حاولت النأي بنفسي عن الخوض في الأزمة السورية.. لأنني وصلت إلى حائط مسدود.. لست من أنصار النظام الأسدي الذي يستأسد على شعبه.. لست من أنصار أي ديكتاتور ومتسلط وخارج عن القانون.. وهي الصفات التي أضحت ملازمة للرئيس الأسدي.. ولكنني أيضا لست من أنصار أي حرب مهما كانت دوافعها وأسبابها.. لست من أنصار أي شكل من أشكال التدخل في سيادية أي شعب وقراراته.. ولكل هذه الأسباب سعدت بالمبادرة الروسية – الألمانية لإيجاد مخرج للأزمة.. نعم قلبي ينفطر حين رؤية أطفال سوريا في المخيمات.. قلبي ينفطر بمجرد التفكير بكيف سيقضون شتائهم تحت العراء وفي المخيمات.. ولكن السؤال المهم هل كانت الضربة العسكرية الأميركية ستعيدهم إلى مدنهم وقراهم سالمين؟؟ هل كانت ستعطيهم الفرصة في حياة جديده آمنه.. هل ستعطيهم الفرصة في مستقبل جديد.. الفرصة في العودة إلى مقاعد دراساتهم في مدارس هدمها النظام.. ولكن وفي ظل إحتمال قوي في أن تهدم الجماعات الإسلامية فكرة التعليم من أساسها… وخاصة للفتيات.
قد تكون هذه المبادرة أعطت النظام فرصة مراوغة جديدة.. ولكن وفي ظل التوجه الإيراني الجديد في محاولة التواصل مع العالم.. وبدء صفحة جديدة.. التي تمثلت في تقديم وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف التهاني للدولة الإسرائيلية لبدء السنة اليهودية الجديدة… وهو مؤشر لا يمكن التغاضي عنه.. خاصة وأن إيران لم تكن طرفا في هذه المبادرة.. بل توجهت جهودها مؤخرا نحو محاولتين..
الأولى في التأكيد الذي صدر من بغداد بأن ‘البلدان المتحضرة رفعت خيارات القوة عن الطاولة قبل 65 عاما عندما رفضت في ميثاق الام المتحدة اللجوء اليها باعتبارها ممارسة غير قانونية’.
الثانية رفع الحصار عليها والذي لا يتضرر منه الأئمة أو النظام الإيراني.. بل المتضرر الأكبر هو الشعب..وقد تكون تهنئة الدولة الإسرائيلية طريق العبور..
ومن المؤكد بأن هذا التوجه أحد أهم الأسباب التي دعت النظام الأسدي إلى قبول المبادرة وبدون تردد…
نعم جو الحرب على سوريا سمم كل الأجواء.. العربية وأيضا الغربية.. لأنها وضعت جميع الأطراف في مواجهة مرآة تجبرهم على إعادة النظر في كل قراراتهم الأخلاقية السابقة واللاحقة.. سواء الغرب ام الدول العربية!
الضربة الأميركية ضد النظام كانت ستكون ضربة تجميلية’ ‘محددة الاهداف’ و’ضيقة’.
– ولكنها أيضا تستبعد انقلابا شاملا في موازين القوى… ولن تعمل في اتجاه إسقاط نظام الرئيس بشار الاسد. بينما المبادرة تطرح خروج الأسد الكامل من السلطة خلال 8 أشهر.. بمعنى التخلص الأبدي منه.. وتخليص السوريين من حكم عائلة جثمت على صدورهم 42 سنه!
– الضربة الأميركية بالقطع كانت ستعود بالفائدة على المعارضة السورية المسلحة بكل فصائلها رغم تشتتها، ولكنها لن تؤدي إلى خلق ظروف أفضل سواء للتخلص من النظام الأسدي…أو للتنسيق بين فصائلها التي فاقت في عددها أل 12 كتيبة تحمل إسم لواء الجيش الحر بينما تتعارض كليا في أهدافها بالنسبة لمستقبل سوريا.. دولة دينية أم دولة مدنية؟؟؟
– الضربة الأميركيه تستهدف تدمير قدرة بشار الاسد الكيميائية وتقليص قدرته على استخدام الصواريخ البالستية والطيران الحربي’. المبادرة تفرض على النظام الأسدي وضع جميع أسلحته الكيماوية تحت الرقابة والسيطرة الدولية لحين نقلها إلى مكان آمن وإتلافها فيما بعد..
التقارير رجحت أن الضربة الأميركية كانت ستشمل مواقع تصنيع تخزين الاسلحة الكيميائية، ترى ماذا كانت ستكون نتائج هذا التدمير وإشعاعاته على الإنسان السوري؟
· في ظل كل هذه الفرضيات.. أقصى ما راعني تصريح المستشار السياسي والاعلامي للجيش السوري الحر لؤي مقداد “” يؤكد استحالة ان تستفيد الكتائب الجهادية من اي ضربة محتملة. ويقول لوكالة فرانس برس ‘لا يمكن للمجموعات الجهادية ان تستفيد على الاطلاق من اي ضربة امريكية… ومراقبة للوضع على الارض تؤكد ذلك’.ويضيف ‘الدولة الاسلامية او جبهة النصرة لا تفتحان اي جبهة مع النظام. هل رايتم مقاتلا من الدولة الاسلامية في القصير او في تلكلخ (حمص)؟ او في دمشق؟. مقاتلوهم يتمركزون في المناطق المحررة، مثلا في حلب وريف ادلب والرقة… ولا يشاركون في القتال على الجبهات الحامية’.””
بمعنى قدرة هذه المنظمات على التمركز في المناطق المحررة.. وقيامهم بعملية علاقات عامة علىى أعلى المستويات بتقديمهم خدمات للسكان.. وهو ما قرأته في إحدى الصحف.. بمعنى تجهيز الأرضية لنجاحهم في أي إنتخابات جديدة.. تماما كما فعل الإخوان في مصر!
ما يخيفني الآن.. مدى قدرة هذه الجماعات. مجموعتا جبهة النصرة والدولة الاسلامية في العراق والشام المرتبطتان فعليا بتنظيم القاعدة على المشاركة السياسية فيما بعد رحيل النظام.. وهل تستطيع المعارضة الحقيقية على التوافق مع مبادىء واهداف كلا التنظيمين والتي تتعارض كليا مع فكرة التعايش الطائفي.. وحقوق الأقليات بما فيهم المرأة.. ومن سيكون الرابح الحقيقي هنا؟؟؟ هل سيكون النظام الأسدي الذي سينجو من أي عقوبات دولية.. هل سيكون الإنسان السوري الذي تحرر من الأسد.. ولكنه ’يقيد من قبل أي دولة دينية في حال نجاحهم؟؟؟ أم وكما في نهايات القصص السعيدة سيتولى الجيش الحر قيادة سوريا نحو مستقبل مشرق.. وإعادة إعمار البنية التحتية لمشاريع تلتهم الأيدي العاملة وتعيد بناء الإنسان السوري نفسيا وإجتماعيا.
وفي المقابل إذا كانت الإدارة الأميركية لا تريد أن تكون طرفا في النزاع بعد قص أجنحة النظام… أما آن الأوان لها أن تفهم أن لجوءها للقوة العسكرية لا يزيد التنظيمات المتطرفة إلا تطرفا وتشددا وتكرها لكل الغرب.. أما آن الأوان لها أن تفهم بأن الديمقراطية لا ’تفرض بل يجب إقناع الشعوب بعدالتها وبأنها في مصلحتهم.. وهو ما لن يتم طالما هناك إزدواجية في التعامل مع ملفات الأزمات الشرق أوسطية بدءا بالقضية الفلسطينية.. والحصارات الإقتصادية.. الوصول إلى قلوب الشعوب لا يمكن بدون العبور من بوابة العدالة للجميع لضمان الأمن للجميع…
منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية
المصدر إيلاف