بعد أول لقاء له بوفد نظام بشار، مساء الجمعة الماضي، أبلغ الموفد الدولي ممثلي الدول الغربية بأن اللقاء كان إيجابياً، وأشار على نحو خاص إلى أن وفد النظام يضم أربع نساء. لا نعلم ما إذا كان بلاغ المبعوث الأممي قد صيغ من قبل بشار الجعفري، رئيس وفد النظام، أسوة بتقارير المنظمة الدولية في دمشق التي انكشف مؤخراً تدخل النظام بصياغتها، بل اعترفت الأمم المتحدة بصفاقة بذلك التدخل معتبرة إياه من بديهيات عملها مع “الحكومات”. لكن إشارة دي مستورا إلى تمثيل النساء تأتي لتمنح وفد النظام أفضلية وفق المنطق الغربي، المنطق الذي لا تغيب عن أولويته قضية مثل الجندر، وربما تحصل البراميل المتفجرة والغارات الروسية على الأفضلية ذاتها لأنها لا تميز بين الضحايا على قاعدة الجنس.
كان في وسع النظام أن يجعل غالبية وفده من النساء، لمَ لا؟، فالعبرة كما يعلم المسؤولون الدوليون في أن قرار الوفد لا يعود أصلاً إلى أعضائه، وربما لا يعود حتى إلى رئيس النظام. ولدى النظام، لو شاء ذخيرة مما يُسمى “لبوات الدفاع الوطني”، بخاصة منهن اللواتي تدربن على أيدي الحرس الثوري في إيران، ويستطيع النظام أن يباهي بهن ليظهر مع حليفه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بأنهما الأجدر بتمكين المرأة من معارضة بائسة لا تمتلك فيالق من المحاربات. لدى النظام أيضاً ذخيرة من الوجوه الإعلامية النسائية التي تملأ شاشاته. مذيعة داريا التي اشتُهرت بتسجيل تتجول فيه بين جثث الضحايا، وتحاول استنطاقهم ليست الوحيدة، فهناك أيضاً المذيعة التي يقطر وجهها فرحاً في تسجيل انتشر مؤخراً، وهي تستمع إلى ضيفها الذي يمتدح قائد المخابرات الجوية لاستخدامه البراميل المتفجرة، وتوفيره على الخزينة كلفة الصواريخ المجنحة. أما مستشارة رئيس النظام، التي صرحت على محطة”سي ان ان” الأميركية بأن المعارضة اختطفت أطفالاً “علويين” وأطلقت عليها الغازات السامة في غوطة دمشق، فهي بلا شك تستحق التقاعد في وظيفة أممية معتبرة، كأن تُعيّن مكان دي مستورا نفسه.
دي مستورا لا يعلم، بحسب كلمته للشعب السوري، من يقصف السوريين، ويبدو أنه لا يعلم أيضاً من يعتقل النساء والأطفال في سوريا، على رغم تسريبات تفيد بأن النظام وافق على إطلاق سراح ما يزيد عن مائة امرأة وطفل كبادرة حسن نية. منظمة الامنستي كانت قد أطلقت قبل شهرين مبادرة دولية لمطالبة النظام بالإفراج عن رانيا عباسي وأطفالها الأربعة، ومع أن رانيا عباسي هي بطلة العرب في الشطرنج إلا أنها ليست من النمط الذي تستهوي دي مستورا الإشارة إليه. ما لا يستهوي دي مستورا بالطبع أن تحضر في جنيف مجموعة من النساء تمثل المتضررات من الدرجة الأولى والثانية، فهناك أمهات وزوجات ما يزيد على 300 ألف رجل قتلتهم قوات النظام، وهناك أمهات وزوجات ما يزيد عن 200 ألف معتقل لدى النظام. ذلك بصرف النظر عن عوائل كاملة من النساء والأطفال، يعتقلهم النظام بلا توجيه أي تهمة، وهم بمثابة رهائن فقط لأن الأزواج أو الأبناء مشاركون في النشاط أو القتال ضد النظام.
مع ذلك، الطامة الكبرى في اختيار نساء خارج وفد النظام، تحت مسميات المجتمع المدني وتمكين المرأة، فهنا تُستبعد نساء ومنظمات عملت بدأب خلال سنوات من أجل تمكين المرأة في أقسى الظروف، سواء في مخيمات الجوار أو في المناطق المحررة الواقعة تحت القصف. تحت زعم الحيادية، يتم انتقاء نساء منهن من كنّ يعملن إلى وقت قريب في مشاريع أسماء الأسد التي غايتها الوحيدة إيهام الغرب بوجود مظاهر متحضرة للنظام، ومنهن من لم يكن لهن أي جهد باستثناء حضور المؤتمرات التي نظمها فريق المبعوث الدولي، فضلاً عن موظفات لدى الهيئة الأممية لا يُستبعد أنهن شاركن في تنقيح التقارير لتصبح ملائمة للنظام بموجب إقرار الأمم المتحدة السابق ذكره.
بعض التقديرات يذهب إلى أن مجموع النساء السوريات المتضررات من الصراع يصل إلى حوالى مليون امرأة. في مقدمة الأضرار يأتي الضرران العاطفي النفسي والاقتصادي، إذ فقدت تلك النسوة معيلهن، ونسبة كبيرة فقدت حتى المأوى. هذه قد تكون الفئة الأكثر تضرراً، والتي لن تردّ لها حقوقها عبارات عمومية عن المساواة هنا أو هناك. ما يرد لها حقوقها الأساسية هو تحقيق حد أدنى من العدالة من أجل التعويض العاطفي والنفسي، وحد إنساني مقبول من التعويض المادي. ذلك وحده ما قد يخفف من وطأة المشاكل التي ستنجم عن اختلال التوازن العددي بين الجنسين في المستقبل القريب، وذلك ما سيكون العتبة الضرورية لتحفيز النساء على بناء مستقبل سيتحملن العبء الأكبر فيه بحكم اختلال التوازن.
في غضون ذلك، تحتاج سوريا دستوراً عصرياً ديموقراطياً، ينص على المساواة التامة أولاً بين المواطنين بوصفهم كذلك، ويلغي التمايزات الحقوقية، بما فيها التحفظات التي أصر عليها النظام لدى توقيعه العديد من المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق المرأة. وإذا كان المبعوث الدولي نزيهاً حقاً فليعلن على الملأ تحفظات النظام على تلك المواثيق، وليعلن على الملأ أيضاً انتهاكاته الخاصة بالمرأة والموثقة من قبل منظمات دولية. أما هذه العنصرية في اختيار نمط وحيد للنساء، نساء منفصلات عن الواقع السوري، فهو أمر لا ينسجم سوى مع فرض تمثيلهن على السوريات أسوة بمحاولة فرض التسوية الكبرى على السوريين جميعاً.
إنها لعبقرية لا تأتي سوى من المجتمع الدولي، ففي حين تعاني مئات آلاف النساء من عدم وجود الغذاء لأطفالهن، في المناطق المحاصرة وفي المخيمات، هناك ثلة من النسوة في جنيف يكاد فهمهن لدورهن يكون على النحو التالي: اتخاذ المسافة البعيدة ذاتها، من القاتل والضحية.
المصدر المدن