يقول نيتشة : “الأفعى التي تعجز عن تغيير جلدها تهلك، كذلك العقول التي تعجز عن تغيير آرائها … تتوقف عن أن تكون عقولاً ” .
الأفعى في أسابيعها الأولى تُبدل جلدها عدة مرات لإنها تنمو ولا ينمو جلدها معها !، فتتخلص منه بخلعه وتغييرهِ، وهي سيرورة البقاء للأصلح والأذكى !.
تبديل نمط الحياة نحو الأحسن والأنضج والأكثر تحضراً في مواكبة الزمن والمتغيرات هو حياة بحد ذاته، ومحاولة التعافي من سلوكيات ونمط حياة سابقة وخاطئة هو مؤشر نضج صحي وأنفتاح وإنعتاق من القديم البالي، والتغيير هو واحد من صفات الإنسان الناضج النشيط والذكي، أما أن نبقى متقوقعين داخل أصدافنا القديمة اللزجة فهو الموت البطيء !.
*************
إحدى الإعلاميات العراقيات الناشطات في واحدة من الولايات الأمريكية، ترسل بين الأونة والأخرى بعض الزوار القادمين لزيارة أميركا -وغالبيتهم من العراقيين ومن مختلف الإتجاهات والثقافات والمستويات-، تُرسلهم إلى ولايتنا مشيكان، حين تتعلق أعمالهم أو امورهم وإهتماماتهم بولايتنا، وهي عادةً ترسلهم ليرعاهم -من كل النواحي- الصديق المعروف ( عادل بقال ) ويكون دليلاً ومرافقاً لهم لإنه يُعتبر من الوجوه الطيبة المحترمة المعروفة في جاليتنا العراقية المسيحية الكلدانية هنا، ومعروفٌ عنه جداً حسن ضيافته للزوار والوافدين للولاية .
قبل بضعة سنوات أرسَلَت له بنت عراقية شابة وهي من سكنة احدى الولايات الأمريكية، وكانت لا زالت طالبة في الجامعة، والحق هي من عائلة عريقة ومعروفة جداً في بغداد أيام زمان، وكل افراد عائلتها من المثقفين والخريجين. وأوصته بها خيراً وطلبت منه أن يساعدها كصديق ودليل حيث مهمة تلك الفتاة كانت دراسة وافية عن الجالية العراقية والعربية المسلمة في منطقة (ديربورن \ مشيكان) والتي تعتبر أكبر تجمع سُكاني للمسلمين العراقيين واللبنانيين وبعض العرب الأخرين في كل امريكا، وهم يُمثلون ربما 90 ٪ من سكان منطقة ديربورن هذه .
كانت هذه البنت العراقية -ولنرمز لها بإسم زينب- تقوم بذلك البحث لإن الجامعة التي تدرس فيها في ولايتها كانت قد طلبت منها القيام به أثناء فترة العطلة الصيفية، أما موضوع البحث فكان: ( هل الجالية المسلمة العراقية والعربية مندمجة مع المجتمع الأمريكي أم هم منفصلين وأنعزاليين، وما هي الأسباب !!؟) .
حيث كانت الجامعة تحاول درس الموضوع عن كثب ومحاولة إيجاد حلول جذرية لمعالجة هذه المشكلة المزمنة والتي هي واقع حال متخلف لكل الجاليات العربية والمسلمة في الغرب !!.
وصلت زينب وهي فوق سن العشرين ببضعة سنوات وإستقبلها صديقنا عادل بقال أحسن أستقبال، وكانت ضيفة على عائلة مسيحية من أصدقاء أهلها يوم كانوا في العراق، وكان عادل قد قرر أن يعرفها بعدة وجوه ثقافية معروفة في جاليتنا قبل أن يأخذها لزيارة منطقة ديربورن، وكنتُ أنا شخصياً أول هؤلاء القلة الذين في قائمة الصديق عادل بقال .
إستقبلناهم بكل ترحاب ومحبة أنا وزوجتي التي عملت لنا فطور رائع وجلسنا بعده نشرب الشاي والقهوة ونتجاذب اطراف الحديث.
طلبت مِنا زينب أن نحكي لها ملاحظاتنا عن الجالية العراقية والعربية المسلمة في ولايتنا مشيكان .
قلنا لها وبكل صراحة وشفافية وصدق ما نعرفه عن الجالية المسلمة هنا، ولم نحاول أن نجامل على حساب الحقيقة وخاصةً لإن زينب كانت في سبيل تحضبر تحقيق وبحث صادق ونزيه ودقيق لتقديمه الى الجامعة التي تدرس فيها، والبحوث من هذا النوع من المفروض أن تحوي على مصداقية بدرجة 100٪ ولا تهتم بتجميل القبيح أو مجاملة الآخرين لإن ذلك يُعتبر تظليلاً للحقيقة .
وحتماً كانت ملاحظاتنا عن الجالية العربية سلبية وليست إيجابية لإننا كنا نقول ما نعتقد ونعتقد ما نقول !. لكن زينب في نهاية كلامنا وملاحظاتنا راحت تبكي بحرقة وكأننا “شتمنا العنب الأسود” كما يقول المثل !!.
حاولنا -وبمساعدة زوجتي- التخفيف عنها وتطيييب خاطرها وإفهامها بأننا أنما نذكر لها الحقيقة لإنها طلبتها مِنا ليس إلا، ولسنا منطلقين من خلال الحقد أو الكراهية أو الحسد أو الضغينة أو العنصرية أو أو أو.
لكنها كانت (زعلانة) وربما كانت مُحبطة لتصورها المسبق ان الجالية المسلمة هنا هم مجموعة ملائكة كما يراهم المؤمن أو المواطن المسلم العاطفي من خلال بعض لافتات الإسلام التجميلية التي تقول دائماً ما لا تعني!.
قلنا لها أن غالبية المسلمين هنا متقوقعين على انفسهم ويعيش غالبيتهم في منطقة جغرافية شبه مغلقة ويحاولون خلق نفس الأجواء الإجتماعية والدينية والحياتية وحتى النفسية التي هربوا منها في اوطانهم الأم !، ولا زالوا يرفضون الإنفتاح على المجتمع الأمريكي، وإن هم إحتكوا بالأمريكان أحياناً فبسبب الضرورة والعمل وكسب العيش ليس إلا وكما تقول الحكمة: (الضرورات تُبيح المحضورات)، وبعضهم يرفض حتى تعلم اللغة الإنكليزية، ولا تزال غالبيتهم ترفض الأكل في مطاعم المسيحيين العرب والكلدان أوالمطاعم الأمريكية !، ربما لإن طعام الآخرين نجس وغير (حلال) برأيهم حتى رغم أن الكثير منهم يمارسُ كل أنواع (الحرام) ليلاً ونهاراً !!.
والكثير منهم لا زالوا يأكلون بأصابعهم ويرفضون أن يجلسوا في بيوتهم على الكراسي والأرائك ربما لإنها بدعة وظلالة كما يقول لهم دينهم !، بل يجلسون على الأرض كما كانوا يفعلون في بيوتهم وأوطانهم التي لفضتهم ورمت بهم هنا !.
كذلك وحين يتزوجون من أمريكية يُجبرونها على ترك دينها الأصلي لا بل يُجبرونها حتى على التحجب والصوم والصلاة وتحمل ضرب وإهانة الزوج (سي السيد) المهيمن الجبار القادر المُذل وربما “المميت” والمشابه لصفات رب المسلمين وأسمائه الحسنى !!.
قلنا لزينب بأن غالبية سكان منطقة ديربورن هم من الشيعة وإن هناك شبه قطيعة إجتماعية وجغرافية بينهم وبين العراقيين والعرب السنة !!،لا والأدهى من كل ذلك أن الشيعة اللبنانيين -وهم الغالبية في منطقة ديربورن- يكرهون ويستنكفون من الشيعة العراقيين ويعتبرونهم غير حضاريين أو متمدنين قياساً إلى اللبنانيين!. فكيف سيكون هؤلاء المسلمين متلائمين ومتمازجين ومختلطين بمجتمعات الأمريكان المسيحيين “الكفار” وهم عاجزين حتى عن الإختلاط ببعضهم البعض !!؟.
وللعلم فلا زال بعضهم يُقيمون الحسينيات ويلطمون ويكفخون ويُمارسون التطبير وبعض المضحكات الدينية الأخرى حتى هنا في امريكا، لا بل أن بعضهم من الأغنياء جداً والحاصلين على شهادات الدكتوراه لا زالوا يُقيمون تلك الشعائر السادية الجاهلة في بيوتهم الفخمة الغالية الواقعة على ارقى سواحل بحيرات مشيكان !. كذلك لا زال أغلبهم يعلقون صورة الخميني في واجهة صالات غرف الأستقبال في بيوتهم !.
كل ذلك يُذكرني بحكمة يابانية تقول: (( أن الضفادع في البركة لا تعلم ُ ما هو الأوقيانوس العظيم، لِذا فهي تُقرر خططها في الأوقيانوس كما إعتادت أن تقررها في البركة )) !!. كذلك هم معظم المسلمين الشرقيين القادمين لأوقيانوس الغرب العظيم !!.
حكينا لزينب عن يوم ذهبنا عادل بقال وأنا قبل سنوات لحضور ومشاهدة مسرحية لبنانية في منطقة ديربورن، وحين تم عزف موسيقى السلام الجمهوري الأمريكي داخل القاعة وقبل بدء المسرحية، لم يقف على قدميه إحتراماً غيرنا وبضعة مسلمين أقل من عدد اصابع اليد الواحدة !!، وهل كل ذلك بحاجة لشرح وتوضيح عن علاقة هؤلاء الناس -ناكري الجميل- بالبلد الذي أحتواهم وأواهم وأشبعهم وإحترمهم وحفظ كراماتهم وأعطاهم الهوية الإنسانية التي حُرموا منها في أوطانهم المشوهة !!؟.
كذلك حكينا لها ما حدث من إحتفالات وتبادل تهاني وبوسات في شوارع ديربورن وعلانيةً بين المسلمين يوم ( سبتمبر 11 )!، وكيف كان المسلمين العرب يرقصون في الشوارع هناك!!. ولن أعلق على ذلك خوفاً وحرصاً على خزين الفاضي البذيئة من أن اسفحها على من لا يستحق حتى الشتيمة !!.
حكيتُ لزينب عن مشهد واحد فقط عن مدى لا تحضر البعض -كمثال- لا زال عالقاً في ذهني يرفض النسيان، يوم كنت أتسوق من واحدة من محلات الخضار في ديربورن، وكانت هناك إمرأة عراقية تلبس العباءة العراقية السوداء الفضفاضة وتقف مع الآخرين ومنهم بضعة امريكان ينتظرون الباص العمومي، وبعد دقائق طلع من داخل عبائتها طفل صغير قامت معه بالإبتعاد عن موقعها الأول عدة خطوات!، وظهر جلياً أن الطفل كان قد تغوط (خرى) على ارضية الموقف وهو متستر تحت عباءة الوالدة المحترمة !.
زينب لم تبكي في بيتي حزناً وندماً وتأسفاً على فوضى قومها المسلمين، بل بكت لإننا فضحنا ممارساتهم وبكل صراحة وصدق، تلك الممارسات التي ستجعلهم غير متمازجين مع المجتمع الأمريكي أو أي مجتمع حضاري آخر حتى وإن طار الفيل !، كما بالضبط يستحيل تمازج الزيت والماء في بودقة واحدة !.
قال لي صديقي عادل بقال فيما بعد : لا افهم الغرض من هجرة المسلمين لو كانوا حقاً تواقين لماضيهم وحياتهم ومجتمعاتهم الشرقية القديمة !؟، وهل سيقومون في الغرب ببناء دولة داخل الدولة أو مجتمع داخل المجتمع !؟.
الحق .. لا ازال لحد اللحظة تواقاً لمعرفة ماذا كتبت الطالبة زينب في بحثها الذي قدمته للجامعة التي تدرس فيها !؟، وهل كان البحث يحمل أي مصداقية عن مدى إستحالة تمازج المسلمين مع المجتمع الغربي!؟، أم أن زينب ملأته بالأكاذيب والإفتراءات والتستر على ممارسات قومها كما هو الحال مع غالبية المسلمين الذين كتبوا عن ممارسات ناسهم وقومهم وأبناء دينهم .. وأصروا على وهم أنهم من نسلِ أفضل أُمةٍ اُخرجت للناس ! .
المسلمين يفدون للبلاد الغربية ولا يتفاعلون أو يذوبون مع الأكثرية الغربية كما يفعل المهاجر الغربي الألماني أو الروسي أو الياباني أو حتى المسيحي والصابئي واليهودي الشرقي مثلاً، ولا بأس بكل ذلك فحتى نحنُ المسيحيين لم نندمج بالمجتمع الأمريكي بنسب عالية، لكنها حتماً أفضل بكثير جداً جداً من نسب المسلمين، ولكن الخطأ كل الخطأ حين يُحاول المهاجر المسلم جاهداً ومستميتاً أن يقوم بتغيير المجتمع الغربي بدلاً من الإنصهار فيه، وهذا أعجب العجب !!، متناسين أنه حتى نبيهم كان قد قال لهم : (( لا يُغير الله ما بقومٍ إن لم يُغيروا ما بأنفسهم )) .. لكنهم يرفضون التغيير!، ربما لإن الإسلام بُنِي َعلى ثوابت مغلوطة وثابتة كونكريتية لا تقبل االتغيير ابداً !، وبرأيي أن تفليق الذرة أسهل من تغيير ثوابت الإسلام المشوشة الهلامية والتي يناقض بعضها البعض (حمال اوجه)، والتي ترفض التعايش السلمي مع كل شعوب وأمم ومجتمعات الأرض قاطبةً .
إبتسمتُ بكل أسف وسخرية حين أعلمني صديقي عادل بقال فيما بعد بأن زينب على علاقة حب مع شاب امريكي مسيحي وأنها تنوي أن تتزوجه!!. ورحتُ أفكر لنفسي من أنها حتماً ستجبره على أن يصبح مسلماً كي يستحقها ويتزوجها!!، وهذا مثال بسيط عن ممارسات المسلمين المغلوطة في أنهم يحاولون تغيير كل العالم حولهم لكنهم يرفضون أن يُغيروا أنفسهم أو ما بأنفسهم !. وحتماً سيأتي يوم ستجني على نفسها براقش الإسلام !!.
يقول توماس فولر: (( تغيير السرير أو الأغطية لا يُشفي الحمى )). لِذا أتعجب من هجرة المسلم المؤمن بنصوص الإسلام القوقعية !؟.
المجدُ للأفعى التي تغير جلدها حين الضرورة !.
طلعت ميشو . Sep – 16 – 2018