نظرية المؤامرة أفيون الشعوب

محمد آل الشيخ

عنوان هذا المقال عبارة سبق أن قالها مفكرٌ مغربي في حديثه عن هوس العرب والمسلمين بنظرية المؤامرة، واعتبارها سبباً لتخلفهم الحضاري، وهي في رأيه قديمة وليست حديثة، فكل الذين يؤمنون -مثلاً- بالحسد والعين، وتلبس الجن بالإنسان، أو أن هناك أرواحاً شريرة تتحكم في مجرى الأحداث في العالم، هم -أيضاً- يؤمنون بشكل أو بآخر بنظرية المؤامرة التي لا يملك الإنسان التحكم فيها. غير أنني فوجئت عندما قرأت أن 79 % من الفرنسيين يؤمنون أيضاً بنظرية المؤامرة، وأن ثمة (حكومة) غير مرئية تتحكم بكل ما يجري اليوم في العالم.

وفي تقديري أن الفرنسيين، بل والفرانكوفونيين عموماً، يشعرون أنهم في موضع (المهزوم) مقابل (الثقافة الأنكلوسكسونية) المتفوقة التي تتزعمها الولايات المتحدة، ولتبرير هزيمتهم الحضارية، أو قل فشلهم الحضاري، لجؤوا إلى ما لجأت إليه الشعوب المهزومة الأخرى، ففسروا تفوق الآخر عليهم حضارياً بأنه الأقدر على التآمر في الغرف الكالحة السواد، حيث يتم التخطيط ومن ثم التنفيذ لهذه المؤامرة التي جعلت الأنجلوسكسون يتفوقون عليهم حضارياً.

وأنا ممن يؤمنون أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الإيمان بنظرية المؤامرة والتفكير غير المنطقي وغير العقلاني، وهذا الارتباط لم ينشأ حديثا، وإنما منذ أن خلق الله الإنسان على هذا الكوكب.. فالعرب على سبيل المثال كانوا في الغالب يفسرون ما يصابون به من فشل أو من أمراض أو أوبئة، بأنه عائد إلى من ضربهم بعين، ويضيفون (عين ما صلت على النبي)؛ وهذا تفسير بسيط وساذج للفشل في معرفة الأسباب والدوافع، وفي الوقت ذاته تبرئة الـ(أنا) من المسؤولية.. بينما أن لكل فشل، أي فشل كان، وفي أي شأن من شئون الحياة، أسباباً منطقية أدت إليه. والملاحظ أنك إذا طلبت منهم الدليل، أخفقوا في تقديمه، وقديماً قال المنطقيون: (إن غياب الدليل أو الشاهد هو أقوى الأدلة على فساد النتيجة).. وأنا من واقع رصدي للذين يؤمنون بنظرية المؤامرة، أو ما يسمونه أحياناً (سوء الطالع)، أنهم في الغالب غير منطقيين، وذوو عقليات كسولة، ويجدون في رد أسباب فشلهم إلى نظرية المؤامرة، لأنهم لا يريدون أن يبحثوا عن الأسباب والدوافع، فيلجؤون إلى تعليق الأسباب على أن الآخر يخاف منهم ومن تفوقهم أو منا فستهم، فتآمر عليهم.

وغالباً ما يوظف السياسيون نظرية المؤامرة في تبرير إخفاقاتهم وفشلهم.. فالرئيس التركي أردوغان -مثلاً- جعلها السبب في فشل سياساته الاقتصادية، والتي أدت إلى تدهور سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار، فقد أصر أن تدهور الليرة كان نتيجة لمؤامرة (صليبية)، ولم تكن نتيجة منطقية لتخبطاته السياسية والاقتصادية؛ ولعل أردوغان لجأ إلى هذا التسبيب لأنه كسياسي براغماتي لا يريد الاعتراف بالفشل، وقد ردد حجته هذه كثير من المتأسلمين، ونشروها بين البسطاء والسذج، الأمر الذي جعل أردوغان ينجو من المحاسبة، التي قد تكلفه طرده ومعه حزبه المتحكم بمقاليد السلطة في تركيا.

وأنا هنا لا أنفي أن ثمة خططاً يعتمدها المخططون الإستراتيجيون على المدى القريب وكذلك المتوسط والبعيد، جعلتهم يحرزون قدراً كبيراً من التفوق، وغالباً ما يكون هذا التفوق، يستثمر في جزء منه فشل الآخرين، غير أن هذا التخطيط وبذل الأسباب لا يعتبر (مؤامرة) بقدر ما يكون سوء تخطيط وتخبط من قبل الآخر المناوئ.

كل ما أريد أن أقوله هنا، إن ليس كل فشل خلفه مؤامرة، وليس كل نجاح سببه مؤامرة، ولكن الثابت ثبوتاً لا خلاف عليه، أن التفوق في أي شأن من شئون الحياة، يكون خلفه تخطيط عقلاني سليم، واستغلال أمثل للموارد والفرص المتاحة، وأن أغلب من يلجؤون إلى المؤامرة، هم في الغالب يتهربون من الاعتراف بحقيقة فشلهم.

*نقلاً عن صحيفة “الخليج”

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.