كاتب ومفكر عراقي
نظرة سريعة الى الماضي القريب تكشف مستوى الفشل الذريع الذي صاحب نشاطات ممثلي الأمين العام للأمم المتحدة في العراق سيما في عهدي مارتن كوبلر وملادينوف التي تسلم عمله في بداية شهر آب عام 2013. في تقرير ميلادينوف الأخير لمجلس الأمن الدولي يوم17/2/2015 بمناسبة إنتهاء مهام عمله في العراق المحتل، ذكر بأنه ما يزال يشعر بالتفاءل الحذر! ولا نعرف من أين إستقى هذا التفاؤل الذي لا يؤمن به معظم العراقيين. ولا نفهم أيضا مغزى كلامه من أن ” القادة السياسيين وقادة المجتمع ورجال الدين العراقيبن اصطفوا جميعاً من أجل إنقاذ بلدهم من الإرهاب”! أي إصطفاف هذا وملادينوف نفسه سبق أن حذر مرارا وتكرارا من الصراعات الدموية بين الزعامات الدينية والزعمات السياسية فيما بينها! لو كان هناك إصطفاف حقا، فكيف نعلل كل هذه الفوضى الهدامة؟
بدلا من أن يتحدث الممثل الدولي عن ثمار عمله في العراق ومصير المئات من الملفات العالقة راح يسرد أحداثا تأريخية عن العراق لا علاقة لها بالوضع المأساوي الحالي، كأنه مؤرخا عراقيا سبر أغوار الماضي، مع إن ليس لتلك الأحداث صلة بعمله ولم يكن شاهدا حيا عليها. وإنما هي محاولة مفضوحة للتهرب من الحاضر عبر الركض إلى الخلف. وهناك عدد من الملاحظات التي وردت في كلمة ملادينوف البائسة:ـ
1. إنسجاما مع النظرة الأمريكية للوضع الحالي في العراق، ركز ملادينوف عن خطر تنظيم الدولة الإسلامية بإعتبارها الإرهاب الرئيس الذي يهدد العراق وشدد على” ان داعش يزداد قوة عندما يضعف العراق، وأن ضعف العراق يكون بتقسيمه سياسيا”. لاشك أن داعش تمثل خطرا كبيرا يهدد أمن العراق، لكن الوضع لا يتعلق بداعش فقط! فالإرهاب في العراق صاحب الغزو وقبل ولادة داعش في نيسان عام 2014. أن التركيز على داعش وترك بقية عناصر الإرهاب دون الإشارة أو التلميح لها، يعكس مطلبا أمريكيا نفذه ملادينوف عن طيب خاطر.
2. لا شك أن الميليشيات الشيعية تشكل الضفة الثانية للإرهاب الذي يعصف بالعراق، وقد تناسلت هذه الميليشيات في مفقس الولي الفقيه بطريقة خطيرة، حيث تجاوز عددها(42) ميليشيا. فقد كشف تقرير عسكري عراقي صدر في 28/1/2015 عن ارتفاع عدد أعضاء الميليشيات العراقية” مشيرا إلى نحو مائة ألف مقاتل، يتوزعون على 42 ميليشيا مسلّحة، 39 منها تتلقى دعماً مباشراً من إيران، والأخرى من قِبل الحكومة وشخصيات ومراجع دينية في البلاد”. وصرح مسؤول عسكري عراقي رفيع المستوى، إن “السلطة العليا في البلاد ممثلة برئيس الوزراء، باتت تتحاشى الاصطدام بها، وتتعامل معها كأنها دولة مستقلة أو حكومة ثانية داخل العرا”.. مضيفا بأنه” لا صلاحية لقائد المعسكر أو الضباط أمام إرادة قادة الميليشيات. وأن حكومة نوري المالكي السابقة، باركت وشرّعت ولادة 36 ميليشيا جديدة، لتكون مع تلك القديمة 42 ميليشيا بتعداد بلغ نحو 100 ألف مقاتل، جميعهم متطوعون بدوافع طائفية وليست وطنية. وتنتشر تلك الميليشيات في مناطق متفرقة من العراق، وتذوب في كثير من الأحيان مع قوات الجيش النظامي، وترتدي ملابسه وتستخدم أسلحته ومعداته العسكرية والعربات الخاصة به، ولم يبقَ شيء لم يدخلوه ويستخدموه باستثناء المروحيات التابعة لسلاح الجو لأنهم لا يجيدون قيادتها”.
من أبرز هذه الميليشيات عصائب أهل الحق، وسرايا طليعة الخراساني، وكتائب سيد الشهداء، وحركة حزب الله، النجباء، وكتائب حزب الله، وسرايا السلام، وفيلق الوعد الصادق، افيلق بدر، ولواء عمار بن ياسر، ولواء أسد الله الغالب، ولواء اليوم الموعود، وسرايا الزهراء، ولواء ذو الفقار، ولواء كفيل زينب، وسرايا أنصار العقيدة، ولواء المنتظر، وبدر المجاميع الخاصة، ولواء أبو الفضل العباس، وحركة الجهاد والبناء، وسرايا الدفاع الشعبي، وكتائب درع الشيعة، وحزب الله الثائرون، وكتائب التيار الرسالي، وسرايا عاشوراء، وكتائب مالك الاشتر، وحركة الابدال، وحركة العراق الاسلامية/ كتائب الامام علي، وجيش المختار، والحشد الشعبي، والحرس الثوري الإيراني”. مع وجود كل هذه الميليشيات، لم يتطرق ممثل الأمين العام إلى دورها الخطير الذي لا يقل خطرا عن داعش. ولا شك إن عدم تطرق ملادينوف لهذا الأمر وخطورته الحالية والمستقبلية على الأمن الوطني إنما يفقده الحيادية والنزاهة وشرف المسؤولية.
3. لم يشر الممثل الدولي في كلمته إلى موقف الحكومة العراقية من هذه الميليشيات ودعمها رغم إدعاءات حيدر العبادي بأنه يحاول أن ينزع أسلحتها ويقصرها على الجيش والشرطة، لكن الكلام شيء والفعل شيء آخر. فقد إعترف عدنان فيحان رئيس المكتب السياسي لميليشيا عصائب أهل حديث لقناة السومرية الفضائية ” أن وصول السلاح إلى يد مقاتلي العصائب يتم بشكل رسمي، وإن العصائب تقاتل إلى جانب القوات الأمنية، وأن السلاح الذي يأتينا يكون بشكل رسمي، أما المعدات الثقيلة فهي موجودة لدى الأجهزة الأمنية، واستخدامنا لتلك المعدات في المعارك يكون أما بالتعاون مع القوات الأمنية أو بصورة مباشرة بالتنسيق معها”. ويبدو ان نزع أسلحة الميليشيات يرتبط بموافقة الجنرال سليماني وليس حيدر العبادي.
4. لم يتحدث ملادينوف عن التأثير الإيراني في العراق ومشاركة فيلق القدس الإيراني في المعارك الحالية، وسيطرة الجنرال سليماني على كل مقدرات الحكومة العراقية. ويبدو أن ملادينوف ملتزم بالموقف الأمريكي تماما فالولايات المتحدة والقوات الإيرانية وحزب الله والميليشيات الشيعية يقاتلون جميعا في خندق واحد على عكس ما يعلن في وسائل الإعلام. فقد ذكر رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي في مؤتمر صحافي عقد في البنتاغون إن “الولايات المتحدة لاتجد ما يقلقها الآن من الوجود العسكري الايراني في العراق وأي شراكة للعراق مع ايران طالما انها لاتهدد القوات الأميركية أو البعثة الأميركية في العراق، وأن الولايات المتحدة تتابع النشاط الايراني في العراق بشكل دقيق”، مبيناً أن “ايران كانت مهتمة بالعراق وسعت منذ استرجاع العراق لسيادته عام 2004 للتأثير على مستقبله من خلال نفوذها”. وأوضح الجنرال ديمبسي ” أعتقد بأن النفوذ الايراني سيكون إيجابياً”.
5. هناك الكثير من الملفات العالقة التي يفترض أن يعرضها ممثل الأمين العام بشفافية وصدق أمام المجلس والرأي العام منها التخندق والإحتراب الطائفي، والفساد الحكومي، وتنامي ظاهرة الحشد الشعبي، والنهج الطائفي للحكومة، والأزمات الإقتصادية وأفلاس الخزينة، وإرتفاع نسبة الأمية وظاهرة البطالة والجنود الفضائيين والصفقات الفاسدة وحالات الإختطاف وتصفيىة رموز أهل السنة، وهيكلة الجيش والشرطة، وحالات التزوير والرشاوي والخطابات التحريضية، والأوضاع المربكة في كركوك، وفساد حكومة كردستان، والتهجير الداخلي الذي تجاوز المليونين بإعتراف وزارة المهجرين وغيرها من الملفات التي إلتزم ممثل الأمين العام الصمت حيالها بطريقة تثير الإستغراب!
6. قضية أشرف وليبرتي. لاشك ان هذه القضية الشائكة تعتبر من أهم القضايا ذات العلاقة بعمل ممثل الأمين العام في العراق علاوة على الوضع الداخلي الذي يرتبط بها بشكل أو آخر، بل يمكن الجزم بأن نجاحه في عمله يتعلق بمقدار النجاح الذي حققه في هذا الموضوع بطابعه الإنساني على أقل تقدير. وقضية ليبرتي رغم طابعها السياسي لكن الجانب الإنساني يغلب عليها. وقد تلاعب الممثل السابق كوبلر بالقضية وفقا لرغبتي الخامنئي والمالكي فشوهها بصورة بشعة وقبض الثمن جراء موقفه هذا على حساب شرف المهني ونزاهته ونزاهة الشرعية الدولية. وسار ميلادنوف على نفس الخطى وقبض الثمن أيضا.
قضية أشرف وليبرتي تتضمن العديد من الملفات العالقة، ومثلما سلمت إدارة البيت الأبيض العراق على طبق من ذهب الى ولاية الفقيه، فإنها في الوقت نفسه سلمت مصير اللاجئين الإيرانيين في أشرف على طبق من ذهب لحكومة جودي المالكي وهو من أخلص عبيد الخامنئي في العراق. فقد تعرض المخيمان الى عدوان مستمر خلال فترة حكم جودي المالكي بطريقة لم يشهدها وضع سابق في مخيمات اللاجئين في العالم علاوة على المداهمات المستمرة. مع إنتهاك صارخ لأتفاقية جنيف الخاصة بالحماية الدولية للاجئيين.
من أبرز الملفات العالقة تنفيذ الإتفاقية التي بموجبها نزعت إدارة الغزو الأمريكي السلاح عن عناصر المنظمة على أن تتولى حكومة جودي المالكي حماية وأمن المخيم واللاجئين. ومنها ملف تأمين مواد المعيشة الأساسية للاجئيين الذين يعانون من حصار ظالم، حيث يفتقرون الى الماء الصالح للشرب والكهرباء والوقود والخدمات الطبية والبلدية. ومنها ملف سرقة ممتلكات المخيم من قبل حكومة جودي المالكي وتتضمن السرقات مئات العجلات والشفلات والمكائن ومولدات كهرباء ومعامل صغيرة كانت تكفي اللاجئين بمنتجاتها. وقد سيطرت ميليشيا بدر على معظم ممتلكات المخيمين دون أن تحرك الحكومة ساكنا.
من الملفات العالقة نتائج التحقيق في الهجومات الصاروخية التي تعرض لها المخيمان من قبل ميليشيا معروفة بولائها لنظام الملالي. فقد اعترف زعيم جيش المختار واثق البطاط بالهجوم الغادر. علاوة على المداهمات والإنتهاكات المتكررة التي قامت بها ما تسمى بقوات حماية المخيم. علما ان الضباط والجنود التي قاموا بالإنتهاكات معروفين الهوية. ولكن يبدو أن الحكومة كفلت لهم الحصانة من القضاء. ومنها ملف إعدام (52) من الاجئين الإيرانيين، وفشل ممثل الأمين العام في التعرف على جثثهم والإطلاع على التقارير الطبية، بل فشل في معرفة مكان دفنهم! وحث حكومة المنطقة الخضراء على تسليم جثث الشهداء لذويهم.
ومن الملفات العالقة ملف المخطوفين السبع من اللاجئين الإيرانيين (بينهم 6 سيدات) خلال حكم جودي المالكي، ولم يبذل المبعوث الدولي أي جهد بهذا الصدد، ومازال مصير المخطوفين غامضا. كما فشل في تسليط الضوء على محنة الأشرفيين ونقل صورة حقيقية عن معاناتهم للرأي العام الدولي جراء تعسف حكومي المالكي والعبادي وإنصياعهم لسلطة ولاية الفقيه. بل عجز عن تحقيق زيارات ميدانية لما يسمى بسجن الحرية، وهذا من أبسط واجباته الوظيفية. ومن الملفات العالقة قيام فيلق بدر بتخريب مقبرة مرفاريد في اشرف وتدمير النصب التذكارية والرمزية والجدران وحتى شواهد القبور بواسطة شفلات. وقد إبتهجت وكالة أنباء فارس المحسوبة على قوات الحرس الايراني بنشر صور عن بعض القبور التي طال العبث بها في أشرف. لا حرمة للأموات والأحياء في شرع الإرهابيين والعملاء. وعلى الرغم من مناشدة مجلس المقاومة الايرانية الادارة الاميركية والأمين العام للأمم المتحدة والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق والمفوضين الساميين لحقوق الانسان واللاجئين التابعين للأمم المتحدة الى القيام بعمل عاجل للحيلولة دون تواصل هذه العملية اللا انسانية واللا اخلاقية، لكن لا صدى للمناشدة، ولم يتحرك ملادينوف خطوة واحدة في هذا الإتجاه!
هماك المئات من الملفات الأخرى المعروفة للجميع سبق أن تحدثنا وغيرنا عنها، المهم ما هي النتائج التي حقهها ملادينوف خلال عمله في العراق على صعيدي فشل العملية السياسية في العراق المحتل من جهة وقضية أشرف وليبرتي من جهة أخرى؟
النتيجة صفر بكل المقاييس المحلية والإقليمية والأممية.
يفترض بالأمين العام وممثله أن يوضحا لمجلس الأمن الدولي والرأي العام الدولي نتائج وثمار عمل المنظمة الدولية في العراق، وليس تقديم سيرة تأريخية عن النظام السابق لا تعني شيئا ولا تغني عن شيء.
نيكولاي ملادينوف الممثل الدولي الفاشل في العراق سيتولى مهام جديدة لسلفه الهولندي روبرت سيري، وسيشغل منصب مبعوث الأمين العام للجنة الرباعية حول الشرق الاوسط التي تضم الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة! نقول كان الله في عون الشرق الأوسط بتسلم ملادينوف ملفه! فالذي يفشل في مهمته في العراق فقط، هل سينجح في مهمة الشرق الأوسط؟ حدث العاقل بما لا يعقل! فإن صدق فلا عقل له.
علي الكاش