لست أدري ماذا عن جنابكم. لكن أنا شخصيا أشعر بارتياح وربما بنشوة: حدثان عالميان لا مثيل لهما. الأول، موافقة النظام السوري على تدمير مخزونه من أسلحة الكيماوي. والثاني، إعطاء نوبل للسلام إلى منظمة حظر تلك الأسلحة. انتصاران لإنسانية لا يبقى بعدهما سوى تفاصيل بسيطة تافهة لا أهمية لها. مثلا، ملايين السوريين اللاجئين في الخارج. مثلا، ملايين السوريين المهجرين في الداخل. مثلا ملايين المفقودين المعوزين والعاطلين عن العمل. مثلا عشرات آلاف المعتقلين والمخطوفين. مثلا، عشرات آلاف القتلى. مثلا، مصير سوريا كدولة ووطن. مثلا موقع سوريا «قلب العروبة النابض» في الصراع على عروبة الأمة، أو ما تبقى!
الأسرة الدولية مهرج غير خفيف الظل. تحولت عن مقتل مائة ألف بشري بالأسلحة «التقليدية» (دبابات، وطائرات، ومدافع، وسكاكين) لكي تبحث عن بطولتها في مقتل 1400 بشري. وراح أربابها يهنئون بعضهم البعض. وجون كيري هنأ الرئيس السوري ويتوقع أن يهنئه في الانتخابات المقبلة أيضا. وفلاديمير بوتين خرج بعضلاته يشرح أهمية دبلوماسيته في إبادة سلاح الإبادة الصامت، من أجل أن يعربد عاليا في تصدير سلاحه الصاخب (دبابات، وطائرات، ومدافع. أما السكاكين فصنع محلي مفتخر).
تقول أغنية أحبها، للفرنسي شارل أزنافور: «البؤس أقل أوجاعا في الشمس». فات الأسرة الدولية أن تهنئنا وتمنحنا جائزة على أن الشتاء فصل متأخر عندنا. هذا هو الكيماوي الذي بقي بلا حل. الملايين ممن هم مواطنون سابقون للنظام السوري، في المخيمات والوحل. وصبايا سوريا يبعن لمن يرغب في السوق القانونية. وهن لسن موضوعا في جنيف واحد أو اثنين لأن الأطفال لم يعودوا بندا منذ اللحظة التي توقف الكيماوي عن رشهم كالذباب، بالموت الصامت. لا بد من عودة هؤلاء قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية لكي يقترعوا للدكتور بشار الأسد، إلا إذا نظمت سوريا مكاتب اقتراع في المخيمات. وكما تكون مساهمة الأسرة الدولية باحتفالات جائزة نوبل، تكون مساهمة الأسرة العربية بجهاد المناكحة، وتأمين أزواج للقاصرات بمهور متهاودة. فأين المشكلة إذن؟!
يتحدث هذا العالم لغة واحدة بلهجات مختلفة. الدب الروسي بثقله، والفيل الأميركي بخفته، يستخدمان تعابير موحدة ويحتفلان بانتصار واحد بعد ثلاث سنوات من تشجيع الإبادة، إقداما كما في الدور الروسي، أو بلادة كما في الدور الأميركي. حتى بطانيات لا يعرضان. فكلاهما ينتظر «جنيف 2»، وكأنما كانت هناك أي قيمة لـ«جنيف 1»!
من عمل طويلا في هذه المهنة لا يفاجأ: عودتنا الأسرة الدولية على التصرف مثل شركات دفن الموتى، ولم تتردد مرة في إعطاء نوبل للسلام لهنري كيسنجر.
منقول عن الشرق الاوسط