الإتحاد الاماراتية: إيميل حكيم
قد يعتقد البعض أن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا لا يمكن أن تكون أسوأ مما هي عليه اليوم، ولكن صعود المتطرفين في ذلك البلد الشرق أوسطي أخذ يفضي إلى نوع خطير من التفكير في العواصم الغربية، حيث بدأ مؤخراً مستشارون رفيعو المستوى ومسؤولون سابقون يتحدثون عن بشار الأسد باعتباره أهون وأقل ضرراً من أي شيء آخر قد يأتي لاحقاً، بل إن البعض بات ينظر إليه باعتباره شريكاً ممكناً في محاربة الإرهابيين «الجهاديين».
ويذهب أصحاب هذا الاعتقاد إلى أن من شأن إعادة مدّ الجسور مع الأسد أن يسمح لأجهزة الاستخبارات الغربية باختراق أنشطة المجموعات المتطرفة وعرقلتها، وبالمساعدة على التعرف أكثر إلى المئات من «الجهاديين» الغربيين الذين يتقاطرون على ساحة الصراع في سوريا. والحال أن هذا التحليل التبسيطي يغطي على سجل نظام الأسد ويتغاضى عنه. كما أنه أيضاً يمكن أن يدفع إدارة أوباما التي يقاس النجاح بالنسبة لها في سوريا على ما يبدو من حيث مدى عدم انخراطها فيه، إلى العودة من جديد إلى استراتيجية محاربة الإرهاب الضيقة والرجعية التي تبنتها في بلدان مضطربة أخرى مثل اليمن.
ولعل آخر المدافعين عن هذا التفكير هو ريان كروكر، السفير الأميركي السابق إلى سوريا والعراق وأفغانستان، الذي قال لصحيفة «نيويورك تايمز»، في معرض كلامه عن محاربة الإرهاب وموضوعات أخرى، إن: «علينا أن نشرع في التحدث مع الأسد من جديد»، مضيفاً «على رغم أن الأسد سيئ، إلا أنه ليس سيئاً بقدر سوء الجهاديين الذين سيستلمون الحكم في غيابه».
والواقع أن عدداً متزايداً من المسؤولين والمحللين الغربيين باتوا ينظرون إلى سوريا اليوم باعتبارها، مثلما جاء على لسان أوباما «حرباً أهلية لا تخصنا»، حرب يقتل فيه أشرار (القاعدة وجهاديون سنة غيرهم) أشراراً آخرين (حزب الله والجهاديين الشيعة). ويعتبرون أن المصلحة الغربية الأساسية تكمن في الحيلولة دون توسع رقعة قتالهم ومنع «الجهاديين» الغربيين من أن يتحولوا إلى تهديد داخلي.
والحقيقة أن المجموعات «الجهادية» أخذت تكتسب موطئ قدم لها في سوريا بالفعل، خاصة مجموعة «دولة العراق والشام الإسلامية» التي ازدادت حجماً وتوسعاً وخطراً. فهذه المجموعة طردت الناشطين والصحافيين وعمال المساعدات، وقتلت الثوار المحليين، وفرضت حكماً متشدداً في عدد من المناطق. وفي هذه الأثناء، يكافح الثوار السوريون، بأسلحة ضعيفة ويقاتلون على عدد من الجبهات، لاحتواء المتطرفين، وفي بعض الأحيان، يتوصلون إلى حلول صعبة أو ينضمون إليهم في القتال ضد القوات الحكومية -من باب البراجماتية والضرورة أكثر منه من باب الأيديولوجيا.
والحال أن كل هذا كان متوقعاً. ذلك أن الأسد بادر بسجن وقتل ناشطين مدنيين سلميين، ولكنه أطلق سراح الكثير من السلفيين الذين كانوا مسجونين بعيد بدء الانتفاضة، وذلك بهدف تغيير طبيعة المعارضة واستراتيجيتها. وبالتوازي مع ذلك، أدى فشل الغرب أيضاً في تدريب الثوار السوريين وتسليحهم إلى إضعافهم مقارنة مع المتطرفين. وما خدم مصلحة الأسد، أن بعض المجموعات «الجهادية» لطخت صورة الثورة السورية وأساءت إليها، ما أكد الخطاب الكاذب الذي عمل النظام على الترويج له خلال المراحل الأولى من الانتفاضة حول «الإرهاب إسلامي».
إن النظر إلى سوريا بشكل رئيسي أو حصري من منظار محاربة الإرهاب بعد عامين من الحرب الأهلية يمثل خطأ فادحاً وجسيماً، وتجديد التعاون الاستخباراتي هو بالضبط الطريقة التي يأمل الأسد إغراء واستعادة الدعم الغربي بها. والحال أن بعض أجهزة الاستخبارات الأوروبية قامت منذ بعض الوقت باستئناف محادثاتها مع نظيرتها السورية، بل إن الأسد نفسه عرض مثل هذه المساعدة على أوباما، على ما يقال، من خلال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي زار واشنطن مؤخراً.
والراهن أن حسابات الأسد تذهب إلى أن تقديم معلومات حول الرهائن الغربيين و«الجهاديين» الغربيين أيضاً سيؤدي إلى مقابل، وسيعزز موقفه تماماً مثلما فعل الاتفاق حول الأسلحة الكيماوية. وأن الظهور بمظهر البراجماتي والمتعاون سيرغم الغرب على إعادة النظر في مواقفه السابقة منه، وأن التعاون مع الغرب سيدعم شرعيته وسيزيد من إضعاف معنويات أعدائه الداخليين.
والحقيقة أن الأسد سبق له أن لعب هذه اللعبة ضد خصومه بنجاح، حيث خدع المسؤولين الأوروبيين والأميركيين بعد أن أرسل مقاتلين «جهاديين» لقتل آلاف العراقيين -والكثير من الأميركيين- في العراق، وزعزع استقرار لبنان، وبنى مفاعلاً نووياً. وعلاقة الأسد بالمجموعات «الجهادية» السنية طويلة وموثقة بشكل جيد، حيث استعمل هذه المجموعات وتلاعب بها ليس في العراق فحسب، ولكن في لبنان أيضاً. واليوم، هناك شكوك قوية في أن الأجهزة الاستخباراتية التابعة للنظام اخترقت بعض المجموعات المتطرفة.
وفي نهاية المطاف، يتوقع الأسد أن خوف العالم من الإرهاب «الجهادي» المقبل سيجعله ينسى المذابح التي ارتكبها. غير أن إمكانية نجاحه في هذا المسعى بعد أن قتل عشرات الآلاف من أبناء شعبه ستشكل إدانة للسياسة الغربية، بل إن فظاعات نظام الأسد -التي تتجاوز فظاعات الثوار بكثير- واستراتيجيته الطائفية القبيحة، كان ينبغي أن تنسف الفكرة الخاطئة التي مؤداها أنه علماني لمجرد كونه يرتدي ملابس غربية، ولديه زوجة غير محجبة، ويسمح لطوائف مختلفة بالصلاة طالما تخلت عن حريات أخرى. والحال أنه في كل هذه الظروف، فإن كلمة «علماني» لا تعني شيئاً.
وعلاوة على أنه من الإفلاس الأخلاقي والخطأ السياسي، فإن استئناف التعاون مع نظام الأسد في محاربة الإرهاب لن يؤدي إلا إلى مفاقمة المشكلة «الجهادية»، وذلك لأنه سيؤكد صحة الشكوك السنية بأن الغرب كان دائماً متواطئاً مع الأسد، وسيدفع المزيد من السوريين إلى الانضمام إلى المجموعات «الجهادية» المتطرفة، وسيجعل من الصعب أكثر تطوير شركاء محليين من أجل التصدي للمتطرفين.
وعليه، فإن أفضل استراتيجية لمحاربة الإرهاب تظل هي دعم وتمكين التيار الغالب والمعتدل من الثوار السوريين كجزء من السياسة الأكبر والأكثر قوة وفاعلية التي ما فتئ البيت الأبيض يرفضها.
إيميل حكيم
محلل متخصص في شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز