نيلسون مانديلا / هل من دروس مُستفادة بعد الرثاء ؟
مقدمة :
إرادة الحياة من جهة , إضافةً الى إرادة السلام والتسامح من جهة اُخرى في ظنّي هما أقوى إرادتين سَكنت وجدانَ هذا الرجل !
الدليل على ذلك ,أنّهُ بعد خروجهِ سالماً من السجن .
(إستمر سجنهِ 27 عام وتنقّل بين ثلاثة سجون ,الأوّل في روبن آيلاند , والثاني سجن بولسمور ,والثالث سجن فيكتور فيرستر ) .
مع ذلك خرجّ وهو لا يحمل ضَغينة تُذكر على خصومهِ .
إنّما كانت روحهِ ممتلئة بتلك الرغبة العارمة بإصلاح شؤون بلادهِ ونهوضها ,عن طريق تصالح الفرقاء .
وهنا بالذات يكمن تميّزهِ الأهمّ !
***
ملاحظاتي عن الرجل
لقد رحل نيلسون مانديلا عن عالمنا يوم 5 ديسمبر 2013 عن عمر ناهزَ ال 95 عام . وبمناسبة رحيلهِ وكثرة ما كُتِبَ ويُكتب عن هذا الرجل مؤخراً , أوّد طرح ملاحظاتي التالية :
كلّنا نحترم نيلسون مانديلا .
كلّ العالم كتب عن قيمة هذا الزعيم الوطني والعالمي , وطريقته الفريدة في كسبِ الحُرية والمُساواة , بلا دماء ودون إنتقام .
حتى الإسلامويين قالوا عنهُ : للأسف لم ينطق بشهادة الإسلام , وإلاّ لتمنينا له الجنّة .
(هذا على إعتبار جنّتهم , خُصصّت للناطقين بالشهادتين فقط )
ما علينا بهذا الهُراء !
حسناً الآن …. لا أحد يَذكر الشخص ( أو النظام ) الذي سَمحَ لمانديلا بالإستمرار , وبالعمل السياسي من داخل محبسهِ .
ثمّ الخروج سالماً مُعافى من سجنهِ ( عام 1990 ) .
ثم دخولهِ ( عام 1994 ) ثمّة إنتخابات حرّة ديمقراطية نزيهه , في بلد يُمارس الفصل العنصري ( الأبرتهايد )
..Apartheid
ثمّ فوزهِ بتلك الإنتخابات , وتوّليهِ رئاسة البلاد .
فإن لم يكن ذلك عجيباً ,أليس نادر الحدوث في أضعف الاوصاف ؟
لقد كان هناك رجل آخر في الصورة , لكنّنا نسيناه !
أقصد بالطبع , الرئيس ( فريدريك ديكليرك ) الذي أفرج عن نيلسن مانديلا والذي تقاسمَ معهُ جائزة نوبل للسلام عام 1993
وحمداً لله أنّ لجنة نوبل لم تنساهُ يومها .
لكن لماذا لا يتذكر أحد اليوم , هذا الرجل و دوره الكبير المهم ؟
***
على كُلٍ مانديلا نفسه نجح كثيراً في حياتهِ , لكنّهُ أخفق أحياناً , كما في حالة إنهاء الإقطاع على الاراضي الزراعية , ومشكلة الأيدز التي تأخّر في محاربته لها حتى مات إبنه والعديد من أقرباءه بهذا المرض , بعدها أعترف أنّهُ تأخّر كثيراً .
وهذه بعض المعلومات المنوّعة عن مانديلا لا يعرفها الجمهور تقريباً .
مانديلا كان مولع بالملاكمة والركض لمسافات طويلة والرياضة عموماً .
(( روليهلاهلا مانديلا )) كان إسمهُ في التاسعة من عمرهِ قبلَ منحهِ الإسم الإنكليزي ( نيلسون ) من معلمهِ حسب العادة يومها لتسهيل نطقه من الأجانب .
كان نيلسون مانديلا ضمن قائمة مراقبة الإرهاب الأمريكية منذُ عهد رونالد ريغان حتى عام 2008 , عندما إنتفضت وزيرة الخارجية يومها كوندليزا رايس , فتمّ إلغاء ذلك .
وبالنسبة للمحاماة والقانون / فقد درس بصورة متقطعة لمدة 50 عام
وعندما تشارك في فتح أوّل مكتب محاماة للسود , كان يحمل شهادة الدبلوم فقط . لكن عام 1989 حصل على درجة الحقوق وهو داخل السجن . ( هل يعني هذا شيء لكم ؟ )
على كُلٍ , المتابع لأفكار مانديلا نفسه يفهم أنّهُ كان معجب بل مفتون ببريطانيا نظاماً سياسياً ديمقراطياً , وشعباً حُرّاً سانده كثيراً , وهو الذي منحهُ إسمه الأوّل (( نلسن )) الذي أحبّهُ كثيراً وإستعملهُ حتى موتهِ .
واليوم هناك تمثال كبير له وسط ساحة البرلمان / في لندن , مع أشهر صانعي التأريخ في العالم .
أفلا ينبغي شُكر مَن ساهمَ بظهور طريقة نيلسن مانديلا للوجود ؟
***
الخلاصة :
نيلسون مانديلا , سياسي لكن من طراز خاص .كانت لهُ كباقي البشر إبداعاتهِ وإخفاقاتهِ . وأبرز أسلحة نيلسن مانديلا ( الرجل والسياسي والمحامي ) كانت قدرتهِ المحترمة على إستخدام الكلمات وتطويعها لصالح قضيتهِ وشعبهِ .معناها كان مثقف مرموق إستفاد كثيراً ممّا قرأه .
إسمعوا ما يقول :
( حاربتُ ضدّ سيطرة البيض وضدّ سيطرة السود أيضاً. سعيتُ لمجتمع ديمقراطي حُرّ يعيش فيه الجميع بسلام بفرص متساوية . هذا هو المثال الذي أبحث عنهُ وأتمنّى ان أعيش من أجلهِ . وإذا ما إقتضت الضرورة .. فأنا على إستعداد للموت في سبيلهِ . )
ويقول :
( الحبسُ الإنفرادي كان أكثر شيء بغيض في السجن . لا بداية ولا نهاية لهُ .لا يبقى مُصاحباً للمرء فيه سوى عقله , وقد يبدأ هذا في خداعهِ . وأنا تسائلتُ في حبسي الإنفرادي / هل كان قراري صائباً ؟ وهل إستحق الامر تضحيتي ؟ ) .
ويقول :
( المرء يستطيع تحمّل ما لا يُطاق إذا حافظَ على معنوياتهِ ومعتقداتهِ الإنسانية , حتى معدتك ممكن أن تشعر بالشبع وهي خاوية ) .
وأخيراً يقول :
( قضيّة واحدة طالما أقلقتني في السجن , تلك هي صورة القديس التي نظر العالم الخارجي بها إليّ . لم أكن قديساً يوماً , حتى إستناداً للتعريف الدنيوي للقديس / بأنّهُ شخص مُذنب يُحاول التوبة ! )
***
وسؤالي الشخصي لمجتمعاتنا البائسة بمناسبة رحيل مانديلا :
ما قيمة كلّ كتابات تمجيد هذا الزعيم , إذا لم نستفد ( نحنُ الشعوب المتناحرة على الدوام ) من أفكارهِ وطريقتهِ في العمل السياسي والتفكير المسالم ,حتى مع خصومهِ ؟
في عام 2009 قرّرت الأمم المتحدة تسمية يوم مولدهِ ( 18 يوليو من كلّ عام ) بيوم مانديلا العالمي , يُخصص الناس حول العالم 67 دقيقة من ذلك اليوم لأجل العمل في خدمة عامة مفيدة في مجتمعهم .
ولماذا 67 دقيقة ؟
كلّ دقيقة ترمز لسنة من حياة مانديلا قضّاها في العمل السياسي .
فهل سوف نُفعّل هذهِ الفكرة , ولو على سبيل إحترام أنفسنا مثلاً ؟
أم سنكتفي بكلمات الرثاء , كما نفعل طيلة الحياة ؟
يقول نيتشه :
أنْ نُخلّص الماضي .
و أنْ نُحوّل كل ّ (( ذلك ما كان )) الى (( ذلك ما أردت ))
ذلك فقط هو ما اُسميّهِ خلاصاً !
*****
الرابط الأول / من أقوال نلسن مانديلا
http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2013/12/131206_mandela_in_own_words.shtml
الرابط الثاني / ست حقائق غير معروفة عنه
http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2013/12/130410_mandela_five_facts.shtml
تحياتي لكم
رعد الحافظ
7 ديسمبر 2013