القاء الضوء علي الانتخابات العراقية الجديدة 1-2
عبدالرحمن مهابادي*
العراق، مع غالبية الشيعة (مقابل السنة) وفي نفس الوقت، مع الغالبية العربية (مقابل الأكراد) كان دائما ذا خصائص خاصة، حيث تسببت في أن يكون البلد مشهدا لمواجهات مضرة في المنطقة في القرن الماضي.
مع إقامة النظام الديكتاتوري في إيران عام 1979، كان هذا البلد هو الهدف الأول لتوسع سلطة الخميني. أدت تهديدات آية الله الخميني ضد الحكومة العراقية إلى حرب دامت ثماني سنوات خلفت أكثر من مليون قتيل.
إن قبول قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598 من قبل الخميني وتجرع كأس السم لوقف إطلاق النار (بسبب مخاوف من الإطاحة الوشيكة للنظام على يد جيش التحرير الوطني الإيراني) لم يتمكن أبداً من أن يؤدي إلى السلام بين البلدين. لأن، بعد توقيع هذه الاتفاقية، تابع الخميني ومن خلفه أهدافهم الخاصة في التوسع.
كان سقوط حكومة صدام حسين عقب غزو قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة للعراق فرصة ذهبية للملالي ليحتلوا العراق بتقربهم صوريا من التحالف. الأمر المؤسف الذي حدث في العراق، والذي تسبب في مواجهة العراق مصيرا مؤلما حيث نراه الآن.
بسبب الاستراتيجية والسياسة الخاطئة الدولية، تلقى الملالي، العراق على طبق من الذهب، مما جعل العراق ساحة لصولاتهم وجولاتهم ليعملوا ضد السنّة والأكراد والأقليات الأخرى، والأهم من ذلك ، جيش التحرير الوطني الإيراني (ذراع المعارضة الإيرانية المسلحة القوية) تم تجريده من السلاح من قبل قوات التحالف وفرض عليه حصار ومجازر من قبل عملاء النظام الإيراني الذين احتلوا بسرعة مناصب رئيسية في البلاد! إلى أن نجحت المقاومة الإيرانية ضمن حملة دولية، في مغادرة العراق منتصرة وكثفت أنشطتها داخل إيران، وفعلت حركة مقاضاة المتورطين في مجزرة عام 1988 ، مما أفشل هندسة الملالي للانتخابات قبل عامين، ثم جاءت مرحلة تنظيم انتفاضة الشعب الإيراني وتحقيق سلسلة من الانتصارات الدولية لصالح الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية.
وبهذه الطريقة، احتل النظام الإيراني العراق، وحل خطر الحشد الشعبي الذي يسيطر عليه النظام الإيراني محل خطر داعش. وأصبحت الأقلية السنية في أضعف نقطة وأكراد العراق تم قمعهم بشدة من قبل النظام الإيراني على أراضيهم. وهكذا «العراق المغدور» أصبح الآن مصابا بـ «فيروس ولاية الفقيه». هذا هو المشهد الحقيقي للعراق اليوم.
هناك الكثير من الأسباب في تحديد سبب تعرض العراق لمثل هذا المصير، ولكن ربما يمكن وضع الاصابع على عدم وجود حركة ثورية وديمقراطية وعالمية على مدى العقود الماضية في هذا البلد. حركة لا تكون عاجزة عن فهم الشروط القاهرة على بلدها بشكل صحيح والدور التدميري للنظام الإيراني في مصير شعبها وتقف ضد الآطماع التوسعية لهذا النظام وهوية الملالي المناهضة للاانسانية.
وبموازاة إهمال قوات التحالف أو أخطائها، فإن النظام الإيراني، بعد أن أنفق قدراً كبيراً من المال والاعتماد على الأصولية والتطرف، ومن خلال المراوغة وسياسة الخداع ، استطاع بناء ركائزه الاستراتيجية الخاصة (!) داخل الأراضي العراقية، والآن أنشأ قوة مثل «الحشد الشعبي» وفرضها على المجتمع العراقي وهو أخطر من داعش حسب العراقيين. سبق وأن تمكن النظام الإيراني من تطبيق هذا السيناريو على الأرض اللبنانية وفرض قوة إرهابية وخطيرة مثل حزب الله في المنطقة.
حقيقة أن النظام الإيراني ذو مهارات عالية في التأثير والتطرف في البلدان ذات الديموغرافية الدينية أمر لا يمكن انكاره. الملالي وبجانب سفارتهم وقنصلياتهم في مناطق مختلفة من العراق، بعد ما جعلوه بلدا مدمرا وذبحوا شعبه ، توغلوا فيه من خلال الاستثمار الاقتصادي والتبادل التجاري، وخاصة مشاريع مثل تشييد المرافق الدينية والحسينيات والمساجد أو المراكز الثقافية والرياضية بغية استقطاب عناصر لهم ثم تجنيدهم كعملاء لهم و في خطوة تالية تنظيم مؤسسات عسكرية وميليشيات عسكرية مثل الحشد الشعبي وحزب الله العراقي وعصائب أهل الحق و… واستخدامهم لقمع معارضي النظام الإيراني وهكذا يريدون في الوقت نفسه اظهار أنفسهم أبطال الصداقة والإعمار ليفرضوا أنفسهم على المجتمع العراقي ويحولون كل إنجازات الآخرين في جيوبهم. بينما هم قتلوا الناس ، ونهبوا أموالهم أو دمروا أصولهم، ودفعوا الأموال التي صنعوها من جيوب الشعب العراقي وجعلوا أنفسهم حكامًا في هذا البلد! والعراق الحالي وإقليم كردستان العراق مثالان على هذا التدخل والنفوذ خارج حدود إيران تحت حكم الملالي.
في مثل هذا الوضع المفروض في العراق، لا الانتخابات ولا الديمقراطية لها وضعهم الحقيقي ولا الدستور والاتفاقات. الموجود هو الفرض والقهر وتحكيم السلطة غير الشرعية للنظام الديكتاتوري للملالي. لأنه في مثل هذه الحالة ، فإن جميع المناصب السيادية واتخاذ القرار الرئيسية تم تصميمها بالفعل من قبل النظام الإيراني وسيفعلون كل ما يريدون!
العراق الآن يعاني من مثل هذا الوضع. تحاول الأقليات والمعارضون للنظام الإيراني الحفاظ على ما حققوه في السنوات الماضية! بينما تخبرنا تجربة العقود الأربعة الماضية أن استمرار بقاء النظام الإيراني في العراق وهيمنته على البلد ، سيجعل أن تفقد الأقليات الانجازات الحالية. لأن طبيعة النظام الإيراني تحكم بأن لا يكون شيء للشعب ومعارضي النظام ويجب حرمانهم من كل حقوقهم وإنجازاتهم. إن الوضع المؤلم لإيران تحت حكم الملالي هو أفضل دليل على هذه الحقيقة. هذا النظام في عداء مطلق مع الديمقراطية والحرية!
الآن ، انتفض الشعب والمقاومة الإيرانية من أجل الحرية وإنقاذ إيران للعمل في دورها التاريخي في دفن دكتاتورية ولاية الفقيه. في هذا الصدد، ليس أمام الشعب العراقي والقوى الوطنية والديمقراطية طريق، الا الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية. هذه هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ العراق والمنطقة من غول التطرف الاسلامي.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.
Abdorrahman.m@gmail.com