عندما قرأت المقال الذي كتبه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن سياسة الولايات المتحدة في سوريا، تخيلت الرئيس الروسي وهو يجلس على لوحة المفاتيح ويرتدي عباءة وردية جميلة.
ولعلكم تذكرون أنه عندما جرى نشر لوحة ساخرة لبوتين الشهر الماضي في سان بطرسبرغ، قامت الشرطة بمصادرة العمل الفني المخالف وإغلاق المعرض.
وفر الفنان الذي رسم هذه اللوحة ويدعى كونستانتين ألتونين من البلاد ويسعى الآن للحصول على حق اللجوء في فرنسا، في محاولة لتجنب مصير أعضاء «بوسي ريوت» اللاتي ألقي القبض عليهن وحكم عليهن بالسجن عدة سنوات بسبب قيامهن بأداء عرض مناهض لبوتين في كاتدرائية بالعاصمة الروسية موسكو.
ولذا، فلا يوجد شخص على وجه الكرة الأرضية يمكنه أن يأخذ على محمل الجد ما قاله بوتين وهو يعطي درسا لـ«الشعب الأميركي وقيادته السياسية» من موقع التفوق الأخلاقي! وبالنسبة للوضع السوري، لم يكن بمقدور النظام الفاسد والمجرم للديكتاتور الأسد أن يستمر في السلطة أسبوعا واحدا لولا الدعم العسكري الذي يتلقاه بسخاء من روسيا، وهو ما يعني تلطخ يدي بوتين بدماء عشرات الآلاف من المدنيين.
إن المقال الذي كتبه بوتين في «نيويورك تايمز» يثير سؤالا مثيرا للاهتمام: هل الرئيس أوباما، الذي يبحث بكل دأب وصبر عن حلول متعددة الأطراف، يتبنى الآن فكرة الاستثنائية الأميركية؟ وكتب بوتين يقول: «من الخطورة بمكان أن تشجع الناس على النظر لأنفسهم على أنهم استثنائيون، مهما كان الحافز» (ومرة أخرى لا يمكنني تجنب تلك الصورة الاستثنائية لبوتين وهو يرتدي العباءة). وعلاوة على ذلك، تفاجأت أيضا بآخر فقرة في خطاب أوباما والتي يقول فيها: «أميركا ليست شرطي العالم. يشهد العالم أشياء مريعة، ولا يمكننا أن نقوِّم كل الأخطاء، ولكن عندما يمكننا – بقليل من الجهد والمخاطرة – أن نوقف مقتل الأطفال بالغاز وأن نجعل أطفالنا يعيشون في آمان أكبر على المدى الطويل، أعتقد أنه يجب علينا التحرك، وهذا هو ما يجعل الولايات المتحدة دولة مختلفة عن الآخرين، وهذا هو ما يجعلنا استثنائيين. دعونا لا نغفل هذه الحقيقة الأساسية وأن نعمل بتواضع من أجل الوصول إلى حل».
وإذا كان هذا يبدو وكأنه تغيير كبير في نظرة أوباما للعالم، فيجب علينا أن نضع في اعتبارنا طريقة تفكير اليمينيين – وليس فقط ما يقوله وما يفعله أوباما. ويقول منتقدو أوباما إنه يعتقد أن الولايات المتحدة دولة عادية، ليست أفضل أو أسوأ من البلدان الأخرى، وبالتالي فهو يسعى للتنازل عن أي دور قيادي لبلاده في العالم. ولكن من أين أتى هؤلاء النقاد بهذه الفكرة؟ ربما من مخيلتهم المريضة على الأرجح!
وربما كان الدليل القاطع هو ما قاله أوباما عام 2009 ردا على سؤال خلال رحلة خارجية، حيث قال: «أنا أومن بالاستثنائية الأميركية، تماما كما أشك في إيمان البريطانيين بالاستثنائية البريطانية وإيمان اليونانيين بالاستثنائية اليونانية». ورأى النقاد أن هذه التصريحات تظهر أن أوباما يرى الولايات المتحدة مثل بريطانيا ما بعد الإمبراطورية واليونان بعد الإفلاس.
ولكن لو قرأنا باقي الفقرة التي قالها أوباما، لعرفنا أنه كان يقول بوضوح إن معظم شعوب العالم لديها كبرياء وطنية – ولكن الولايات المتحدة، من وجهة نظره، هي دولة استثنائية وفريدة من نوعها. نعم، بوتين، يمكنك أن تصف ذلك بأنه «استثنائية أميركية».
* خدمة «واشنطن بوست»
منقول عن الشرق الاوسط