أنعزل في غرفة من غرف البيت لأستمع إلى الأغاني أو أكتب أو أقرأ. بين الحين والآخر يطل شريكي برأسه من فتحة الباب ثم ينصرف. بعد فترة يتجرأ على السؤال مباشرة أو يرسل رسالة على الهاتف”هل أنت بخير؟”. قد يمضي يوم أو يومان على هذه الحالة. أحيانا أبكي وتنتفخ عيناي، أو أتمدد في بانيو الحمام لساعات مغيبة وشاردة، ومرات أخرج للتنزه في بارك عمومي، أو أجلس في السيارة أستمع إلى موسيقى شبابية صاخبة.
في الأثناء تبدأ الاستفسارات والشكوك تأخذ طريقها إلى رأس من هم حولي: ماذا بها؟ هل تعاني من مشكلة؟ هل هي مريضة؟ هل نتركها أم نسعى لإخراجها؟
قليلون جدا يدركون هذه الحالة عند المرأة ويحسنون التعامل معها، مع أنها تتكرر تقريبا بشكل دوري وتتشابه لدى نساء كثيرات.
أخبرتني صديقة أنها بمجرد أن تدخل هذه الدائرة تنتاب الشكوك زوجها ويبدأ في مراقبتها والتضييق عليها، معتقدا أنها حالة حب، إذ ما الذي يجعل امرأة تنعزل في غرفة لتستمع إلى الأغاني وتبكي غير الحب؟
نعم، جميعنا لدينا عشيق سري اسمه هرمونات ما بعد الأربعين. عشيق مقتدر، متسلط، يأخذنا من أبنائنا وأزواجنا وعملنا وحياتنا. يقلب أيامنا ويجرجرنا وراءه بلا هوادة. لئيم مراوغ يلوعنا ويلوي أذرعنا ليأخذ ما يريده بالقوة أو باللين. نقاومه في البدء ثم نستسلم له طائعين.
رغم التقدم الذي أحرزه الرجل في علاقته بالمرأة، ورغم البحوث الطبية والنفسية التي عرفت الرجل بمشاكل المرأة وتقلباتها، إلا أن بعض الرجال، وربما أغلبهم، لا يزالون يجدون صعوبة في تفهم “الحالة” التي تنتاب المرأة فوق سن الأربعين.
وحتى في الدول المتقدمة، التي استطاعت في وقت مبكر أن تشخص الحالة، وتقدم لها الحلول، وتبسطها للرجل وتقربها من فهمه، رغم كل هذه المجهودات المبكرة جدا، لا يزال الرجال يجهلون كيفية التعامل مع هرمونات المرأة، ففي هولندا وحدها، أثبتت دراسة عن المركز الوطني للإحصاء أن نسبة الطلاق بين الأزواج تزيد بمستوى الضعف بعد ولادة طفل لهما، وأن واحدا من كل أربعة أزواج يتعرض لمشاكل عويصة قد تصل إلى الطلاق قبل مضي 3 سنوات على ولادة طفل للعائلة. السبب في ذلك هو تقلب هرمونات المرأة بعد الولادة، وعدم تفهم الرجل لهذه التقلبات.
وبذلت الجهات المختصة كل جهودها لمعالجة سوء فهم الرجل لهرمونات المرأة، وصلت حد إشراكه في حصص الكشف خلال الحمل، ودروس التوعية، وحضوره عملية الولادة، والحصص التوعوية اللاحقة لها، دون فائدة. لماذا يتجاهل الرجل حقيقة اسمها هرمونات المرأة؟ فيفسر سلوكها يمينا ويسارا بدل الاعتراف لها بوجود، لنقل، ظرف نفسي عابر تمر به؟ لماذا لا يتحملها، ويستوعب تقلباتها ويمنحها المساحة والتفهم اللازمين؟
أخبرتني صديقتي أنها في إحدى المرات ضاقت ذرعا بغباء زوجها، وإصراره على تفسير حالتها وفق شكوكه وأوهامه، فانفجرت في وجهه قائلة “حسنا، ليكن إذن، نعم لدي عشيق سري، هل تحب أن تتعرف عليه؟”.
لا نطلب الكثير، فقط القليل من التفهم، القليل من الصبر، القليل من المحبة التي تجعل الواحد يتحمل ظرف الآخر ويسهل عليه المحنة، فهناك ألف طريقة للكراهية، وطريقة واحدة للحب، هي استيعاب وتقبل الآخر.
*نقلاً عن صحيفة “العرب”