نص كامل لتقرير نيويورك تايمز عن تحالف سري مصري إسرائيلي

ترجمة “عربي21” : ديفيد كيركباتريك: نيويورك تايمز

تمكن الجهاديون في شمال سيناء بمصر من قتل المئات من الجنود وضباط الشرطة، وبايعوا بالولاء الدولة الإسلامية، كما تمكنوا ولو لفترة محدودة من السيطرة على بلدة كبيرة وراحوا يقيمون نقاط التفتيش المسلحة لبسط نفوذهم على مزيد من الأراضي. وفي أواخر عام 2015 أسقطوا طائرة ركاب روسية.
بدت مصر عاجزة عن وقفهم، فما كان من إسرائيل، التي هالها ذلك الخطر المحدق بها عبر الحدود، إلا أن اتخذت الإجراء اللازم.
شنت طائرات إسرائيلية غير معرفة، بعضها من دون طيار وبعضها مروحية وأخرى مقاتلة، وعلى مدى عامين متتاليين حملة جوية سرية اشتملت على تنفيذ ما يزيد عن مئة ضربة جوية داخل مصر، في كثير من الأحيان بمعدل أكثر من مرة في الأسبوع الواحد- وكل ذلك بموافقة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي.
تشكل هذه العملية المثيرة مؤشرا على دخول مصر وإسرائيل مرحلة جديدة من العلاقات، بعد أن كانت ولفترة طويلة مشوبة بالتوتر. فقد كان البلدان عدوين خاضا ضد بعضهما البعض ثلاثة حروب، ثم أصبحا طرفي نقيض في عملية سلام قلقة، ثم ها هما الآن يتحولان سرا إلى حليفين في حرب خفية ضد عدو مشترك.
بالنسبة للقاهرة، ساعد التدخل الإسرائيلي الجيش المصري على استعادة السيطرة على مواقعه في معركة ضد المسلحين الإسلاميين دارت رحاها على مدى خمسة أعوام. أما بالنسبة لإسرائيل، فقد عززت الضربات الجوية أمن حدودها وحققت الاستقرار لجارتها.
يمثل التعاون بين الطرفين في شمال سيناء دليلاً دامغاً على إعادة تشكيل وصياغة السياسات في المنطقة، وإن كان بشكل هادئ، حيث ساهم العداء المشترك لتنظم الدولة الإسلامية وإيران وتيار الإسلامي السياسي في جلب عدد من الدول العربية بكل هدوء نحو توافق متنام مع إسرائيل- على الرغم من استمرار مسؤولي هذه الدول العربية ووسائل الإعلام فيها في شيطنة الدولة اليهودية في العلن.
يقول المسؤولون الأمريكيون إن الحملة الجوية الإسرائيلية لعبت دورا حاسما في تمكين القوات المسلحة المصرية من استعادة الغلبة على المسلحين الإسلاميين. إلا أنه نجم عن الدور الإسرائيلي عواقب غير متوقعة بالنسبة للمنطقة ككل، بما في ذلك فيما يتعلق بمفاوضات السلام في الشرق الأوسط، وذلك جزئياً عبر تشكل القناعة لدى كبار المسؤولين الإسرائيليين بأن مصر باتت الآن عالة عليهم في الاحتفاظ بالسيطرة على أراضيها.
ولقد أكد وقوع الهجمات الإسرائيلية داخل مصر عدد من المسؤولين البريطانيين والأمريكيين السابقين والحاليين من ذوي الارتباط بسياسة الشرق الأوسط، مشترطين عدم الإفصاح عن هوياتهم نظراً لأنهم يخوضون في مواضيع سرية للغاية.
في هذه الأثناء رفض المتحدثون باسم العسكر في كل من إسرائيل ومصر التعليق على الخبر، وكان ذلك أيضاً حال الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية.
حرص البلدان الجاران على إبقاء الدور الإسرائيلي في الضربات الجوية طي الكتمان خشية أن يؤدي الكشف عن ذلك إلى ردود فعل داخل مصر، والتي مازال المسؤولون الحكوميون فيها وكذلك وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة يتحدثون عن إسرائيل كعدو ويعلنون دعمهم للقضية الفلسطينية.
تشير المعلومات إلى أن الطائرات الإسرائيلية من غير طيار ليست معلمة، أما الطائرات الإسرائيلية المقاتلة والطائرات العمودية فتعمل على إخفاء آثارها، حيث يطير بعضها في خطوط دائرية لإعطاء الانطباع بأنها طائرات مصرية مقرها داخل الأراضي المصرية، وذلك بحسب ما صرح به مسؤولون أمريكيون اطلعوا على تفاصيل العمليات.
وفي داخل إسرائيل، يحظر المراقب العسكري نشر أي تقارير حول الهجمات الجوية. وليس واضحاً حتى الآن ما إذا كانت أي قوات برية أو قوات خاصة إسرائيلية قد عبرت الحدود إلى داخل الأراضي المصرية، علما بأن مثل هذا الإجراء يمكن أن يزيد من مخاطر الانكشاف.

(نزكي لكم قراءة ايضاً:بحث السيسي وفضح خيانة الحكام العرب )
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن السيسي اتخذ مزيداً من الاحتياطات لإخفاء مصدر الهجمات الجوية فلم يخبر عنها سوى دائرة ضيقة جداً من ضباط الجيش وضباط المخابرات. وكانت الحكومة المصرية قد أعلنت شمال سيناء منطقة عسكرية مغلقة وحظرت على الصحفيين جمع المعلومات من هناك.
فيما وراء الكواليس، ما لبث كبار الجنرالات في الجيش المصري يوطدون علاقاتهم بنظرائهم الإسرائيليين منذ التوقيع على اتفاقيات كامب دافيد قبل أربعين عاماً، وتحديداً في سنة 1978. ولقد ساعدت قوات الأمن المصرية إسرائيل في فرض قيود على مرور البضائع من وإلى قطاع غزة، ذلك الشريط من الأرض الفلسطينية المحاذي لمصر والذي تسيطر عليه حركة حماس. ومنذ ذلك الوقت لم تنفك أجهزة المخابرات المصرية والإسرائيلية عن تبادل المعلومات عن الإسلاميين المتشددين على جانبي الحدود.
انتاب المسؤولين الإسرائيليين قلق شديد في عام 2012 عندما قامت مصر، بعد ثورة الربيع العربي، بانتخاب أحد زعماء الإخوان المسلمين رئيساً لها. وعلى الرغم من أن الرئيس الجديد، محمد مرسي، تعهد باحترام اتفاقيات كامب دافيد، إلا أن الإسرائيليين كانوا يتوجسون من القرابة العقائدية ما بين جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس ومن العداوة التاريخية التي تكنها الجماعة للدولة اليهودية ذاتها.
بعد عام واحد قام السيسي، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع، بالإطاحة بالسيد مرسي في انقلاب عسكري، فرحبت إسرائيل بالتغير الذي حدث في نظام الحكم وحثت واشنطن على قبول ما جرى، الأمر الذي متن الشراكة بين جنرالات الجيش في الجانبين من الحدود.
أصبح شمال سيناء، وهو منطقة جبلية صحراوية تقع ما بين قناة السويس والحدود الإسرائيلية وطالما كانت نائية عن السيطرة المحكمة، ملاذاً للمسلحين الإسلاميين خلال العقد الذي سبق استيلاء السيسي على السلطة. كانت المنظمة الجهادية الرئيسية فيها، واسمها أنصار بيت المقدس، تركز هجماتها على إسرائيل، ولكن بعد الانقلاب الذي قاده السيسي بدأت هذه الجماعة تشن موجة من الهجمات المميتة على قوات الأمن المصرية.
بعد أسابيع قليلة من استيلاء السيسي على السلطة، في آب/أغسطس 2013، تسبب انفجاران مجهولان في مقتل خمسة أفراد يشك في أنهم من المتشددين داخل ناحية من نواحي شمال سيناء لا تبعد كثيراً عن الحدود الإسرائيلية. وحينها نقلت وكالة “الأسوشييتد بريس” عن مسؤولين مصريين لم تسمهم أن طائرات إسرائيلية بلا طيار هي التي أطلقت الصواريخ التي قتلت المتشددين، ربما على إثر تحذيرات مصرية من أنهم كانوا يخططون لشن هجوم عبر الحدود على أحد المطارات الإسرائيلية. (يذكر أن إسرائيل كانت قد اتخذت قرارا بإغلاق المطار في اليوم السابق لذلك الهجوم).
إلا أن المتحدث باسم السيسي، العقيد أحمد علي، نفى الخبر قائلاً: “لا صحة إطلاقاً، لا من حيث الشكل ولا المضمون، لوقوع أي هجمات إسرائيلية داخل الأراضي المصرية.” وأضاف في تصريح له آنذاك وعد من خلاله بإجراء تحقيق في الأمر: “إن المزاعم بوجود تنسيق بين الجانبين المصري والإسرائيلي بهذا الشأن عارية تماماً عن الصحة وهي منافية للعقل والمنطق”.
رفضت إسرائيل حينها التعليق على الأمر، وذهبت الحادثة طي النسيان.
إلا أنه وبعد مرور عامين كان السيسي ما يزال يواجه صعوبة بالغة في إلحاق الهزيمة بالمسلحين الإسلاميين، حيث تسببت عملياتهم حتى ذلك الوقت في مقتل ما لا يقل عن عدة مئات من جنود الجيش وعناصر الشرطة المصرية.
وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2014، أعلنت مجموعة أنصار بيت المقدس رسمياً تحولها إلى ولاية سيناء، فرع تنظيم الدولة الإسلامية. وفي الأول من يوليو / تموز من عام 2015، سيطر المتشددون لفترة محدودة على بلدة الشيخ زويد في شمال سيناء، ولم ينسحبوا منها إلا بعد أن قصفت الطائرات المقاتلة والمروحيات المصرية البلدة، بحسب ما نقلته وكالات الأنباء الحكومية. ثم، وفي نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر، أسقط المتشددون طائرة ركاب روسية مستأجرة مما تسبب في مصرع 224 شخصا كانوا على متنها.
في ذلك الوقت، وعلى إثر هذه الأحداث الجسام، في أواخر عام 2015، بدأت إسرائيل بشن موجة من الضربات الجوية، حسب ما صرح به مسؤولون أمريكيون، وهي الضربات التي يعزى إليها الفضل في قتل قائمة طويلة من زعماء المتشددين.
على الرغم من أن من كان يحل محل هؤلاء القادة لم يكونوا أقل توحشاً منهم، إلا أن المتشددين بدأوا يتبنون أهدافاً أقل طموحاً. فلم يعودوا يجرؤون على إغلاق الطرق ولا إقامة نقاط التفتيش أو فرض سيطرتهم على أي مناطق، بل انتقلوا إلى ضرب الأهداف الأسهل مثل المسيحيين في سيناء، والكنائس في وادي النيل أو المسلمين الآخرين الذين كانوا يعتبرونهم مرتدين. وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017، قتل المتشددون 311 مصل في مسجد صوفي في شمال سيناء.
بحلول ذلك الوقت، كما يقول المسؤولون الأمريكيون، بدأ الإسرائيليون يشتكون لواشنطن من أن المصريين لم يكونوا يفون بالتزاماتهم بحسب ما هو متفق عليه معهم من ترتيب، وقالوا بأن القاهرة أخفقت في إتباع الضربات الجوية بتحريك منسق لقواتها البرية.

على الرغم من أن الرقيب الإسرائيلي حظر على وسائل الإعلام هناك نشر أي تقارير حول الضربات الجوية، إلا أن بعض هذه الوسائل تمكنت من الالتفاف على الحظر من خلال الإشارة إلى تقرير إخباري نشرته وكالة “بلومبيرغ” في عام 2016، نقلت فيه عن مسؤول إسرائيلي سابق لم تسمه القول إن طائرات إسرائيلية من غير طيار تشن هجمات جوية داخل مصر.
شبه زاك غولد، وهو باحث متخصص في شؤون شمال سيناء وعمل لبعض الوقت داخل إسرائيل، تلك الهجمات الجوية ببرنامج السلاح النووي الإسرائيلي – حيث أن كلاهما سر مفضوح.
قال زاك غولد: “تعتبر الهجمات الإسرائيلية داخل مصر في نفس المستوى تقريباً. في كل مرة يقول أي من الناس شيئاً عن البرنامج النووي، فإن عليهم أن يقولوا مازحين “بحسب ما ورد في الصحافة الأجنبية”. مصلحة إسرائيل الإستراتيجية الأساسية في مصر هي الاستقرار، وهم يرون أن نشر المعلومات حول هذا الأمر يهدد ذلك الاستقرار”.
أما داخل الحكومة الأمريكية، فقد باتت الهجمات الجوية معروفة على نطاق واسع بما يكفي لأن يناقشها الدبلوماسيون ومسؤولو المخابرات في اللقاءات المغلقة التي يعقدونها مع المشرعين داخل الكونجرس، حتى أن بعض هؤلاء المشرعين لم يترددوا في جلسات استماع علنية عن الإشادة بهذا التعاون الوطيد والمدهش بين المصريين والإسرائيليين في شمال سيناء.
في مقابلة هاتفية مع السيناتور بنجامين إل كاردين الذي يمثل ولاية ماريلاند، وهو العضو الديمقراطي الرائد في لجنة الشؤون الخارجية داخل مجلس الشيوخ، رفض السيناتور مناقشة تفاصيل الإجراءات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل في مصر، ولكنه قال إن إسرائيل لم تكن تتصرف “من باب الإحسان إلى من هو في الجوار”.
وقال: “لا تريد إسرائيل للأشياء السيئة التي تقع في سيناء المصرية أن تتسرب إلى إسرائيل.” وأضاف قائلاً إن ما تبذله مصر من جهد لإخفاء الدور الإسرائيلي عن مواطنيها “ليس ظاهرة جديدة”.
إلا أن بعض الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل يشكون أنه في ضوء اعتماد مصر على الجيش الإسرائيلي، فإنه يتوجب على المسؤولين والدبلوماسيين المصريين وعلى أجهزة الإعلام المملوكة للدولة المصرية التوقف عن التنديد بالدولة اليهودية بشكل علني، وخاصة في المنتديات والمحافل الدولية مثل الأمم المتحدة.
وفي ذلك يقول النائب إليوت إل إنجيل، عن ولاية نيويورك وعضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي: “حينما تتكلم مع السيسي تجده يتحدث عن التعاون الأمني مع إسرائيل، وعندما تتحدث مع الإسرائيليين تجدهم يتحدثون عن التعاون الأمني مع مصر، إلا أن لعبة الازدواجية هذه مستمرة، وهذا أمر يربكني”.
كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو كن يتعمد تذكير الدبلوماسيين الأمريكيين بالدور العسكري الذي تقوم به إسرائيل في سيناء. ففي شهر شباط/ فبراير من عام 2016، على سبيل المثال، عقد وزير الخارجية جون كيري لقاء قمة سرياً في العقبة، في الأردن، مع كل من السيسي وعاهل الأردن الملك عبد الله والسيد نتنياهو، بحسب ما صرح به ثلاثة مسؤولين أمريكيون كانت لهم علاقة بالمحادثات أو حصلوا على تقارير بشأنها.
اقترح كيري إبرام اتفاق إقليمي تضمن بموجبه كل من مصر والأردن أمن إسرائيل كجزء من صفقة ينجم عنها قيام دولة فلسطينية.
إلا أن السيد نتنياهو سخر من الفكرة. وقال، بحسب ما صرح به الأمريكيون، إن الجيش الإسرائيلي هو الذين يقدم الإسناد للجيش المصري. وقال السيد نتنياهو إنه إذا كانت مصر غير قادرة على السيطرة على الأرض داخل حدودها، فهي بالكاد في وضع يؤهلها لضمان أمن إسرائيل.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.