون الحاجة الى سفك الدماء. لكنه أبى وإستكبر. لم يدرك بأن الحوادث الجسام مرهونة برجالها وزمانها ومكانها. سنة كاملة من التظاهرات تعامل معها بسخرية وتجاهل، ومطالبات شعبية مشروعة إعتبرها فقاعات. طلبوا منه العدالة فزاد في ظلمه، وطلبوا منه الإفراج عن المعتقلين فضاعف أعدادهم في السجون، طلبوا منهم وقف إغتصاب النساء في السجون من قبل المحققين والشرطة، ففسح لهم المجال بإغتصاب الرجال والشيوخ والأطفال. طلبوا منه إحالة المجرمين المسؤولين عن مجازر الحويجة واليوسفية والطارمية والاعظمية الى القضاء، فإذا به يكرمهم بمناصب أعلى. طلبوا منه تعطيل قانون المخبر السري فإذا به يصر على إبقاء القانون ويعين الآلاف من حزبه كمخبرين سريين.
لم يطالب أهل السنة بماء صالح للشرب ولا كهرباء ولا مواد البطاقة التموينية ولا تشغيل ابنائهم ولا بناء المدارس والمستشفيات وتوفير الخدمات، ولم يحاسبوا المالكي على فساد حكومته وتفاقم ظواهر الرشاوى والتزوير والصفقات الفاسدة وغيرها. كانت مطالبهم محدودة للغاية ولا تكلف الدولة سوى إصدار أوامر وإعادة نظر ببعض القوانين.
كان عقله المريض يصور له ضعفهم وعدم القدرة على المواجهة مع قواته المليونية وميليشياته الإرهابية، فخاب ظنه. مشكلة الحمق إن صاحبه يختلق لنفسه مئات الإعذار ليقنع نفسه بأنه على صواب.
لم تكن مطالبته البرلمان بالإجتماع بغية فرض حالة الطواريء مستغربة! فقد ذكرنا وذكر البعض هذا النهج منذ أشهر، بالرغم من إن حالة الطواريء أصلا معلنه ولا تحتاج إلى موافقة البرلمان، والبرلمان عاجز عن محاسبة الحكومة وهو يمشي ورائها بكل خنوع ومذلة، لا يجسر أحد من النواب ان ينبس ببنت شفة. بمعنى إن الموافقة مضمونة وإلا شًهر سيف ملفات الفساد ضدهم، سيما ان الحصانة البرلمانية سترفع عنهم في منتصف هذا الشهر وسيتحول بعدها الذئاب الى خراف في زريبة المالكي.
ربما صور له جوق المستشارين الأمعيين بأن فرض حالة الطواريء ستطيل بقائه في الكرسي وسيكون بعدها لكل مجلس حديث. وراح البعض يصور إنتصارات ثوار العشائر بأنها هي الدافع لإعلان حالىة الطواريء، أي خدموه من حيث لا يدركون. والحقيقة أن هذا إسفاف وقصر نظر! لأن إنتصارات العشائر ستخنقه وتضعف موقفه سيما إن الجيش يقدم خسائر هائلة في الأرواح والمعدات وهناك حالات هروب بالآلاف، فالجيش على وشك الإنهيار التام وهو جيش غير عقائدي ولا وطني ولا مهني بُني على أساس طائفي بحت وهو يخص المالكي وحزبه العميل وليس العراق. كما إن رجال العشائر الذين وضعوا عقلهم تحت مداس المالكي سيتخلون عنه بعد أن دفع أبنائها المغرر بهم دماء كثيرة وستتولد عليهم ضغوطا كبيرة من أهالي الضحايا، سيما أن ثوار العشائر في الأنبار طلبوا منهم مرارا وتكرارا أن يوقفوا إرسال أبنائهم إلى جهنم الأرض وجهنم السماء. ولكن المال والطائفية كانت تعميهم من النظر الى عواقب الأمور. كما إن هذه الإنتصارات المتلاحقة لثوار العشائر في الوقت الذي ترفع فيه من معنويات الثوار وتوسع من مساحة خارطة عملياتهم المسلحة، فإنها بالمقابل تضعف معنويات قطعانه المسلحة.
ولو إفترضنا جدلا بأن المالكي تمكن من إستعادة المناطق الساقطة بيد الثوار بعد أن يقص شريط مشروع دموي جديد، فأن الهوة بينه وبين الثوار توسعت بما لا ينفع معها أي ترقيع لاحق، وكلما إفرط في إستخدام القوة كلما كانت ردة الفعل المقابلة أقوى. إنها بداية النهاية وسيعاد فتح السجلات القديمة، فهناك ديون متراكمة على النواب والوزراء والمسؤولين والقادة الأمنيين ورؤساء العشائر وميليشيات عصائب أهل الحق وجيش المختار وقوات سوات بشكل خاص وأشباه رجال الصحوات، سيدفعونهم رغم أنوفهم مع فوائد عالية.
علي الكاش