الدراما المصرية هذا العام شىء يفرح بجد، عرس درامى وحفل زفاف إبداعى جميل وطاقة نور ونافذة بهجة تتم مراسمها وطقوسها الملونة الجميلة على كل الشاشات العربية، تستطيع أن تقول وبكل اطمئنان إن لديك عدداً كبيراً من المسلسلات التى تستحق التقدير والفرجة والمتابعة والتى يظهر فيها الجهد والوسوسة الفنية والرغبة فى تجاوز السائد، هناك طبعاً بعض الكوارث الفنية مثل ليالى الحلمية 6، لكن الأغلب الأعم متميز ومتفرد، بالطبع سيأتى المجال لاستعراض وقراءة أهم تلك الأعمال عندما يمر وقت مناسب وعدد كافٍ من الحلقات يكفى للتقييم، لكن أهم ما يستوقفنى اليوم هو هذا العدد الرهيب من الممثلين والممثلات المبدعين والمبدعات إلى درجة أن التقييم الرمضانى لأفضل ممثل وممثلة سينضم إلى قائمة مستحيلات الغول والعنقاء والخل الوفى، الممثل المصرى هو بئر النفط الذى لم ندرك أهميته بعد، مغارة على بابا التى لم نفتح بابها بعد ولم نعرف كلمتها السرية بعد وما زلنا على بابها نعانى من الخرس لا نريد نطق «افتح يا سمسم»، إنهم بالفعل كنز الياقوت والمرجان الذى نذبحه كل يوم بسكين النميمة المغموس فى سم الصحف صفراء الروح والكاميرات عمياء القلب، لا بد من أن ننتبه إلى أن فن الدراما المصرى هو قوتنا الناعمة الحقيقية التى نستطيع بها استعادة الريادة العربية، أتابع الآن ماراثون التمثيل وأهتف قائلاً كل هذا الإبداع يعنى أن نواة مصر الصلبة الثقافية ما زالت بخير، لكنها تحتاج فقط إلى مجرد الانتباه والاهتمام، الماراثون التمثيلى فيه شباب المهنة وشيوخها فى تنافس شريف، يحيى الفخرانى وذكاء الأداء وفطنة الاختيار وإثبات أن العين هى نافذة الممثل الحقيقية ويالها من عين فخرانية مغناطيسية، يسرا استردت البوصلة وقدمت دور شر تستحق عليه الأوسكار، رادار يسرا التمثيلى يلتقط كل الإشارات وجميع الانفعالات بنفس الدقة، جهاز إرسال واستقبال تمثيلى رائع هاند ميد يتحدى التقليد، عمرو يوسف ممثل شاب يحفر طريقه بدأب وإصرار وهدوء وثقة وأتوقع خلال سنوات قليلة أن يقتحم قمة النجومية فهو يمتلك كل شروطها، محمد ممدوح «تايسون» فى دور مركب يثير الشجن بدون صراخ، الطيبة بدون عبط أو افتعال لكنه فقط يحتاج إلى بعض التدريبات فى نطق مخارج الحروف، أتوقع لتايسون المنافسة على لقب أفضل ممثل رمضانى، منى زكى تعزف فى أوركسترا المسلسل المدهش الأسطورى أفراح القبة الذى سنفرد له حديثاً فيما بعد، منى زكى تتحدى دور البنت المثالية النموذجية المعقمة وتقتحم أحراش تمثيلية أخرى فى دور مركب إنسانى أوتاره مشدودة طوال الوقت، هالة صدقى وطلة مدهشة لدور مختلف جديد عليها، أم مصرية، هى ليست الرائعة أمينة رزق أو فردوس محمد ولكنها ليست أقل بل هى مختلفة، إنها الأم الحائرة العنيدة والمكسورة فى نفس الوقت، كيف تلتقط هالة صدقى هذا الكوكتيل بضبطة موجة لاسلكى واحدة، هذا هو التحدى الذى تواجهه وتتغلب عليه هالة صدقى.
هذه مجرد عينة، وأسماء كثيرة سيأتى ذكرها فى حينها عندما نقرأ معاً مسلسلات رمضان، لكن فعلاً يجب علينا هذا العام أن نفخر بمكانة الدراما المصرية، بشبابها المتمرد وبحكمائها وأيقوناتها الذين يزدادون مع الزمن ألقاً ويكتسبون طعماً ومذاقاً وكأنهم العطر المركز الذى زادته السنون شذى ونفاذاً وجمالاً.
*نقلاً عن “الوطن” المصرية