من حسنات شبه الديموقراطية في الأنظمة شبه المغلقة، كما ايران، ان هوامش السجال السياسي فيها، تفضح ما لا يمكن رؤيته بسهولة في الأنظمة المغلقة. فالصحف الايرانية خلال الأيام القليلة الماضية افردت صفحاتها الاولى لنشر صور عن طوابير الإيرانيين، (مات ثلاثة منهم بسبب الصقيع) امام مراكز توزيع المساعدات الغذائية ضمن برنامج أعدته حكومة الرئيس حسن روحاني. وهي صور، بسبب كونها منتجة وموزعة محلياً، بعيدا عن اذرع المؤامرة وغرفها، تفوق في قيمتها السياسية اي تقرير غربي عن الواقع الااقتصادي والسياسي في ايران.
البرنامج الغذائي الذي انطلق منذ نحو اسبوع يرمي الى توزيع سلة مواد غذائية اساسية (دجاج وارز وزيت وجبن وبيض) تبلغ قيمتها 800 الف ريال (نحو 20 يورو) على كل اسرة يقل مدخولها عن خمسة ملايين ريال شهريا (125 يورو). وبموجب هذا البرنامج يفترض ان يتم توزيع تسعة ملايين سلة على الاقل بحلول رأس السنة الفارسية في 20 اذار المقبل.
ولئن تشير الإحصاءات الى ان متوسط حجم العائلة الايرانية، لا سيما في الأرياف، هو خمسة افراد، بتنا امام برنامج غذائي يشمل الرعاية الغذائية الأولية ل ٤٥ مليون ايراني، فقط لإبقائهم على قيد الحياة!!!
تفضح هذه الأرقام عمق الكارثة الاقتصادية التي تعيشها ايران بالمقارنة مع العجرفة التي تصورها الجمهورية الاسلامية الايرانية عن نفسها عبر سياساتها الخارجية. واللافت ان نشر الصور في الصحافة المتشددة، خصوصاً، مصحوباً بانتقادات حادة لادارة حكومة روحاني لهذا البرنامج، لم يكن مدفوعاً بسجال اقتصادي مع روحاني بل بموجبات العجرفة والعنجهية الايرانية.
فقد ركزت الانتقادات على ان البرنامج “يعطي صورة سيئة عن البلاد”، و “يطال كرامة الناس” و “لا يحترم الشعب الايراني” وغيرها من العبارات التي تعالج صورة ايران وسمعتها وادعاءتها وتبجحها وليس واقع مشكلتها الاقتصادية العميقة المتفاقمة بسبب مجموع السياسات الايرانية التي منها البرنامج النووي.
فثمة في ايران من لا يزال يدفن رأسه في رمال العز الوهمي ولا شيء في جعبته الا هذا الفائض في الحساسية حيال الصورة والسمعة، كأن موت الإيرانيين جوعاً في السر افضل من إطعامهم في العلن، ان كانت برامج المعونة الغذائية ستفضح مستويات الفقر والجوع.
الواضح، كما تكشف اخبار وحوادث إيرانية كثيرة، ان لا حدود لهذه الحساسية التي باتت لا تقوى على تقبل رأي يناقش جدوى البرنامج النووي وما يجره من أكلاف على الشعب الايراني.
وفي هذا السياق أعلن أحد أبرز المحللين السياسيين الايرانيين، صادق زيباكلام، أنه استُجوِب في مكتب الادعاء العام حيث اتُهِم بـ «نشر أكاذيب وإشاعات وافتراء وإهانة القضاء وإضعاف النظام».
حيثيات الاتهام ان زيباكلام، الأكاديمي المرموق في جامعة طهران والمؤيد لروحاني، وجّه رسالة مفتوحة إلى حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة «كيهان» المتشددة، سأل فيها عن فوائد البرنامج النووي الإيراني بالنسبة إلى إيران واقتصادها ونموّها وتقدّمها، على رغم تكاليفه الضخمة.
وأضاف في رسالته: «إن مؤيدي البرنامج النووي يقولون بارتفاع مكانة إيران دولياً بسببه، أو بتعزيز احترامها»، متسائلاً: «ما هي المكانة الدولية لكوريا الشمالية وباكستان اللتين تملكان برنامجاً نووياً أكثر تطوّراً؟ لا شيء». واعتبر أن هذا البرنامج أحدث «مشكلات» لإيران، بما في ذلك «عداء دول كثيرة». وسأل: «أليس من واجب بلد هو بين الدول الأكثر تخلفاً في العالم في الصحة والتعليم والبيئة، أن تكون أولوياته الصحة والتعليم والبيئة»؟ واختتم: «بصرف النظر عن موقف الأميركيين من برنامجنا النووي، إن أولوياتنا الاقتصادية يجب ألا تكون هذا الإنفاق الضخم على هذا البرنامج».
لا حاجة للتعليق!
في منتصف ستينيات القرن الماضي قال الاب الروحي للبرنامج النووي الباكستاني ذو الفقار علي بوتو: سنحصل على القنبلة النووية ولو اقتتنا على العشب. فعلاً، حصلت باكستان على القنبلة واقتات طويلا على العشب. كلام بوتو اعقب نتائج حرب كشمير الثانية بين الهند وباكستان عام ١٩٦٥، والتي أبلى فيها الباكستانيون بلاءً عسكريا حسناً، رغم انها مهدت لسياسات انفاق عسكري فلكي أجهض كل الاحتمالات الكامنة في الاقتصاد الباكستاني كما بدت في مطالع الستينيات، وحولها الى دولة نووية فاشلة تأكل العشب.
الجارة الايرانية على موعد مع ما هو أسوأ. الأرجح ان شعبها سيأكل العشب ولن يحصل على القنبلة.
منقول عن عكاظ اليوم
مواضيع ذات صلة: كبرياء الملالي والفقر المدقع في ايران