محمد البدري
تتداعي الاوضاع في مصر بتسارع اصبحت متابعتها يلهث لها اسرع عدائي مارثونات المسافات القصيرة والطويلة علي السواء. واصبحت الرئاسة تلعب لعبة القط والفأر مع جماهير المصريين. ومع كل خطأ صادر من مؤسسة الرئاسة نجد رد فعل شعبي واسع رافض تسانده قوي المجتمع المصري الحزبية وهو ما لم يحدث سابقا طوال عصر الحكم بنظام يوليو اللهم الا في حادثتين شهيرتين عندما خدع عبد الناصر الشعب في محاكات الطيران درءا لثورة عليه بسبب الهزيمة الكبري التي الحقها هو بهم وكذلك في اعتراض قوي مصرية علي زيارة القدس وعقد اتفاق كامب ديفيد مع السادات.
فعلي مدي اقل من نصف عام أخطأ الرئيس مرسي كثيرا وتراجع كثيرا ايضا في معظم قراراته مقارنة بالستون عاما الماضية. فهناك مشتركات بين نظامي قبل الثورة في منهج التراجع عما يتخذه الحاكم من قرارات أهمها سحب قرارات رفع الاسعار في ثورة المصريين 18/19 يناير 1977. لكن ما يميز نظام مرسي انه يضمر فلسفة كاملة غير معلنة ينوي تطبيقها علي المصريين دون البوح بمفرداتها، بعكس الثلاثة الذين حكموا قبله حيث كانت تتبدل سياساتهم طبقا للاحوال لكنهم كانوا يعلنون بوضوح وصراحة ما ينتون عمله.
الرئيس مرسي عضو جماعة الاخوان وترأس حزب الحرية والعدالة عندما قررت الولايات المتحدة الامريكية التدخل في الشأن الداخلي في مصر بعد الثورة بتحويل مصر الي دولة دينية كانت السعودية بنظامها هي النموذج حيث اسرة واحده تستأثر بالحكم والثروة. هكذا تطابقت عين الادارة الامريكية والاخوان المسلمين والاسرة السعودية علي السواء بعد ان سلمت الاخيرة بان نظام مبارك لم يعد ممكنا عودته. العائلة هناك تقابلها الجماعة في مصر والطاعة والولاء لرأسها مشترك بين الجماعة بمرشدها والاسرة المالكة هناك بملكها. ولو اصبح الدستور في مصر محكوما بالقرآن ولو مؤقتا فان نهاية المطاف وبالسلطة والمجتمع ستجعل مصر محكومة كالسعودية دون دستور انما القرآن وهو ما كانت الجماعة تعلنه بان “القرآن دستورنا” وان “الاسلام هو الحل”. لهذا انشات الجماعة حزب “العدالة والحرية” بعد اقل من اربعة أشهر من الثورة ليدخل سباق الانتخابات إما علي مجلس الشعب أو علي الرئاسة أو كلاهما كهدف نهائي لسرقة الوطن باكمله.
ومع فوز مرسي بالرئاسة بعد كثير من الشكوك في نزاهة الانتخابات بالرشوة أو بالتزوير او ببقاء كثيرين خارج لعبة الانتخاب بين من بقي من مرشحي الرئاسة في الجولة الثانية لعدم القناعة بهم، بدأ اللعب بالقانون والدستور كخطوات تمهيدية للوصول الي ما يشبه الحكم في مملكة آل سعود. ففي الدستور الذي يسرعون في كتابته علي عجل من فئات تم اختيارها بشكل خاطئ تماما ولا يمثل معظمها قيمة قانونية أو دستورية وليس لهم في علوم السياسة والاجتماع من شئ اللهم الا بخداع البسطاء من شعب مصر باللحية وما يشابهها من مظاهر اتفق البسطاء علي انها من أمور الدين لجهلهم اساسا بالدين، فان دستورا يخرج منهم ومعظمهم من احزاب دينية متشددة تنفق عليها مملكة آل سعود الكثير من الاموال سيكون دستورا اقرب العرف الديني. فقد حاولت الاحزاب الدينية ان تضع نفسها كجماعة في الدستور بان تضمن نصا يقول “بما لا يخالف عقيدة اهل السنة والجماعة” لتختتم بها كثيرا من نصوص الدستور. وعندما فشلوا لاعتراض البعض وعدم توافقهم معهم علي هذه الصياغة حاولا تخفيفها الي ووضع جملة ” بما لا يخالف صحيح الشريعة”.
جرت أهم المعارك لتحويل مصر الي دولة دينية داخل الجمعية التاسيسية لكتابة الدستور حول المادة الثانية التي ورط السادات مصر فيها عندما كان هو ذاته يريد ان يكون حاكما بامر الله لانه رئيس مؤمن لدولة مؤمنة حسب اقواله. لكن احد الحكماء وقتها نصحه بان يضع لفظ “مبادئ” أمام لفظ “الشريعة الاسلامية” دعما لحالة التحضر التي تمتع بها مصر دون باقي الدول التي لم تعرف الدولة الا بدعم من امثال “لورنس” العرب أو “مكماهون” أو “تيودور روزفلت” الذي قايض حاكم السعودية علي نفط المملكة مقابل دعمه للاسرة الحاكمة وعقيدتها الوهابية في نهاية الحرب العالمية الثانية. استضافت المملكة اعضاء جماعة الاخوان بعد ان انقلبوا علي بعضهم البعض قتلا وتشريدا في العام 1954 حيث حاولا اغتيال جمال عبد الناصر احد اعضائها الذي انقلب عليهم مستاثرا بالسلطة ورافضا اقتراحات المرشد باخذ عدة وزارت في حكومته بعد ان جري تجريف الوطن من كل احزابه.
إنه التشابه إذن بين نظام يوليو ونظام آل سعود وما يجري تاسيسه بالاخوان المسلمين حاليا. فكما زرعت الاسرة السعودية اعضائها في كل مفاصل الدولة زرع عبد الناصر ضباطه في كل اجهزة الدولة وهو ما يجري بنفس الاسلوب من جماعة الاخوان بعد وصول مرسي للسطة. هذا التغلغل الفئوي الوظيفي لهذه النماذج الثلاثة له تاريخيته في الحكم بالاسلام قديما. فكما استبعد عبد الناصر اعضاء الجماعة وكما استبعدت الاسرة السعودية كل بقايا الشريف حسين برعاية امريكية استبعد القرشيين الانصار في سقيفة بني ساعدة وكان العتف قرينا للاحداث وقتها. أخذ “أبو بكر” بيعته وفي نهايتها أقر “عمر” لتولي امور الناس هناك ولم يشرك أحدا من الانصار، نصف مجتمع المسلمين وقتها. وبنهاية عصر “عمر” بمقتله جعلها في عشيرته وقبيلته المسلمة من قريش دون كل المسلمين قدماء ومحدثين فجعل الولاية لمن بقي علي قيد الحياة من المبشرين بالجنه وعددهم 6. ولأنه الحاكم العادل جدا (لا نعرف مبررا لها) حسب اشاعات الرواة الاسلاميين فقد جعل ابنه القاتل معهم لترجيح عملية الاختيار بين هؤلاء الستة مفضلا اياه علي الانصار ومن لحق بدين الاسلام من بعد وفاه مؤسسه. يبدو التشابه واضحا، فالقاتل والخارج علي القانون قديما يشبه انضمام اعضاء كثيرين ممن حملوا الجنازير والسكاكين زمن السادات في الجامعة وكذلك من اشتركوا في قتله وقتلوا مصريين في احداث المنصة وما بعدها في اسيوط الي الجمعية التاسيسية لكتابة الدستور. وتبدو الامور بهذا الشكل كقاعدة في الحكم بالاسلام وكان المجرمين والقتلة هم افضل العناصر للترشيح للحكم أو لكتابة الدساتير.
ولن نسترسل في حكم القبيلة والاسرة والعشيرة بعدها حيث عثمان الذي استبدل كل عمال عمر بعمال من قرابته الي معاوية … الخ نظام الحكم بالاسلام الذي اصبحت الولايات المتحدة الامريكية هي الراعيه له في عصرنا الحديث.
مرسي إذن علي طريق جمال وعلي طريق المماليك وعلي طريق بنو امية ومن قبلهم الخلفاء الراشدين!!! اعلنها الرئيس الجديد انه رئيس لكل المصريين وقال اطيعوني ما اطعت الله فيكم. لكن قراراته وحمايته لمؤسسات مشبوهة كمجلس الشوري وتاسيسية الدستور واعتراضه علي حل مجلس الشعب بالقانون الذي يريد ان يحوله بعض اعضاؤة الي زاوية او مسجد، ليس رئيسا لكل المصريين انما لاصناف كانت سببا في خراب مصر علي مدي اكثر من 1400 عام. محمد البدري (مفكر حر)؟