لا أحد يجادل في ارتباط “حزب الله” وزعيمه بالجمهورية الاسلامية الايرانية ومرشدها. لهذا يدور الآن سؤال كبير عما ستطلبه طهران من السيد حسن نصرالله في المرحلة المقبلة التي تفصل لبنان عن سقوط النظام السوري. التكهنات كثيرة، لكن أسوأها الذي سيكون بمثابة الكارثة الكبرى على لبنان أن يكون “التكليف الشرعي” الذي سيصدره الامام الخامنئي الى نصرالله بتفجير الاوضاع هنا لتغطية انهيار سلطة بشار الأسد استعدادا للسيناريوهات المظلمة واحدها محاولة انشاء الدولة العلوية في شمال سوريا. ربما يكون الجواب ان مرشد الجمهورية الاسلامية لن يدفع تابعه اللبناني في هذا الاتجاه المخيف بل السماح له باستكشاف سبل تحصين لبنان في مواجهة تداعيات انهيار “سد مأرب” النظام السوري. وأول الخطوات لهذا التحصين ستكون بقبول “حزب الله” بنزع الصاعق من القنبلة الموقوتة المتمثلة بالحكومة الحالية واستبدال الرئيس نجيب ميقاتي بشخصية محايدة على رأس حكومة انقاذية ترعى المرحلة الانتقالية ليس نحو الانتخابات النيابية المقبلة فحسب بل نحو سوريا الجديدة التي ستولد في وقت بات قريباً جداً.
في انتظار أن يظهر تكليف ايراني من هذا النوع أو لا يظهر أبداً، تبدو حركة الرئيس نبيه بري الحوارية مع نواب 14 آذار مثيرة للاهتمام، فهي إما بموافقة من “حزب الله” من أجل كسب الوقت ريثما يصل التكليف الايراني الكبير، وإما هي من عنديات بري كيّ يحضّر البلاد لخيارات أخرى غير التي سيطرحها الايراني لتفجير لبنان. وإذا كان الاحتمال الاخير هو وراء ما يسعى اليه بري فمن حقه ان يخشى على حياته أسوة بخشية كل قيادات 14 آذار.
لا مبالغة في القول أبداً، ان سياسة “النأي بالنفس” التي تتباهى بها لفظياً حكومة “حزب الله” ستكون حقيقية برحيل هذه الحكومة قبل فوات الاوان. فهي جاءت في زمن القهر لزعيم الاغلبية الرئيس سعد الحريري. وإذا استمرت بعد زمن القهر السوري الآيل الى السقوط فمعنى ذلك أن طهران قررت نقل المواجهة من سوريا الى لبنان، وبتعبير آخر، ستتدفق الحرب الاهلية الى لبنان من سوريا حيث يسعى النظام المتهالك هناك الى إضرامها. فهل هذا ما تريده طهران وسينفذه “حزب الله”؟
من باب التبسيط الذي يريح عقول الذين لا يجرؤون على استباق العاصفة القول ان قوة “حزب الله” التي تمسك اليوم بزمام الحكومة ومفاصل الدولة قادرة على الاستمرار في هذا الموقع. هذا الكلام إذا صح اليوم فهو لن يصح غداً. وإذا كان الرئيس الحريري الذي مارس قولاً وفعلاً ما يحول دون انزلاق لبنان الى الحرب الاهلية فهو سيكون خارجها بالتأكيد إذا ما وقعت. ولأن الحرب تحتاج الى طرفين فإن “حزب الله” سيكون في مواجهة اعصار التطرف السني الذي لم يعرفه لبنان من قبل. والذين يتابعون بدقة ما يجري حول لبنان يعلمون ان معادلة القوة لم تعد الى جانب “حزب الله” بالمطلق. وكي يستفيد لبنان من فترة السماح الآيلة الى النفاد يجب أن يظهر من يقول لايران من بين أهل الشيعة في لبنان كفى.