تنشغل دوائر صنع السياسة في سوريا، في محاولة تقييم احتمالات الوضع السياسي، وما ينطوي عليه من مخاطر إضافية اتجاه سوريا، في ظل اندفاع الأميركيين لتأسيس «تحالف دولي ضد الإرهاب»، والذي تخشى دمشق أن يكون أشبه بنواة جديدة لما سبق وسمي بمجموعة «أصدقاء سوريا»، تتعدى أهدافه مكافحة المد التكفيري لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش»، نحو تقوية حلفاء الغرب على الأراضي السورية.
وينحو تفكير دمشق الرسمي على أن الحرب ضد «داعش» ستأخذ منحى وعراً، لا يصيب التنظيم الإرهابي فحسب، بل يحاول ارتجال مسارات جديدة في الأزمة السورية. وكما كان متوقعاً، تراجع الرهان إلى أبعد زاوية من احتمال إشراك دمشق في التحالف الدولي الإقليمي الجاري تكوينه لمكافحة «داعش»، والذي كان إلى وقت قريب يشكل منفذاً واقعياً لعودة التنسيق الدولي الأمني، ثم السياسي، مع سوريا، ويشكل نافذة دمشق للخروج دولياً من أزمتها الراهنة.
وأعلنت الخارجية السورية لهذه الغاية صراحة تأييدها للقرار الدولي 2170، مشيرة إلى ترحيبها بكل الجهود الرامية لمواجهة «الدولة الإسلامية» ورغبتها في الانضمام إليها، إلا أن واقع الحال الآن، أن هذا القرار بدأ يثير ريبة عسكرية، بالنظر إلى رغبة الدول الإقليمية والغربية في إقصاء كل من دمشق وطهران عن التحالف المعادي لـ«داعش»، والتنسيق مع خصومهما بدلا عن ذلك.
ويعتقد سياسيون في دمشق، وفق ما اطلعت عليه «السفير»، أن إستراتيجية واشنطن ستقوم على دعم ما تبقى من فصائل «حية» في «الجيش الحر» في المنطقة الشمالية الشرقية، وستشجع غيرها من الفصائل في مناطق أخرى على الانضمام لهذه الحرب.
وستبنى الإستراتيجية الأميركية، وفق هذا التحليل، على ضعف «داعش» المأمول في العراق لجمع أكبر عدد من المؤيدين لخصومه في سوريا، وبينهم قوى سبق وبايعت «الدولة الإسلامية» في لحظات قوته، بحيث تمنحها التغيرات في موازين القوى فرصة جديدة للعودة إلى المعسكر الثاني.
كما ستبرز «حركة حزم»، التي سبق وتلقت أسلحة أميركية متطورة، على هذه الأجندة، ولا سيما في ريفي حلب ودرعا بشكل خاص، كما تتصدر «الجبهة الإسلامية» مجددا قائمة الحلفاء المحتملين للتحالف الدولي. والجبهة كما يشاع فصيل مدعوم من السعودية، وتسعى دمشق من دون جدوى حتى الآن لضمها إلى كل من «داعش» و«جبهة النصرة» في التصنيف الدولي، باعتبارها فصيلا إرهابيا مرتبطا بتنظيم «القاعدة»، و«مسؤولة عن ارتكاب مجازر بحق المدنيين».
من جهتها، تراقب دمشق مساعي قطر في تعويم «جبهة النصرة» كبديل محتمل لملء الفراغ الناتج مستقبلا عن اندحار «الدولة الإسلامية»، على الرغم من صعوبات هذا الطموح، بسبب ارتباط «النصرة» الصريح مع «القاعدة»، رغم أنها تقيم علاقات مباشرة، هي الأخرى، مع فصائل «الجيش الحر»، وتشاركها معاركها في حماه ودرعا وريف دمشق.
كما من المتوقع، وفق القراءة ذاتها، أن تتقدم الولايات المتحدة باتجاه العشائر العربية السنية، كما الفصائل الكردية، في الريف الشمالي الشرقي، والتي شكلت مصدر عداء لـ«داعش» خلال المعارك في العام الذي مضى، وبايع بعضها «الدولة الإسلامية» لأسباب، بين أبرزها، «اتقاء شر الوافد العسكري الجديد». ويمكن لهذه العشائر أن تتحرك بفعالية في حال تأمنت لديها قدرة التسليح الكافية، كما الغطاء الجوي، خصوصا بالنظر للامتداد الذي تشكله فروعها في العراق والسعودية.
وسبق للرئيس الأميركي باراك أوباما أن أشار صراحة، منذ يومين، إلى أن «الأمر سيتطلب وقتاً بالنسبة إلينا حتى نكون قادرين على تشكيل التحالف الإقليمي المطلوب من أجل أن نتمكن من الوصول إلى القبائل السنية في بعض المناطق التي يحتلها داعش، والتأكد من أن لدينا حلفاء على الأرض جنباً إلى جنب مع الضربات الجوية التي بدأنا بها».
ورغم أن كلام الرئيس الأميركي جاء في سياق الحديث عن العراق، إلا أنه سبق وضرب على وتر مشابه منذ أسبوعين. حينها قال أوباما كلاما توقفت عنده دمشق، حين تحدث في حوار صحافي عن «حاجة الطائفة السنية (في سوريا كغالبية والعراق كأقلية) إلى خطة تلبي تطلعاتها»، مقترحا معالجة قضية نمو «داعش» من هذه الزاوية، بما يعنيه ذلك من إشراك كل العناصر الإقليمية والمحلية في هذه المعالجة.
رغم هذا، حاولت دمشق استباق ما جرى لاحقا، مع تقدم قوات «داعش» في العراق، بإرسال إشارات سياسية وعسكرية، فاستهدفت طائراتها الحربية، بعشرات الغارات، مواقع التنظيم في الرقة ودير الزور، على الرغم من وجود أولويات أخرى في مناطق اشد خطرا على الدولة، كما في محيط دمشق وجنوب البلاد ووسطها في حماه، كما في القنيطرة التي ينمو تهديدها باطراد. كما خرج وزير الخارجية السوري وليد المعلم، في مؤتمر صحافي، رحّب فيه بالقرار الدولي، رغم الريبة التي لدى دمشق بصدده، كما أعلن حماس سوريا للدخول في أي تحالف دولي، أو إقليمي، لمواجهة الخــطر التكفيري. وشجعت موسكو الخطوة الأخيرة، ودعمتها، كما فعلت إيران، رغم قنــاعة الطرفين أن واشنطن وحلفاؤها ليسوا بصدد دعوة دمشق إلى النادي الجديد.
والواقع أنه ليس ثمة أوهام، لدى القيادة السورية، بصدد أي تحول ستقوم بها واشنطن اتجاهها. وكان سبق لمصدر سوري رفيع المستوى أن أكد، لـ«السفير»، عدم «توافر ظروف تنسيق أو تعاون أمني مباشر مع الولايات المتحدة» حتى الوقت الراهن.
على العكس، ثمة خشية من أن تحاول واشنطن الهروب، مما وصفه بعض مشرعي الكونغرس «بفشل إستراتيجيتها اتجاه سوريا»، بالعودة إلى خيار تسليح ما يسمى بـ«الفصائل المعتدلة»، وهو ما يعني تجدد مشروع «إسقاط النظام بالقوة العسكرية»، وعودة اشتعال الدم مجددا على جبهات عديدة.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :