الشرق الاوسط
أرسل أحمدي نجاد خطابا موجزا بسيطا إلى آية الله خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، لم يتجاوز الثلاثة أسطر، لكنه أثار على نحو ما جدلا مرة أخرى، حيث يتحدث الجميع هذه الأيام عن خطاب أحمدي نجاد. الرسالة الرئيسية التي يحملها الخطاب هي «لا» كبيرة لخامنئي. دعوني أروي بداية قصة غريبة. لقد أذاع أحمدي نجاد مقطعا تم تصويره سرا في إحدى جلسات البرلمان يوم الأحد الموافق 3 فبراير (شباط). وسمي ذلك اليوم بالأحد الأسود في إيران. لقد كان اجتماعا سريا بين فاضل لاريجاني ومرتضوي، لأن لاريجاني طلب من مرتضوي مبلغا كبيرا كرشوة. وكانت هذه نقطة تحول في المناخ السياسي الجديد بإيران، حتى إن رئيس البرلمان، علي لاريجاني، قال «اليوم الأحد الثالث من فبراير يوم مهم جدا».
يحتفل الإيرانيون في الثاني والعشرين من شهر «بهمن» (وفقا للتقويم الإيراني) من كل عام بذكرى الثورة. في ذلك اليوم يمكننا مشاهدة احتفالات قومية في إيران خاصة في طهران والمدن الكبرى. وتستغل الحكومة هذه المناسبة للتأكيد على شعبيتها أمام العالم حتى إنه ليقال إن هذه المناسبة بمثابة استفتاء يجدد الثقة في الحكومة (البيعة). عشية الاحتفالات، كان أحمدي نجاد يخطب أمام البرلمان دفاعا عن وزير العمل، عبد الرضا شيخ الإسلام، الذي يواجه اتهامات بتعيين القاضي مرتضوي، أحد أقوى حلفاء الرئيس أحمدي نجاد، في منصب رئيس إدارة الأمن الاجتماعي. وهاجم أعضاء البرلمان مرتضوي، القاضي السابق ومدعي عام طهران، بسبب تورطه في مقتل ثلاثة متظاهرين على الأقل خلال الاحتجاجات التي اندلعت عقب الانتخابات الرئاسية عام 2009، والتي فاز خلالها أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية. ويقال إن منهم زهرة كاظمي، المصورة الفوتوغرافية والصحافية الإيرانية – الكندية المستقلة التي تم إلقاء القبض عليها وقتلها على أيدي مسؤولين إيرانيين بعد اعتقالها في يوليو (تموز) عام 2003. بإيجاز، يعد مرتضوي رمزا للرقابة وإغلاق الصحف في إيران. وعندما كنت وزيرا للثقافة أغلق أكثر من ثلاثين صحيفة في يوم واحد، وقال آية الله خامنئي إنه ينبغي علينا تقبيل يد هذا القاضي الشاب وشكره. ويطلق عليه الصحافيون الإيرانيون لقب «سفاح الصحافة». وفي جلسة البرلمان المثيرة للجدل المذكورة آنفا، أذاع أحمدي نجاد تسجيلا تم تسجيله بكاميرا مخبأة في مكتب مرتضوي. ويعرض التسجيل اجتماعا بين فاضل لاريجاني، شقيق علي لاريجاني، ومرتضوي. وتبين أن التسجيل فضيحة كبرى لعائلة لاريجاني، وكل هذا حدث في وقت حرج ودقيق للغاية.
قال أحمدي نجاد «هذا تسجيل واضح بالصوت والصورة. إذا لم يكن لدى رئيس البرلمان الموقر مانع، يمكننا تقديم التسجيلات التي تتراوح مدتها بين 24 و25 ساعة». وتم تشغيل بضع دقائق من التسجيل الذي يسمع بالكاد، بينما يستمع ملايين الإيرانيين إلى جلسة برلمان غير عادية مباشرة على الإذاعة الإيرانية التابعة للدولة. ورد لاريجاني قائلا «من الجيد أنك أظهرت هذا حتى يعلم الناس حقيقتك».
بعد هذا الحدث، قال سكوت لوكاس، رئيس تحرير صحيفة «إي إيه وورلد فيو» إنه يعتقد أن أحمدي نجاد قد «انتهى» فعليا. وأوضح أن أحمدي نجاد كان حقا يبعث برسالة إلى أعدائه في الداخل مفادها «أتريدون أن تتخلصوا مني؟.. أنا أود أن أموت إذن». وكانت رسالة أحمدي نجاد موجهة إلى المحافظين والحرس الثوري، حيث أراد من خلالها أن يقول لهم بشكل غير مباشر «إذا أردتم أن تجعلوا اللعبة بصيغة لا غالب ولا مغلوب من دوني، سأحولها إلى لعبة نكون فيها جميعا خاسرين». إن ما فعله أحمدي نجاد كان بمثابة انتحار سياسي له تأويلان.
من الواضح أن أحمدي نجاد يواجه الكثير من المشاكل مع البرلمان والقضاء، وهما مؤسستان على رأسهما الأخوان صادق وعلي لاريجاني. ويعد إذاعة تسجيل سري بمثابة إصابة عصفورين بحجر واحد. لقد استخدم أحمدي نجاد فاضل لاريجاني كحجر لقتل رئيس البرلمان، ورئيس السلطة القضائية.
كانت خطة أحمدي نجاد معقدة جدا، فقد أراد أن يوضح أن السبب الرئيسي وراء تناقض وعدوانية طريقة تعامل الحكومة مع البرلمان والسلطة القضائية هو فسادهما، وأنه يضطلع بدور روبن هود، الذي يحارب الفساد، لهذا هم يعادونه.
أراد أحمدي نجاد منذ بضعة أشهر زيارة علي أكبر جافان فكر، مستشاره الإعلامي والرئيس السابق لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، والمعتقل منذ سبتمبر (أيلول) بعد صدور حكم ضده بالحبس ستة أشهر بسبب إهانة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية. ويعد القبض على جافان فكر وإدانته خطوة هدفها تقويض سلطة الرئيس. وما زاد الطين بلة بيان مؤسسة القضاء الذي جاء فيه أنه قيل لأحمدي نجاد إن زيارته ستكون «غير مناسبة» وستشتت الاهتمام بعيدا عن مشكلات إيران الاقتصادية.
استند تبرير السلطة القضائية إلى مقولة خامنئي، نظرا لأنه أكد مرارا وتكرارا على أن الساسة وصناع القرار قاطبة يجب أن يركزوا على الوحدة وأن يعوا خطر مؤامرات العدو المشترك.
ومؤخرا، للمرة الأولى، من خلال انتقاد أحمدي نجاد بمفردات قوية جدا، رسم خامنئي خطا فاصلا بينه وبين الرئيس. قال خامنئي «رئيس إحدى الإدارات الحكومية وجه اتهاما غير مؤكد ضد الإدارتين الحكوميتين الأخريين، وهو إجراء غير ملائم وبمثابة انتهاك لحقوق الإنسان الجوهرية. كان ذلك ضد الشريعة والأخلاقيات وإجراء غير شرعي».
بعث الأخوان لاريجاني بخطابات إلى خامنئي يعتذران فيها عما حدث، ويؤكدان فيها على إذعانهما التام للمرشد الأعلى. وعلى الجانب الآخر، رفض أحمدي نجاد الاعتذار أو إظهار طاعته للقائد في خطابه.
ويرى أحمدي نجاد أن استمرار الهجوم دائما ما يكون الاستراتيجية المثلى، وهذا النزاع من المؤكد أنه سيستمر حتى اليوم الذي يغادر فيه منصبه.
إن خامنئي لا يمكنه ببساطة إقالته قبيل التصويت في يونيو (حزيران) نظرا لأنه أيد عملية إعادة انتخاب أحمدي نجاد المثيرة للجدل قبل أربعة أعوام باعتبارها حكما إلهيا.
كان آية الله خامنئي مثل ساحر فاشل في كل هذا، حول أولا الحبل إلى ثعبان، لكنه الآن لا يستطيع أن يحيل الثعبان مجددا إلى حبل. والآن، يتعقبه الثعبان، مخططا لابتلاع الساحر الفاشل.